إن اختبار الشخصية الذي يعرف باختبار سمات تحليل الشخصية اختبار تم إعداده من قبل شركة عالمية في بريطانيا معروفة باسم «توماس إنترناشيونال»، وقد اعتُمد من قبل جمعية علماء النفس في بريطانيا، وهذا الاختبار قد أنجز بناء على نظرية في علم النفس تعرف بنظرية «DISC»، وتدور حول أربع سمات للشخصية.
1- سمة التوجيه والتطوير:
ينبغي أن تصل سمة التوجيه والتطوير إلى حدها الأعلى لدى المدرّب المتألّق، أما عكسها وهي سمة الهيمنة والسيطرة فينبغي أن تصل إلى حدها الأدنى؛ إذ ليس من سمات المدرب المتألق الهيمنة والسيطرة على المتدربين، إنما هذه هي سمة المدير الذي يدير شركة أو مؤسسة تشرف على مجموعة من الموظفين، ويقوم المدير بتوجيه الموظفين نحو تنفيذ مهمات معينة يطلبها منهم، وجاءت كلمة الهيمنة والسيطرة من حرص هذا المدير على إنجاز ما يطلبه من موظفيه بصورة يومية ودفعهم نحو ذلك؛ فالمدرب المتألق هو الذي يحرص على سمة التوجيه والتطوير من أجل تنمية قدرات المتدربين ومهاراتهم.
وليعلم المدرب المتألق أنه ينبغي له ألا يفرض رأيه على المتدربين، إنما يقنعهم بما لديه من أفكار، ولهم أن يناقشوه فيها، ويأخذوا ببعضها أو كلها، ولهم أن يرفضوها قاطبة وهو أمر نادر، والنادر لا حكم له؛ حيث إن المدرب المتألق يبني قراراته على تقبّل معظم المتدربين لأفكاره، ويسعى لإقناعهم بها، ويدرك أن قبول واقتناع 80 – 90% من المتدربين لأفكاره يعتبر تألقاً في عالم التدريب.
المدرب المتألق يحرص على «التوجيه والتطوير» من أجل تنمية قدرات المتدربين ومهاراتهم
في حين لا يحزن لرفض عدد قليل من المتدربين (بحدود 10%) لأفكاره، بل يجلس معهم بعد الدورة لمزيد من الإيضاح والنقاش والحوار، وقد يقتنع ببعض أفكار المتدربين فيأخذ بها.
2- سمة الإقناع والتأثير:
ينبغي أن تصل سمة الإقناع والتأثير إلى حدها الأعلى لدى المدرب المتألق، إذ إن من سماته القدرة الفائقة على الإقناع والتأثير في الآخرين.
ونضرب مثالاً لهذه النقطة بهذه القصة: في يوليو 2003م، كنت في إحدى الأسواق أشتري حاجات البيت من صابون ومواد التنظيف، وبينما كنت أدفع بعربة التسوق بين الأرفف، إذ ببائعة تروج لصابون «أومو»، وبدأت حواراً معي:
قالت البائعة: صابون «أومو» أفضل صابون في الخليج. (ثم رفعت علبة من الرف ووضعتها في عربة التسوق دون إذن مني!).
قلت لها: أنا لا أستعمل صابون «أومو» في بيتي. (قمت ورفعت العلبة من عربتي وأرجعتها في مكانها).
قالت البائعة: يبدو أنك تجهل صفات هذا الصابون، إنه يزيل البقع من الملابس المتسخة بسهولة. (وسحبت العلبة من الرف للمرة الثانية، ووضعتها في عربتي!).
قلت لها: سيدتي، نحن في البيت نستعمل صابون «إيريل». (قمت ورفعت العلبة من عربتي وأرجعتها في مكانها).
قالت البائعة: سيدي، صابون «أومو» أثبت جدارة في دول الخليج على مدى عقود من الزمن. (ثم قامت وسحبت العلبة من الرف للمرة الثالثة، ووضعتها في عربتي!).
قلت لها: إن قرار شراء الصابون في بيتي بيد زوجتي! (قمت ورفعت العلبة من عربتي وأرجعتها في مكانها).
قالت البائعة: أيعقل أنك لست صاحب القرار في بيتك، إن قرار شراء الصابون في كل بيت قرار الزوج وليس الزوجة! (ثم قامت وسحبت العلبة من الرف للمرة الرابعة، ووضعتها في عربتي!).
قلت لها: إن كنت مصرة على رأيك، تفضلي هذا هاتفي، اتصلي بزوجتي وأقنعيها بتغيير نوع الصابون في بيتنا من «إيريل» إلى «أومو»!
قالت البائعة: نحن هنا لا نتصل بالعملاء، بل العملاء يأتون إلينا ونقنعهم بشراء بضاعتنا.
قلت لها: هذه قمة الهيمنة والسيطرة وفرض الرأي على الآخرين، اسمحي لي أن أرفع علبة الصابون من عربتي وأرجعها إلى الرف، وابحثي عن شخص غيري!
نستخلص العبرة من القصة السابقة أن المدرب المتألق يعلم أنه يستطيع جر الحصان إلى بركة الماء في مزرعته، ولكنه لا يستطيع إرغامه على الشرب منها!
.. ويمتلك القدرة على الإقناع والتأثير واستعمال لغة الجسد مع التنوع في نغمات صوته
كذلك، فالقدرة على الإقناع والتأثير تتطلب استعمال المدرب المتألق للغة جسده، والتنوع في نغمات صوته؛ إذ إنها تمثل 93% من محتوى الرسائل التدريبية المراد توصيلها إلى المتدرب، أما الكلمات التي يسمعها المتدربون من المدرب المتألق فإنها تشكل 7% فقط من محتوى الرسائل التدريبية المراد توصيلها إليهم، وعلى الرغم من كون نسبتها قليلة، فإنه يحرص على إلقائها بصورة معتدلة تطرب لها الآذان وتطيب لها النفوس.
إن أفضل إلقاء للمدرب المتألق هو الذي يكون بمعدل 120 – 140 كلمة في الدقيقة الواحدة، فما كان دون ذلك يجعل المتدرب في حالة ملل وضجر، وما كان فوق ذلك يجعل المتدرب في حالة استغراب ودهشة.
وعليه، كذلك، أن يتجنب حشو الكلام في إلقائه؛ فيبتعد عن استعمال كلمات الربط بين العبارات، مثل: من الطبيعي، كما تعلمون، من الواضح، في الحقيقة، بصراحة.. ويستبدل بهذه الكلمات سكتات زمنية تتراوح ما بين ثانية إلى ثانيتين، ويحرص على ألا تزيد على ذلك فإنها مجلبة للملل.
ولتأكيد هذه النقطة، نذكر هذه القصة: دعيت في عام 2001م لحضور مؤتمر في الهندسة عقد بمدينة مسقط عاصمة عُمان، وقد كنت حريصاً على سماع كلمة يلقيها شاب مهندس من البحرين حول الفرص الوظيفية للمهندسين في دول الخليج.
كانت مدة الكلمة 5 دقائق، فمسكت قلماً بيدي لأكتب الأفكار الرئيسة، ولكنني لم أكتب أي فكرة.. لماذا؟ بسبب حشو الكلام الذي ملأ الشاب كلمته بها! فبدأت أحصي عددها، فهالني أن عددها بلغ 85 كلمة حشو ما بين: «يعني، وآآآ، وفي الحقيقة، وكما تعلمون، وبصراحة، ومن الواضح، ومن الطبيعي..»! لقد قتل الشاب كلمته بحشو الكلام، كان بإمكانه استعمال سكتات قصيرة يربط بها أفكاره.
ولذلك، فإن المدرب المتألق يعلم أن الخطباء المفوّهين عبر تاريخنا الإسلامي لا يستعملون حشو الكلام في خطبهم، وإنما جاءتنا هذه الظاهرة من دول الغرب، حيث يكثرون من استعمالها في خطبهم.
كما يحرص المدرب المتألق في إلقائه على أن تكون كلماته ملؤها الحيوية والنشاط والطاقة والحماسة، وتُنطق بصوت واضح يسمعه جميع المتدربين.
وإليكم هذه القصة: أخبرني صديقي الشيخ عبدالعال سيد أحمد من جمهورية مصر العربية، أنه اشترك في مسابقة ماليزيا العالمية للقرآن الكريم، وجاء ترتيبه الثاني على مستوى العالم، فباركت له فوزه، ودار بيني وبينه هذا الحوار:
قال الشيخ أحمد: هل تعلم ما الذي ساعدني على الفوز؟
قلت له: لا، ما الذي ساعدك على الفوز؟
قال الشيخ أحمد: كنت حريصاً –قبل أن أعتلي منصة التلاوة- على ترطيب أحبالي الصوتية بشربة من ماء دافئ.
ثم قال الشيخ أحمد: هل تعلم أن الشيخ محمود خليل الحصري كان يخلط مع الماء الدافئ عسلاً، وأن الشيخ عبدالباسط عبدالصمد كان يأكل حبيبات من الزبيب ليزيد -كل منهما- صوته حلاوة ونقاوة وطراوة ونداوة؟!
ولذلك، نؤكد أن المدرب المتألق هو الذي يجعل صوته واضحاً يسمعه كل المتدربين.
في مقالنا القادم سنتطرق، بإذن الله، إلى بقية سمات المدرب المتألق.