سجون الاحتلال أحد الروافد المهمة لعملية «طوفان الأقصى»
مثلت سجون الاحتلال «الإسرائيلي» رافدًا مهمًّا وجوهريًّا لعملية «طوفان الأقصى»، خاصة أن يحيى السنوار والكثيرين من عناصر ونشطاء «حماس» وغيرها من الفصائل الفلسطينية أكدوا أن فترة السجن كانت مصدر إلهام للثورة ضد الأوضاع في الأراضي المحتلة، وسببًا قويًّا في اقتحام الداخل المحتل والقيام بالهجوم المباغت على غلاف غزة، الذي أدهش العالم قبل ما يسبب الصدمة للكيان الصهيوني نفسه.
سبق تلك الصدمات نوبات هلع وقلق «إسرائيليين» من قوة وصمود وعزيمة الأسرى الفلسطينيين، تارة حينما تمكّن 6 أسرى فلسطينيون داخل السجون، في 6 سبتمبر 2021م، من الهرب من سجن جلبوع، شديد الحراسة، عن طريق نفق قاموا بحفره بدقة شديدة، ومن خلال عملية مضنية استخدم فيها الأسرى كل إمكاناتهم العقلية والفكرية، مثل استخدامهم للقلم والملعقة، واستغلال قدراتهم الذهنية في إلهاء الحراس الصهاينة والقيام بعمليات حفر استغرقت فترة طويلة.
معارك «الأمعاء الخاوية»
سبق تلك العملية حالات مختلفة ومتعددة من الإضرابات عن الطعام، وهي الحالات التي يطلق عليها اسم «معركة الأمعاء الخاوية»، باعتبارها إحدى الوسائل الرئيسة للمقاومة السلمية أو الاحتجاج السياسي للضغط على الكيان الصهيوني لتلبية طلبات الأسرى، وتحقيق أهدافهم المنشودة، سواء لتحسين أوضاعهم المعيشية أو الإنسانية؛ بدأها الأسرى الفلسطينيون في العام 1968م، وما تزال تستخدم، رغم أخطارها الجسدية والنفسية؛ لكنها تبقى في النهاية معركة إرادة وتصميم من الأسير.
لم تقف الإجراءات الصهيونية المتواصلة بحق الأسرى حجر عثرة أمام استمرار نضالهم الوطني والمقاوم، إذ كثيرًا ما يقدمون التماسات للمحكمة «الإسرائيلية» العليا من أجل تلبية مطالبهم المشروعة، وعلى رأسها مواصلة تعليمهم، سواء في مراحل التعليم الأساسية أو الجامعية، أو الدراسات العليا، حيث نرى المئات منهم من حصل على درجة الماجستير والآلاف تمكنوا خلال تواجدهم في الغرف المغلقة داخل سجون الاحتلال من الحصول على الدرجة الجامعية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن يحيى السنوار كان أحد المساهمين في حصول الأسرى الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة، خاصة أنه قد سبق وتولى رئاسة الهيئة القيادية العليا لأسرى «حماس» في السجون لدورتين تنظيميتين، خلاف فترة اعتقاله، كما كان قائداً لإدارة المواجهات مع إدارة سجون الاحتلال خلال سلسلة من معارك «الأمعاء الخاوية»، بدأها في العام 1992م وصولاً إلى خروجه ضمن 1047 أسيرًا فلسطينيًّا، ضمن صفقة «وفاء الأحرار» في العام 2011م، مقابل إطلاق سراح الأسير الصهيوني جلعاد شاليط؛ رغم أنه كان محكومًا عليه بالسجن لمدة 450 عامًا، ولكن عملية أسر جنود الاحتلال كان لها مفعول السحر في إطلاق سراحه وغيره من المئات.
اجتثاث العملاء داخل غزة
وهنا، تجدر الإشارة إلى أن محكومية السنوار كانت على خلفية اتهامه بالتخطيط لاختطاف وقتل جنديين «إسرائيليين»، وقتل 4 فلسطينيين كانوا عملاء للاحتلال، وهي النقطة المحورية التي فقدتها «تل أبيب»، مؤخرًا، إذ لم تجد من بين المواطنين الفلسطينيين داخل القطاع أياً من العملاء أو الخونة، بعدما قضى السنوار وأتباعه عليهم، وجعل منهم عبرة لغيرهم، فقد اعتبر السنوار أن العملاء هم أخطر وأبرز أدوات الاحتلال الصهيوني التي يجب القضاء عليها واجتثاثها من جذورها؛ إذ اشتكى المعلقون العسكريون الصهاينة من ندرة المعلومات الواردة من غزة، بل وصل الأمر أن طلب غانتس، عضو «كابينيت الحرب»، من أهالي غزة تقديم المعلومات لجيش الاحتلال مقابل منحهم مزايا وعطايا مالية، وهو ما كان سببًا في نجاح عملية «طوفان الأقصى» من البداية، حيث لم تقدم أي معلومات لحكومة نتنياهو عن نية «كتائب القسام» القيام بعملية عسكرية مباغتة في الداخل الصهيوني.
الدراسة الجامعية للسنوار
الثابت أن نشاط السنوار الطلابي خلال مرحلة الدراسة الجامعية بالجامعة الإسلامية في غزة، قد ساعده على تقلده مناصب قيادية متتالية داخل حركة «حماس»، بدأها في العام 1987م، حينما شارك مع فلسطينيين اثنين آخرين جهازًا أمنيًّا أطلق عليه منظمة الجهاد والدعوة ويعرف باسم «مجد»، وكان بتكليف شخصي من الشيخ أحمد ياسين، وتمثلت مهمته في الكشف عن عملاء وجواسيس الاحتلال وملاحقتهم داخل القطاع، إلى جانب تتبع ضباط المخابرات وأجهزة الأمن الصهيونية، التي أصبحت فيما بعد النواة الأولى لتطوير النظام الأمني الداخلي لحركة «حماس».
تلك الحركة التي تدرَّج فيها حتى صار عنوانها الرئيس خلال عملية «طوفان الأقصى»، وهو العنوان الذي لم يأت من فراغ، بعدما استثمر السنوار فترة اعتقاله التي استمرت 23 عامًا في القراءة والتعلم والتأليف، أيضًا، حيث ألَّف عددًا من الكتب والترجمات في المجالات الأدبية والأمنية والسياسية.
والغريب أنه من بين الكتب المهمة، التي وصلت إلى 5 كتب، التي أصدرها السنوار، كان كتاب «المجد»، الذي خرج إلى النور في عام 2010م، حينما كان معتقلاً، ويرصد عمل جهاز المخابرات الصهيوني الداخلي (الشاباك) في جمع المعلومات وزرع وتجنيد العملاء، راصدًا أساليب وطرق التحقيق الوحشية من الناحية الجسدية والنفسية، وتطور نظرية وأساليب التحقيق والتعقيدات التي طرأت عليها وحدودها.
«حماس»: التجربة والخطأ
وهي الأساليب التي استقاها من خلال تجربته المهمة في ترجمة بعض الكتب «الإسرائيلية»، أهمها كتاب «الشاباك بين الأشلاء»، الذي يتناول جهاز الأمن الداخلي بكل تفاصيله، أضاف إليه ترجمته لكتاب «الأحزاب الإسرائيلية عام 1992»، الذي يناقش ويبحث تاريخ الأحزاب السياسية في «إسرائيل» خلال تلك الفترة، انتهاء بتأليفه كتاب «حماس: التجربة والخطأ»، مستطردًا تجربة الحركة المقاوِمة الفلسطينية وتطورها على مر السنوات، خاصة أنه أحد أقطابها الرئيسين.
وذلك في الوقت الذي أصدر رواية أدبية في العام 2004م، تحت عنوان «شوك القرنفل»، وتحكي قصة النضال الفلسطيني منذ نكسة عام 1967 وحتى انتفاضة الأقصى في العام 2000م، مرورًا بعقود ثلاثة راصدًا فيها وقائع وأماكن وشخصيات مقاوِمة فلسطينية، ومراحل تطور القضية الفلسطينية خلال تلك الفترة الزمنية.
مقاومة ثقافية
حرص السنوار، في روايته التي كتبها داخل سجون الاحتلال، على استخدام لقب «الأسير» في تقديم نفسه، وهذا التعريف الذي يعد وحده مدخلاً مهماً لفهم رموز القصة، وما يعنيه من ورائها، التي يحاول من خلالها التعبير عن معاناة الأسير الفلسطيني؛ ما دفع ببعض هؤلاء الأسرى إلى تهريب صفحاتها خارج السجن، حتى يشاركوا في تجربة مقاومة «ثقافية» أرادوا أن تخرج تجربتهم إلى النور، فضلاً عن الدلالة الواضحة بأن السنوار كان أحد رواد «ثورة العقول» داخل السجون، التي قادت هؤلاء الأسرى إلى تحقيق النصر المنشود في «طوفان الأقصى».
ويمكن القول من تجربة السنوار: إنه لم يخرج أحد من الأسرى الفلسطينيين داخل السجون الصهيونية، كما دخلها في الأساس.