من يتابع بلاد المسلمين يلاحظ أن ردود الفعل عن الإبادة الجماعية الوحشية للكيان الصهيوني الغاشم الظالم المحتل لبلاد المسلمين قد ضعفت، ففي الوقت الذي تحظر بعض الدول الإسلامية الدعاء للمظلومين، نعم هكذا صدقاً، في بعض بلاد المسلمين يحظر الدعاء برفع كلمات لإله السماء أن ينصر المظلومين، فيمنع أضعف الإيمان لنكون مع القضية الفلسطينية بلا إيمان، هكذا يريدون، وإن كان منع الدعاء من بعض السلطات التي تمالئ الكيان الصهيوني أو تطبع معه علناً أو سراً، لكن الأعجب أن كثيراً من الأئمة والدعاة في البلاد التي تسمح بالقنوت في الصلوات عبر قرارات رسمية من قبل وزارات الشؤون الإسلامية قد خفتت همتهم وقلت حماستهم، فكثيراً ما يتناسى أولئك الأئمة والدعاة الدعاء للمظلومين في الصلوات، وكأن الحرب وضعت أوزارها، أو كأنه لم يعد هناك اعتداء أو شهداء كل يوم! وكأن الكيان الصهيوني توقف عن التوغل عن اقتحام المنازل وأسر عشرات الآلاف من الفلسطينيين!
فيا أيها الأئمة والدعاة، لم تضع الحرب أوزارها، وما زال العدو الغاشم يقتل ويذبح بمرأى ومسمع وسند من النظام الدولي الظالم، فبأي وجه تلاقون الله حين يسألكم: لم خفضتم أيديكم عن الدعاء، وأنتم ترون مئات الشهداء والجرحى كل يوم أمام أعينكم؟
فإن جفت حناجركم عن الدعاء، فإن دماء الشهداء من الرجال والنساء والأطفال لما تجف، فماذا أنتم تقولون لربكم؟
إننا نرى شعوب العالم من غير المسلمين ما زالوا يجأرون بحناجرهم أمام الشرطة ويخرجون في الشوارع منددين بالكيان الصهيوني، يطالبون حكوماتهم بالضغط على الكيان الصهيوني حتى يوقف العدوان والاعتداء، ونحن، ويا حسرتاه! في بلاد المسلمين ضعفت حماستنا وخارت قوانا عن أن ننطق ببعض كلمات ندعو بها ربنا سبحانه أن يرفع هذا العدوان عن إخوتنا في الدين والعقيدة والعروبة والأوطان، فلا نحن قمنا بواجب الإسلام والأخوة، ولا قمنا بواجب العروبة والمواطنة، واكتفينا بمشاهدة الأخبار عبر القنوات أو وسائل التواصل الاجتماعي!
الأمة يجب أن تكون في حال استنفار وجهاد، كل يجاهد بما يقدر عليه، إننا لنكبر العالم الإنساني الذي صحا ضميره وعلا صوته، وأعلن جهراً عداءه للصهيونية الغاشمة، وندد بالمجازر الوحشية التي يقوم بها بنو صهيون، وإننا لنعجب في الوقت ذاته حين نقارن بين نساء عاريات يخرجن يدافعن عن حق أهل غزة وفلسطين في حياة كريمة، ويعرضن أنفسهن للمساءلة والمحاسبة، ويبكين أشد البلاء تأثراً لما يحصل، وذلك في بلاد غير المسلمين!
وعلى النقيض نرى كثيراً من أصحاب اللحى قد تبلدت مشاعرهم وقست قلوبهم، وعميت أبصارهم عن نصرة الحق، زاعمين أن جهاد العدو الذي اغتصب أرض الإسلام إنما يجاهد بالسنن لا بالعدة والعتاد، وما أبعد هؤلاء الحمقى عن فهم سُنة الله في التدافع، أو حتى عن فهم نصوص القرآن الظاهرة! وما أكثرها حين يأمر الله تعالى بالجهاد والقتال لكل عدو اغتصب أرضنا وانتهك عرضنا وهدم بيوتنا ومساجدنا ومستشفياتنا وعرض قرابة مليوني مسلم للتهجير القسري، فيأمرنا أولاً باتخاذ العدة والعتاد، كما في قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾ (الأنفال: 60)، ويوجب علينا الجهاد في سبيله لصد العدوان، فيقول: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ {39} الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج).
وتناسوا شريعة الله في رد العدوان بالعدوان، كما في قوله تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ﴾ (البقرة: 194)، ولو كان هؤلاء عالمين بالسنن، لأدركوا أن من سُنة الله ورسوله والسلف الصالح وجوب الجهاد إذا احتلت بلاد المسلمين، ولكن هؤلاء جاهلون بسُنة الله في الدين والحياة.
ولا عتب على هؤلاء التي عميت بصيرتهم وحادوا عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، إنما العتب على كل صاحب بصيرة ودين وخلق، تكاسل عن نصرة المسلمين بدعائه ونشره لقضيتهم ومساندتهم بكل ما يملك من المال أو غيره، وأن يكون مع ركب الصالحين، ومن صلاح الأمة نصرة المظلومين ضد الكفرة المعتدين، فلا أقل أن تجأروا بالدعاء في الصلوات الجهرية والسرية، وفي الصلوات المفروضة والمسنونة، وأن يكون الدعاء رفيقنا فرادى وجماعات، وأن نقيم الليل داعين الله لإخوتنا بالنصر والتمكين، وللصهاينة المجرمين بالهلاك والخسران، وأن نبذل كل وسيلة ممكنة لنصرة إخوتنا؛ من أوقاتنا وجهدنا ومالنا؛ تعبيراً عن انتمائنا لهذه الأمة، وخلاصاً من المساءلة بين يدي رب الأرض والسماوات الذي لا يظلم عنده أحد، حين تعرض المظالم، وما أعظم قول الله تعالى: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ﴾ (الصافات: 24).