(وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (هود: 44)، الحمد لله نصير المستضعَفين، وظهير المؤمنين الموحدين، وقاهر الجبارين المعتدين، نصر عبده، وصدق وعده، ونصر جنده، وهزم الأحزاب وحده، فلا أول قبله، ولا آخر بعده، وهو على كل شيء قدير.
لقد كانت «طوفان الأقصى» الصاعقة التي وقعت على بني صهيون أبادت خضراءهم وهزمت جيوشهم، وحطَّمت عروشهم، وريحاً صرصراً عاتية، فكان القوم صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية، وكانت جحيماً وسعيراً وأهوالاً ونيراناً لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر.. بينما كانت برداً وسلاماً وبشارة وشفاءً لقلوب المؤمنين الصادقين، ونصراً وفتحاً مبيناً للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
وصدق الله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) (الأنفال: 36)، (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ {5} وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ) (القصص).
وتبرز يد القدرة سافرة متحدية تعمل وحدها بدون ستار من البشر؛ وتضرب الظلم والطغيان والبغي ضربة مباشرة عندما يعجز عن ضربها البشر؛ وتنصر المستضعفين الذين لا حول لهم ولا قوة؛ وتمكن للمعذبين الذين لا حيلة لهم ولا وقاية، وهو المعنى الذي كانت القلة المسلمة المستضعفة في مكة في حاجة إلى تقريره وتثبيته؛ وكانت الكثرة المشركة الباغية الطاغية في حاجة إلى معرفته واستيقانه(1).
حرب برية وضربات إعلامية
شهدت الأسابيع الأربعة التي استغرقتها العملية البرية لجيش الاحتلال ضد قطاع غزة الصامد في الفترة من 27 أكتوبر – 24 نوفمبر 2023م تكثيفاً وتنويعاً فريداً لضربات «إعلامية»، سدّدتها المقاومة لجيش الاحتلال؛ بما حطم معنويات جنوده، وأوقع انقسامات حادة بين حكومة، وقادة الكيان، ومواطنيه على السواء.. هذه الضربات الإعلامية ترافقت مع الخسائر الفادحة لجيش الاحتلال بأيادي المقاومة في العتاد؛ تدمير وإعطاب 335 آلية مدرعة بواسطة «كتائب القسام»، حسب الناطق باسمها أبي عبيدة، مُضافاً إليها ما دمرته «سرايا القدس»، وغيرهما من الفصائل، بما مفاده سقوط المئات من الجنود قتلى وأضعافهم جرحى.
وهكذا، وثقت الكتائب وقائع اقتحامها معسكرات جيش الاحتلال بغلاف غزة، وسجلت مقاطع بالصوت والصورة، لأعمال السيطرة على هذه المعسكرات، وقتل وأسْر مئات الجنود والضباط بها، واقتيادهم إلى القطاع.. وهذه المواد الإعلامية أنهكت معنويات عناصر جيش الاحتلال، المُحطمة أصلاً منذ عملية «الطوفان»؛ ما أسفر عن فرار سرية كاملة من ميدان القتال، وقيام الجيش بطرد قائدها، ونائبه من الخدمة، خشية انتقال عدوى الفرار بين الجنود، وامتناع آلاف الجنود عن الانضمام لوحداتهم العسكرية، حسب صحف عبرية.
حرب نفسية قاسية
يتساند هذا كله مع الخطابات النارية لأبي عبيدة الذي يحظى بمصداقية واسعة؛ عربياً وعالمياً وداخل الدولة العبرية، حيث إن بياناته يتم ترجمتها للغة العبرية وغيرها بواسطة ناشطين، كونه ينشر بيانات موثقة من ميادين القتال، هذه الخطابات بحد ذاتها كأنها «قنابل نفسية» حارقة لمعنويات الكيان الصهيوني كله، ضاربة لكافة مكوناته، فكلماته ألهبت مشاعر الأحرار، ودفعت الجميع لانتظار إطلالاته، للوقوف على الخبر اليقين عما يدور من معارك وقتال مع جيش الاحتلال، ورغم هذا، لم يُسرف في الظهور، فلا يُطل إلا ليعلن جديداً، فقد مارس أبو عبيدة مع الإعلام العسكري للمقاومة حرباً نفسية قاسية، بحسب توصيف رئيس الحكومة الصهيونية «بنيامين نتنياهو».
من هذه الحرب إعلان أبي عبيدة غير مرة أن المقاومة راغبة في إطلاق سراح الأسرى المدنيين «الإسرائيليين» حال توفر الظروف الأمنية الملائمة، إلا أن غطرسة «نتنياهو» ورفاقه الصهاينة المتطرفين تعرقل ذلك، وتدفعهم للعدوان على غزة بوحشية؛ أملاً في تركيع المقاومة؛ وهو ما ساهم في إثارة الرأي العام «الإسرائيلي» ضد «نتنياهو»(2).
الخسائر الصهيونية:
– 100 مليار دولار بسبب الحرب.
– 17 مليار دولار في شهر واحد.
– 250 مليون دولار تكلفة يومية.
– سحب العديد من الاستثمارات في «إسرائيل»، وتحويل 53 مليار دولار إلى العملة المحلية لتغطية تكاليف الحرب، وهذا ربع احتياطي النقد الأجنبي في «إسرائيل».
– هناك إحصائية تفيد بأن 300 ألف مستوطن غادروا البلد دون حجز تذكرة عودة.
– تعويضات تقدر بـ7 مليارات شيكل من أجل إصلاح المستوطنات التي تضررت بسبب الحرب.
– التعويضات للجنود المصابين وأسر القتلى والأسر التي تم ترحيلها بسبب الحرب، سواء الذين رحلوا من تلقاء نفسهم أو الذين رحلتهم السلطات «الإسرائيلية»(3).
اللهم أتمم «طوفان الأقصى» بنصر مؤزر مبارك من عندك، تحرر به المسجد الأقصى المبارك، وتخرج به اليهود من كل فلسطين، ويرجع كل الفلسطينيين إلى منازلهم آمنين أعزة فرحين؛ (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ {4} بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (الروم).
_______________________
(1) سيد قطب، في ظلال القرآن.
(2) سعيد السني، كاتب وصحفي.
(3) كتب أحمد عرفة، الإثنين 13 نوفمبر 2023م، اليوم السابع.