افتتح رئيس الوزراء الهندي «ناريندرا مودي»، الإثنين 22 يناير 2023م، بحضور الآلاف، معبداً ضخماً لما يسمى بـ«الإله راما»، حسب معتقدات الهندوس، في بلدة أيوديا بولاية أوتار براديش شمالي الهند، على أنقاض مسجد «بابري» التاريخي، ليطوي صفحة ممتدة من الإرث الحضاري لمسلمي الهند تعود لبدايات القرن السادس عشر الميلادي.
وبالنسبة لكثيرين من مسلمي الهند تواصلت معهم «المجتمع»، فإن نموذج بلدة أيوديا، وما حدث فيها من مطامع هندوسية أحالت مسجداً تاريخياً في النهاية إلى معبد، لا يقتصر على هذه البلدة وحدها، ففي كثير من مدن وقرى الهند هناك مساجد تواجه نفس الحملة الهندوسية؛ حيث إن لدى الهندوس قائمة طويلة تضم آلاف المساجد التي يزعمون أنها أقيمت على أنقاض معابد لهم؛ وبالتالي لا بد لهم من استعادة أراضي هذه المساجد وإعادة بناء معابدهم من جديد على غرار سيناريو مسجد «بابري»، وفق ما ذكره الناشط الإسلامي الهندي د. ظفر الإسلام خان.
ومسجد «بابري» التاريخي بني في القرن السادس عشر، لكنه تعرض لحملة هندوسية على مدى عقود تسببت في هدمه في ديسمبر 1992م، وانتهت بتدشين المعبد الضخم الذي يمثل «فاتيكان الهندوس» على أنقاضه، بعد سلسلة طويلة من المواجهات والنزاع القضائي، فبحسب معتقداتهم أن ما يسمى بـ«الإله رام» ولد محل المسجد قبل نحو 7 آلاف سنة، فما القصة؟
فيما يلي جدول زمني للنزاع بين المسجد والمعبد:
– عام 1528م.. بناء المسجد: اكتمل بناء المسجد الذي بناه القائد المغولي مير باقي في عام 1528م في عهد مؤسس إمبراطورية المغول في الهند ظهير الدين محمد بابُر.
– عام 1853م.. بداية الصراع: في هذا العام بدأت طائفة هندوسية تزعم أن المسلمين هدموا معبد «راما» في عهد السلطان بابُر لبناء المسجد، ووقعت حينها مواجهات بين المسلمين والهندوس أسفرت عن مقتل نحو 70 شخصاً.
– عام 1854م.. المواجهات تتسع: اتسعت المواجهات وقتل حوالي 700 شخص على خلفية النزاع، عندما تصدى الهندوس وقوات الاحتلال البريطاني لمسيرة نظمها المسلمون بشأن المسجد.
– عام 1859م.. تقسيم بريطاني: قسمت إدارة الاحتلال البريطاني للهند موقع المسجد إلى قسمين، ووضعت سياجاً فاصلاً بينهما، سمح للمسلمين بالصلاة في داخل المسجد، وسمح للهندوس بالتعبد في الفناء الخارجي.
– عام 1934م.. المسجد يتضرر: تعرض حينها المسجد لأضرار نتيجة تجدد المواجهات بين المسلمين والهندوس، على خلفية مقتل بقرة.
– عام 1949م.. تماثيل داخل المسجد: تسلق مجموعة من الهندوس جدران مسجد «بابُري»، في ليلة 23 ديسمبر، وقاموا بوضع تماثيل لـ«رام» على منبر المسجد وفي محرابه، وعندما وصل إمام المسجد منعوه من إقامة صلاة الفجر، وفي الصباح بدؤوا يشيعون أن «تماثيل رام» ظهرت بمعجزة داخل المسجد الذي سموه «مسقط رأس راما» (رام جانام بهومي)، وقام حاكم المديرية، آنذاك، بوضع قفل على باب المسجد، ولاحقاً صدر أمر قضائي من محاكم اتحادية بإزالة التماثيل، إلا أن المحاكم المحلية رفضت تنفيذ إزالة التماثيل.
– ديسمبر 1949م.. ملكية محل نزاع: قررت الحكومة إغلاق مسجد «بابُري» وأعلنت أن المسجد أصبح «ملكية متنازع عليها»، وتم منع المسلمين من الصلاة فيه.
– عام 1950 – 1961م.. دعاوى بالمحاكم: رُفعت عدة دعاوى قضائية من قبل الهندوس والمسلمين، وكل من الطرفين يسعى إلى إثبات حقه في ملكية المسجد.
– منتصف الثمانينيات.. حزب الشعب يستغل القضية: ظل حزب الشعب الهندي هامشياً في الحياة السياسية إلى أن اكتشف قضية المعبد، وبدأ يستغلها عاطفياً في أوساط الهندوس، بضرورة هدم مسجد «بابُري» وبناء المعبد محله، بحجة أن هذا مسقط رأس «راما»، رغم وجود 9 معابد في نفس بلدة أيوديا تدعي أنها تقوم على مسقط رأس «راما».
– عام 1984م.. لجنة هندوسية للمعبد: في يوليو، شكلت جماعات هندوسية متطرفة «منظمة تحرير مسقط رأس راما» التي بدأت نشاطاً مكثفاً لجمع تبرعات من الداخل والخارج، وجمعت أموالاً طائلة من أجل بناء المعبد، وجمع الطوب المخصص لبنائه، وبدأت لاحقاً جلب الطوب إلى محيط المسجد تمهيداً لبناء المعبد.
– فبراير 1986م.. استغلال موازٍ: من جانبه، حاول أيضاً حزب المؤتمر الحاكم، آنذاك، استغلال القضية بتبنيها، وتم كسر قفل باب المسجد بأمر قضائي في 1 فبراير، وسمح رئيس الوزراء الأسبق «راجيف غاندي» بوضع حجر أساس المعبد، في 9 نوفمبر 1989م، في قطعة أرض متاخمة لمسجد «بابُري».
– سبتمبر وأكتوبر 1990م.. مسيرة متطرفة: قاد زعيم حزب بهاراتيا جاناتا (حزب الشعب الهندي)، آنذاك، «لال كريشنا أدواني»، مسيرة جابت البلاد لشهرين لنشر قضية بناء المعبد محل المسجد، وتسببت هذه المسيرة في اندلاع مئات الاضطرابات راح ضحيتها نحو 3 آلاف من المسلمين، وتم نهب وحرق ممتلكاتهم.
– 6 ديسمبر 1992م.. هدم المسجد: تجمع عشرات الآلاف من الهندوس في بلدة أيوديا، وهدموا مسجد «بابُري»، في ظل وجود حشود من قوات الشرطة والجيش التي لم تتدخل.
– 7 ديسمبر 1992م.. معبد مؤقت: أقام الهندوس معبداً مؤقتاً مكان المسجد في صبيحة اليوم التالي لهدمه، وتمت إحاطته بسياج من قوات الشرطة والجيش، ولم يُسمح لأي مسلم بالاقتراب من مكان المسجد.
– 16 ديسمبر 1992م.. لجنة تحقيق: بعد عشرة أيام من هدم المسجد، شكلت الحكومة المركزية لجنة سميت «لجنة ليبرهان» للتحقيق في هدم المسجد.
– عام 2003م.. المسجد الأثري: بتوجيه من المحكمة، بدأ علماء الآثار إجراء مسح لتحديد ما إذا كان هناك معبد هندوسي في الموقع.
– يونيو 2009م.. تقرير لجنة «ليبرهان»: قدمت اللجنة تقريرها بعد 17 عاماً من هدم المسجد، وذكر التقرير العديد من قادة حزب بهاراتيا جاناتا، ومنظمة «راشتريا سوايامسيفاك سانغ» (RSS) كمسؤولين عن هدم المسجد، وخضع بعض قادة الحزب المحاكمة.
– سبتمبر 2010م.. مشاركة المكان: أصدرت محكمة في مدينة «الله آباد» حكماً بتقسيم أرض المسجد بين الطرفين، يقضي بمنح الهندوس ثلثي المساحة، وللمسلمين الثلث الآخر، لكن الطرفين استأنفا الحكم.
– مايو 2011م.. تم تعليق الحكم: علقت المحكمة العليا حكم تقسيم أرض المسجد بعد الطعون التي قدمها الطرفان.
– مارس 2017م.. تسوية خارج المحكمة: في 21 مارس، اقترح رئيس المحكمة العليا في الهند تسوية خارج المحكمة بين الهندوس والمسلمين في النزاع على أرض المسجد.
– ديسمبر 2017م.. جلسة استماع: في 5 ديسمبر، عقدت المحكمة العليا جلسة استماع إلى 13 استئنافاً في النزاع.
– يناير 2019م.. هيئة من خمسة قضاة: شكل رئيس قضاة الهند (CJI) «رانجان جوجوي»، في 25 يناير، هيئة من 5 قضاة للاستماع إلى القضية التي تلغي أمراً سابقاً أصدره آنذاك «CJI» «ديباك ميسرا» لإنشاء هيئة من 3 قضاة.
– مارس 2019م.. تشكيل لجنة الوساطة: شكلت المحكمة العليا، في 8 مارس، لجنة وساطة برئاسة قاضي المحكمة العليا السابق «إف إم إبراهيم خليفة الله» للتوصل إلى تسوية بين المسلمين والهندوس خارج المحكمة.
– أغسطس 2019م.. فشل الوساطة: أعلنت المحكمة العليا، في 2 أغسطس، فشل جهود الوساطة بين الطرفين.
– أغسطس 2019م.. جلسات الاستماع: تبدأ المحكمة العليا، في 6 أغسطس، جلسات الاستماع بشأن النزاع على أرض المسجد.
– أكتوبر 2019م.. ختام جلسات الاستماع: المحكمة العليا تختتم، في 16 أكتوبر، جلسات الاستماع، وتحتفظ هيئة القضاة الخمسة بالحكم.
– نوفمبر 2019م.. الحكم بأحقية الهندوس: المحكمة العليا تقضي، في 9 نوفمبر، بأحقية الهندوس في أرض مسجد «بابُري»، وتسليم الأرض إلى صندوق للإشراف على بناء معبد هندوسي، في مقابل منح المسلمين قطعة أرض بديلة في نفس بلدة أيوديا لبناء مسجد.
– فبراير 2020م.. إنشاء الصندوق: في 5 فبراير، تم إنشاء صندوق مكون من 15 عضواً للإشراف على بناء المعبد وإدارته.
– أغسطس 2020م.. حجر الأساس للمعبد: في 5 أغسطس، وهو أيضاً الموافق للذكرى الأولى لإلغاء الحكم الذاتي لولاية «جامو وكشمير» ذات الأغلبية المسلمة بالهند، وضع رئيس الوزراء «ناريندرا مودي» حجر الأساس للمعبد ويكشف عن اللوحة الخاصة به.
– سبتمبر 2020م.. البراءة للمتهمين: في 30 سبتمبر، برأت محكمة في لكناو كبار قادة حزب بهاراتيا جاناتا، من تهمة هدم المسجد لعدم كفاية الأدلة.
– يناير 2024م.. افتتاح المعبد: في يوم الإثنين 22 يناير 2024م، افتتح رئيس الوزراء «ناريندرا مودي» المعبد الهندوسي «معبد رام ماندير» الذي أقيم محل مسجد «بابُري» التاريخي.
____________________
1- وكالة «رويترز».
2- «إنديا تو داي» https://2u.pw/R6yWjhH.
3- كتاب «المسلمون في الهند بين تضييق الواقع وتحديات المستقبل»، مجلة «المجتمع».
4- كتاب «حركة القومية الهندوسية»، د. ظفر الإسلام خان.
5- «الجزيرة الإنجليزية» https://2u.pw/lyS84z5.
6- https://2u.pw/R6yWjhH.