مع استمرار الحرب «الإسرائيلية» على غزة، للشهر الرابع على التوالي، وتكبد العدو «الإسرائيلي» خسائر فادحة خلال عملية «طوفان الأقصى»، رغم الدعم الهائل الذي تلقاه من قوى عظمى حول العالم، تظل عقدة الخوف تلاحق المحتل من انهيار دولته المزعومة، وانتهاء حلم «إسرائيل الكبرى»!
«المجتمع» التقت بالأستاذة الدكتورة هدى درويش، أستاذة ورئيسة قسم الأديان المقارنة بمعهد الدراسات الآسيوية بجامعة الزقازيق (شمال القاهرة)، ومؤسسة ومدير مركز الدراسات «الإسرائيلية» بالجامعة، في محاولة لتحليل الواقع الديني والسياسي داخل المجتمع الإسرائيلي.
يتحدث الكثير من قادة «إسرائيل» عن «لعنة العقد الثامن» لليهود، فما القصة؟
– هي «نبوءة أشعياء» التي وردت في التلمود، هذه النبوءة تذكر أنه لا تقوم لليهود دولة أكثر من 80 عاماً، وقد تحدث عنها سياسيون مثل رئيس الوزراء الأسبق نفتالي بينيت عام 2020م، وإيهود باراك عام 2022م، حيث ذكر باراك فترتين انتهى فيهما الكيان اليهودي؛ الأولى: فترة داود التي تفككت في عامها الـ81 بسبب الصراعات الداخلية وانقسمت إلى مملكتين؛ «يهودا»، و«إسرائيل»، والفترة الثانية فترة الحشمونائيم في عهد الهيكل الثاني حيث ظلت قائمة 77 عاماً ثم تمزقت.
هناك زيادة في حجم التفكك الديني والسياسي داخل «إسرائيل»
في عام 2021م أعلن بينيت أن أشد ما يواجه «إسرائيل» الانشقاق الداخلي، وها نحن نرى الانقسامات التي تحدثوا عنها تجري مع نتنياهو، ونرى حجم التفكك الديني والسياسي في «إسرائيل» والمظاهرات من أجل إسقاط نتنياهو.
مع بداية حرب الإبادة «الإسرائيلية» على غزة تحدث نتنياهو عن «بروتوكول هانيبال»، فما هو؟ وماذا يعني؟
– هو إجراء حديث جرت صياغته عام 1986م، وظهر في «إسرائيل» عام 2001م، ولا علاقة له بالدين، ويعتمد على أن الجندي المقتول أفضل من الأسير، بمعنى أنهم يفضلون إعدامهم عن أسرهم.
وتعتبر «إسرائيل» الكيان الوحيد في العالم الذي يطبق هذا الإجراء الذي تعرض لانتقادات كثيرة من «الإسرائيليين»؛ لأنه يسمح باستخدام الأسلحة الثقيلة حتى لو شكل خطرًا على الجندي المأسور أو المخطوف، ولهذا تندلع المظاهرات في «إسرائيل» وتنادى بإقالة نتنياهو بسبب تفعيله إجراء هانيبال، وجاء في بيان لصحيفة «هاآرتس» أنه ليس من حق أي حكومة، ويقصد حكومة نتنياهو، الاتجار بحياة المواطنين الأسرى المدنيين الأبرياء وتحويلهم إلى ضحايا على مذبح كرامة حكومته القومية.
يزعم الصهاينة أن للمستوطنات أصلاً دينياً لديهم، فما صحة ذلك؟
– ترجع قداسة الأرض لديهم لعقيدتهم في التصوف، حيث كان التيار الصوفي اليهودي صاحب الترويج لإقامة مستوطنات يهودية في أرض فلسطين، وهناك فقرات وردت في التلمود جاء فيها: إنه يجب عليهم ألا يقوموا بالهجرة الجماعية لفلسطين قبل مجيء المسيح، ويجب عدم الإلحاح في الصلاة وطلب قدومه حتى لا يأتي قبل موعده (فصل براخوت في التلمود، ص11).
«إسرائيل» الكيان الوحيد في العالم الذي يطبق بروتوكول «هانيبال»
لكن بعد تطور العقيدة الصوفية فقد جاءت بمبدأ التعجيل بالنهاية بالتوجه للعبادة، والمشاركة الجماعية في استيطان الأرض، واعتبار الهجرة إلى الأرض واجباً دينياً، وخاصة أن الأرض في الفكر القبالي تنقسم إلى بقعة طاهرة الموجود بها اليهود، وبقعة نجسة وتتعلق بغير اليهود.
وقد تبنى الفكر الصهيوني فكرة ظهور المسيح للترويج لاستيطان الأراضي الفلسطينية، وكان منهم حاخامات انطلقت الصهيونية الدينية من أفكارهم، مثل: يهودا القلعي، وكان من الممولين للاستيطان والمتصلين بأغنياء العالم لتمويلها مثل روتشيلد.
وتركز الصهيونية الدينية على فكرة قداسة الأرض، وأن أرض «إسرائيل» هي الأرض الوحيدة النقية، وخارجها ملوث، وتؤمن بالثالوث المقدس (التوراة، شعب «إسرائيل»، أرض «إسرائيل»)
قال قادة المقاومة: «نحن الباقون وأنتم العابرون»، فما تفسيرها؟
– هذه المقولة ترجع لكلمة «عبري» التي فسرها إسرائيل ولفنسون، في كتابه «تاريخ اللغات السامية»، أنها ترجع إلى بني إسرائيل الذين كانوا في الأصل قبائل بدوية، وأنها مشتقة من الفعل «عبر»، وتدل على التحول والتنقل لأهل البادية، وكان الفلسطينيون يسمون بني إسرائيل بالعبريين لعلاقتهم بالصحراء، وكان اليهود ينفرون من هذه الكلمة لأنها تذكرهم بحياة البداوة والخشونة.
ما الأصل الديني لتصميم «إسرائيل» على تهجير أهل فلسطين؟
– بالنسبة للتهجير الطوعي، فقد مثلت قصة طرد السيدة هاجر إلى الجزيرة العربية مجالاً خصباً للصهاينة لتفعيل هذا المبدأ لإثبات أحقيتهم في الأرض، وهناك كثير من الكتابات تناولت السيدة هاجر باعتبارها قدوة للعرب يجب الاحتذاء بها، وتسليم الأرض بلا مقاومة كما فعلت السيدة هاجر، وهذا الفكر يعد توظيفاً للإستراتيجية الصهيونية في احتلال الأرض.
أما التهجير القسري فيرجعون إلى نص العهد القديم الذي جاء في «سفر العدد»: «فتطردون كل سكان الأرض من أمامكم، وتمحون جميع تصاويرهم، وتخربون جميع مرتفعاتهم»، وهو ما يفعلونه الآن على مرأى ومسمع العالم أجمع من طرد قسري لسكان غزة، وتلك المقابر الجماعية للأطفال والرضع داخل الحضانات في سابقة لم تحدث من قبل في التاريخ القديم والحديث، بحجة أنهم حينما يكبرون سيقومون باستكمال أعمال آبائهم في الدفاع عن أرضهم، مستندين إلى ما جاء في «سفر إشعيا» وفيه: «اعدوا مذبحة لأبنائه جزاء إثم آبائهم، لئلا يقوموا ويرثوا الأرض».
يعتبر أتباع الصهيونية – المسيحية من أشد المؤيدين لحرب الإبادة على غزة، فما جذور هذا التيار المعادي للإسلام والمسلمين؟
– هي أيدلوجية دينية حديثة العهد نسبيًا كحركة تتبنى فكرة قيام دولة «إسرائيل» طبقاً لتحقيق نبوءة الكتاب المقدس، وعودة المسيح المخلص إلى الأرض التي سيحكم فيها العالم، وقد انتشر فكرها بين المسيحيين البروتستانت بوجه خاص الذين اعتقدوا أن عودة اليهود إلى فلسطين دليل على اكتمال الزمان وعودة المسيح ثانية، حيث دمجوا بين «إسرائيل» المعاصرة، و«إسرائيل» التوراة، وهذا الفكر كان منتشراً قبل ظهور الصهيونية في أمريكا وإنجلترا وفي العالم الأوروبي في هولندا وإسكندنافيا.
العدو «الإسرائيلي» ليس لديه طاقة على خوض الحروب الطويلة
ما تفسيركم للدعم الأمريكي المطلق للصهيونية؟
– تمثل في عودة الشعب اليهودي إلى وطنه التوراتي في «إسرائيل» اهتمام الولايات المتحدة منذ تأسيسها حتى الآن، فهي الراعي الأول لها، حيث يعتقدون أن عودة اليهود إلى «إسرائيل» تتماشى مع نبوءة توراتية، وهي ضرورية لعودة المسيح إلى الأرض كملك لها، هؤلاء مدفوعون جزئيًا بكتابات الكتاب المقدس وكلمات الأنبياء، ومدفوعون أيضًا لدعم «إسرائيل» لأنهم يرغبون في سداد ديون الامتنان للشعب اليهودي لتقديمه المسيح والأساسيات الأخرى لإيمانهم، ودعم حليف سياسي.
لماذا يدعم المسيحيون الغربيون الدولة اليهودية والوقوف المطلق مع الكيان «الإسرائيلي»؟
– يفسر الصهاينة المسيحيون كلاً من التوراة والعهد الجديد على أنهما نصوص نبوية تصف الأحداث المستقبلية لكيفية انتهاء العالم يومًا ما بعودة يسوع من السماء ليحكم على الأرض، وأن «إسرائيل» وشعبها مركزيان في رؤيتهم، فهم يفسرون مقاطع من أسفار حزقيال ودانيال وإشعياء على أنها تنذر بالعصر المسيحي القادم، حيث يقرأ العديد من المسيحيين «سفر الرؤيا» في العهد الجديد كنص نبوي يوضح كيف سيكون العالم في نهاية الزمان.
لكن البعض يؤكد أن الدعم المسيحي – الصهيوني الغربي لـ«إسرائيل» ليس تطوراً حديثاً قيل: إنه يعود إلى قبل تأسيسها، فهل هذا صحيح؟
– نعم حيث تعود جذورها السياسية إلى ثمانينيات القرن التاسع عشر، عندما شكل رجل يدعى ويليام هيشلر لجنة من المسيحيين الصهاينة للمساعدة في نقل اللاجئين اليهود الروس إلى فلسطين بعد سلسلة من المذابح، وفي عام 1884م، كتب هيشلر كتيبًا بعنوان «إعادة اليهود إلى فلسطين حسب الأنبياء»، بعد بضع سنوات، أصبح صديقًا لثيودور هرتزل بعد قراءة كتاب هرتسل الدولة اليهودية، وانضم إلى هرتسل لحشد الدعم للصهيونية، حتى إن هيشلر رتب لقاءً بين هرتزل والقيصر فيلهلم الثاني لمناقشة اقتراح هرتزل بإقامة دولة يهودية في فلسطين، وظل الرجلان صديقين حميمين حتى وفاة هرتزل في عام 1904م.
ما رؤيتكم لمستقبل المنطقة بعد الحرب؟
– من الصعب التكهن بالموقف المستقبلي، لكن هناك أفكاراً لا بد من وضعها في الحسبان، الجميع يدرك أن «إسرائيل» ليس لديها طاقة على الحروب الطويلة، وهذا معروف من خلال تاريخها في الحروب، خاصة بعد دخول الجنود إلى بعض المحاور في غزة وتحول الموقف إلى حرب عصابات، ويؤيد ما ذكرته هنا تلك الانقسامات والخلافات في داخل الكيان «الإسرائيلي».