في أقصى جنوب إثيوبيا الذي يتمتع بتنوعه الثقافي والاجتماعي، والمعروف بإقليم شعوب جنوب إثيوبيا الذي تقطنه 54 قومية إثيوبية بتنوعها وتقاليدها ولهجاتها، تجد قومية «حلابا» ذات الأصول العربية والثقافة الإسلامية كواحدة من أبرز قبائل إثيوبيا المعروفة باهتمامها باللغة العربية والقرآن الكريم، إلى جانب قومية «سلطي» التي تنحدر هي الأخرى من جزيرة العرب، هكذا عرف لنا الباحث والأكاديمي الإثيوبي فتح الباري محمد نور الذي ينتمي إلى قومية حلابا.
مهرجان «سيرا»
والأسبوع الماضي، احتشد المئات من شعب حلابا في حفل مهرجان بهيج بساحة الاحتفالات في مدينة كوليتو رئاسة منطقة حلابا التي تتمتع بإدارة خاصة في إقليم وسط إثيوبيا، وبمشاركة قوميات إثيوبية أخرى، تخللتها عروض ثقافية ورقصات وأغنيات شعبية وقومية، ضجت بها ساحة الاحتفال.
واعتبرت روضة حاجي زينو، مسؤولة السياحة بمنطقة حلابا، مهرجان «سيرا» أنه أكثر من مجرد احتفال، بل هو شهادة على الهوية الثقافية لشعب حلابا وتقليد عريق ينتقل عبر الأجيال.
وأوضحت لـ«المجتمع» أن الاحتفال ليس خاصاً بشعب حلابا، وإنما يمتد إلى مشاركة قوميات أخرى لاشتراكها في القيم التي يحملها المهرجان من السلام والتسامح والمحبة، واعتبرت أن الاحتفال يعتبر منصة لتسليط الضوء على تعبيراتهم وتقاليدهم الثقافية الفريدة.
والمهرجان الذي يحتفل به سنوياً في يناير ويستمر لأسبوع، هو عبارة عن فعاليات متعددة الأنشطة من الندوات والعروض الثقافية والتراثية، وإبراز قيم المصالحة بين المتخاصمين، ونشر التكاتف والحب، وتسوية الخلافات، ونقل المسؤولية للشباب وللفتيات اللاتي بلغن سن الرشد إلى الزواج.
وتبدأ فعالياته باحتفالية كبيرة، يُحييها كبار السن من القومية والمسؤولين الحكوميين، يُقدمون خلالها الأغاني والرقصات التقليدية، ويُلقون الخطب التي تدعو إلى السلام والوحدة، ويختتم بجلسة عامة لجميع المشاركين، يتم خلالها المصالحة بين المتخاصمين، ونشر التكاتف والحب بين أفراد القومية.
وعبَّر إبراهيم محمد عن اعتزازه بالانتماء لقومية «حلابا»، وقال: نحن من القوميات التي لا تزال تحافظ على عاداتها وتقاليدها العربية بصورة قوية، موضحاً أن الاستمرار في تعليم اللغة العربية والقرآن الكريم وتفاصيل أزيائهم الشعبية يعد من أبرز ما يميز شعب حلابا في انتمائه العربي والإسلامي.
وقال: إن أبرز ما يميز الرجال لدى شعب حلابا ارتداؤهم للكوفية المصنوعة من الأعشاب الطبيعية وزيهم التقليدي بألوانه الخضراء والبيضاء، فالكوفية في بداية الأمر كانت لحماية الرأس من حرارة الشمس باعتبارهم مزارعين والآن أصبحت من الأشياء التي تميز هذه القومية.
أصول «حلابا»
تعود أصول قومية حلابا التي نظمت مهرجان «سيرا» إلى جزيرة العرب، واستقرت في منطقة هرر شرقي إثيوبيا لفترات طويلة، قبل أن تنتقل إلى جنوب البلاد جراء الحروب التي شهدتها مناطق إقامتهم في تلك الفترة، وفق الباحث والأكاديمي الإثيوبي فتح الباري محمد نور.
وقال نور لـ«المجتمع»: إن شعب حلابا عاش مع العرب وتعايش مع العربية ولهم فضل في نشر العربية بإثيوبيا حتى تأثرت لغتهم بها، وإن كانت لغة حلابا تصنف من اللغات الكوشية، موضحاً أن اللغة العربية لها حضور قوي وتستخدم بين صفوف العلماء كلغة رئيسة في التعليم بمناطق حلابا حتى تأثرت لغتهم بالعربية واقترضت منها كثيراً من الكلمات، واصفاً علاقة قومية حلابا باللغة العربية والعرب بالتاريخية والعميقة.
وكتب فتح الباري، وهو من أبناء قومية حلابا، دراسة موسعة في مجال علم المخطوطات والمنقوشات والأدب الشعبي، حول قومية حلابا، أبرزها مخطوطات لكبار العلماء والمؤرخين القدامى بالمنطقة، وقال: إن هذه المخطوطات التي تشتمل على التعريف بقومية حلابا وثقافتها وفكرها ومعتقدها، تم جمعها في متحف خاص بقومية حلابا من أجل توفيرها للباحثين والعلماء المختصين.
منطقة حلابا
في الجنوب الإثيوبي، وتحديداً على المرتفعات الوسطى نحو 300 كلم جنوب غرب العاصمة أديس أبابا، تقع مقاطعة حلابا بما تمتلكه من مواقع سياحية فريدة، لأجمل الشلالات المائية والمناطقة الطبيعية الخضراء، والينابيع البركانية الحارية التي يستخدمها المواطنون في العلاج الطبيعي.
ليس هذا فقط، بل تمتلك حلابا مواقع وكهوفاً أثرية قديمة تعود لحقب بعيدة لم يتعرف الباحثون على مرجعيتها التاريخية حتى اليوم، كما تمتلك المنطقة أنهاراً متعددة ومجاري مائية، ومناطق خضراء وسهولاً وغابات متعددة، ورغم ذلك لم تستثمر بعد بطريقة منظمة، فقط يزورها بعض السياح من وقت لآخر، وفق توصيف الباحث والأكاديمي الإثيوبي، للمنطقة وإمكاناتها ومواردها الطبيعية.
ومنطقة حلابا تحمل اسم القومية نفسها، وتتمتع بإدارة خاصة منذ العام 2002م، بإقليم شعوب جنوب إثيوبيا، قبل أن تنفصل عنه أواخر العام الماضي ضمن 5 مجموعات رئيسة أخرى وأطلق عليه إقليم وسط إثيوبيا.
وتزخر منطقة حلابا بالمعالم التراثية، من الأكواخ الثقافية الجميلة لشعب حلابا وقبعاتهم النموذجية، فضلاً عن ينابيع أرتو الساخنة، وشلالات نهر بيلات (فاما أو تاتي)، ومسجد بديني للشيخ أبيشو نور الله أحمد، (أول مسجد في المنطقة) ومسجد كوليتو الكبير.
حلابا العروبة والإسلام
يقول الكاتب فتح الباري: تتميز قومية حلابا بثقافتها الإسلامية التي تميزها عن الكثير من قوميات إثيوبية المتعددة في عقائدها ودياناتها، وإن الثقافة الإسلامية لدى قومية حلابا تبرز في زيها الشعبي واهتمامها الخاص بالقرآن الكريم.
وأوضح أن شهر رمضان يعتبر من أهم المواسم الدينية لدى شعب حلابا الذي يعتنق جله الإسلام، وأضاف: أبناء حلابا يتخذون من رمضان موسماً خاصاً للدعاء والتقرب إلى الله والإحسان إلى الآخرين، وأنها استمدت هذا من ثقافات بعض الدول العربية والإسلامية.
وأشار إلى أن مناطق شعب حلابا تشتهر بأنها وجهة لتعليم القرآن وعلومه الذي يدرسونه لأبنائهم منذ الصغر، موضحاً أن مركز «بدني» بمنطقة حلابا يعد من أقدم المراكز الدينية التي يقصدها طلاب العلم والعلماء قبل 70 عاماً، وما زال يقدم خدماته التعليمة، بجانب المراكز الحديثة مثل دار الحديث وجوامع النور، وبلال والنجاشي للتعليم الإسلامي.
والمنطقة بها أكثر من 50 جامعاً تقام فيه الجمع والجماعات، ويعتبر جامع النور أكبر الجوامع، بجانب عدد من المدارس منها 3 مدارس أكاديمية وإسلامية.
مهرجان «سيرا».. و«اليونسكو»
ومهرجان «سيرا» هو نظام يحافظ على قيم الآباء والأجداد لشعب حلابا، ويعطي شرعية للكبار وفرصة لإيجاد الحلول عن طريق التصالح دون الوصول إلى المحاكم بالقيم التي يتراضى عليها الخصوم بقدر تضمن من خلاله إعادة الحقوق إلى أصحابها، وفق روضة حاجي زينو، مسؤولة السياحة بمنطقة حلابا.
وأوضحت أن المهرجان يعتبر تذكيراً بأن الحفاظ على هذا النسيج الثقافي والاحتفال به أمر أساسي للهوية الوطنية لإثيوبيا، وأنه يُعزز روح الوحدة والتضامن بين أفراد القومية، ويُساهم في نشر السلام والوئام بين مختلف القبائل والطوائف بالمنطقة.
وقالت روضة: تمت خطوات لتسجيل المهرجان كإرث لشعب حلابا عند «اليونسكو» عبر العديد من الإثيوبيين خارج البلاد، وأن هذه الخطوات التي بدأت قبل عامين اكتملت بصورة مشجعة، قائلة: إنه أمر ليس بالبعيد ويسعدنا ذلك كثيراً.
وكانت إدارة منطقة حلابا، أعلنت أن جهودها لجعل مهرجان سيرا تراثًا عالميًا وتسجيله في «اليونسكو» قد حققت خطوات كبيرة، التي تشمل جمع المعلومات والوثائق المتعلقة بالمهرجان، وإجراء الدراسات والأبحاث حوله.