لا بد للإنسان أن يسعى ليكون له أثر طيب في دنياه يكون شفيعاً له في أخراه مهما صغر أو كبر هذا الأثر، تأمل قوله تعالى: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ {7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) (الزلزلة)، فلا يفُتك القطار فتندم، فقد قال تعالى واصفاً ما يحب المؤمن أن يعمله بعد موته: (قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ {99} لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً) (المؤمنون).
نعم، يُحدثني أحد الأصدقاء عن رجل أمريكي وقف بعد الصلاة وقرأ «الفاتحة» بطريقة ركيكة، ثم جلس، فسأله الإمام عن سبب فعله ذلك؟ فقال: أسلمت منذ يومين، وقرأت أن الرسول ﷺ قال: «بلغوا عني ولو آية»، فأحببت أن أبلّغ بما حفظت، فصدق رسول الله ﷺ حين قال: «خِيَارُهُمْ في الْجَاهِليَّةِ خِيَارُهُمْ في الْإِسْلَامِ إِذَا فقُهُوا» (متفق عليه).
لتكن صاحب أثر واعلم أنه:
ما تفعله يمناك في واجب الغير تلقاه لا ضاقت عليك الوسيعة
ابذل من المعروف وابذل من الخير والرازق الله والجمايل وديعة
تأمل قصة ذلك الشيخ الذي تصدق على فتى ليكمل دراسته وتعهده حتى تخرّج وهو لا يعرفه، ولما كبر هذا الشيخ واحتاج إلى علاج ابنته فعرفه هذا الفتى بالمستشفى وعالج ابنته، واكتشف أنه بماله أكمل دراسته وصار طبيباً كبيراً، فكان الوفاء بعلاج ابنته هو الأثر لعطائه.
وما أجملها من لحظات حين جلست مع ثلة من شباب جمهورية الجبل الأسود في إحدى رحلاتي! فإذا هم يعرِّفون أنفسهم لي بعدد سنوات كل واحد بوقت هدايته للصلاة، فقد كانت للصلاة ومَن علّمهم إياها أثر على حياتهم!
دائماً نستذكر حديث السيدة خديجة رضي الله عن النبي ﷺ حين قالت له: «كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبداً، فوالله، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق».
فاجعل نُصب عينيك دائماً قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) (يس: 12)، نعم أعمالكم تكتب آثاركم.
ونختم بهذين البيتين الجميلين:
وكُن في الطريق عفيف الخطى شريف السماع كريم النظر
وكن رجلاً إن أتوا بعده يقولون مرّ وهذا الأثر!
فاللهم اجعلنا ممن حسن عمله وختمت أعماله بصالحها.. اللهم آمين.