تؤكد المنظمات الأممية والحقوقية أن أطفال غزة، الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً، يمثلون قرابة نصف الشهداء والمصابين، جراء العدوان «الإسرائيلي» الغاشم، والمجازر الصهيونية المتواصلة، للشهر الرابع على التوالي.
«المجتمع» تبحث مع عدد من خبراء علم النفس والاجتماع عن روشتة لتأهيل أطفال غزة، وإعادة إعمار نفوسهم، التي تعرضت لمأساة هي الأكثر قسوة وألماً في القرن الحادي والعشرين.
من المهم احتضان الصغار لإشعارهم بالحنان والأمان
تأهيل نفسي
في البداية، توضح د. منى كمال، أستاذ الاجتماع بكلية البنات– جامعة عين شمس، أن الأطفال في مقدمة الفئات المستضعفة التي تتعرض لتمزق نفسي واجتماعي جراء الحروب، لذلك هم في حاجة ماسة إلى إعادة تأهيل ورعاية متواصلة، خاصة أن أطفال غزة، شهود عيان على حرب إبادة وهولوكوست قذرة غير مسبوقة ضد المدنيين الأبرياء.
وتنصح كمال أهل غزة، بتجمع كل العائلة في غرفة واحدة، حتى يشعروا بوحدة المصير، وأن يكون مكان التجمع خالياً من الأشياء القابلة للكسر للتقليل من الأضرار التي يتعرضوا لها عند القصف أو الانفجار القريب من مكان الاختباء، وأن يتركوا للأطفال فرصة لتفريغ طاقة الخوف والفزع، ولو عن طريق البكاء والحوار، مع ضرورة التقليل من الكلام عن الحروب والموت أمام الأطفال للتقليل من التوتر لديهم.
تقديم المزيد من الدعم للأيتام الذين فقدوا ذويهم
ومن المفضل محاولة خلق جو من المزاح والمرح واشتراك كل الأسرة في بعض ألعاب الأطفال مع تجنب الألعاب الإلكترونية المرعبة أو القصص المخيفة، كما يفضل اللجوء للرسم والتلوين والصلصال، وبعض الحركات والألعاب الرياضية، أو حتى مشاركة الأطفال في إعداد الطعام للتقليل من خوفهم وذعرهم طوال الوقت، وهو ما يطلق عليه «التنفيس الانفعالي».
وبسبب ظروف النزوح، فليكن البديل القصص والحكايات الهادفة التي تحاول الأسرة من خلالها بث روح الأمل في نفوس الأسرة عامة، والأطفال خاصة مع احتضانهم وتدليك أجسادهم وعدم تركهم وحدهم حتى يشعر الجميع بالهدوء والحنان والأمان الاجتماعي والنفسي والاعتماد على «التعليم الذاتي»، وعمل فصول منزلية كبديل لانهيار منظومة التعليم حالياً.
تعزيز الجانب الإيماني وترسيخ الصبر على الابتلاء
اضطرابات سلوكية
ويلفت د. جمال شفيق، الأستاذ بقسم الدراسات النفسية للأطفال بكلية الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس، إلى أهمية التعامل مع الاضطرابات السلوكية المختلفة مثل التبول والتبرز اللاإرادي، وكذلك تزايد نوبات الاكتئاب والفزع نتيجة حالة الخوف والهلع التي يعيش فيها أطفال الحروب.
ويتطلب ذلك، وفق شفيق، عدم تعنيف الأطفال، ومحاولة خلق حالة من الطمأنينة، والتقليل قدر الإمكان من متابعة أخبار الحرب أو مشاهدة آثار التدمير، مع محاولة صرف الانتباه عند النزوح من مكان لآخر حتى لا يشاهدوا الأشلاء والدماء حتى لا يؤدي ذلك إلى الانهيار النفسي، وخاصة في ظل الافتقار لمقومات الحياة، ويفضل الابتعاد عن اللون الأحمر قدر الإمكان لارتباطه بلون الدماء التي تؤثر سلبياً على نفسية الأطفال.
سرد قصص الأنبياء والصحابة وأبطال الإسلام
وينبه شفيق إلى ضرورة قيام الأقارب ومؤسسات ومراكز التأهيل النفسي والاجتماعي بمزيد من الرعاية والتأهيل للأيتام الذين فقدوا ذويهم، وهؤلاء أكثر الأطفال عرضة للدمار النفسي إذا لم يتم توفير الدعم والرعاية لهم نتيجة الغياب العاطفي لفقد الوالدين أو أحدهما، والمعاناة بشدة مما يطلق عليه «اضطراب ما بعد الصدمة»، وهو الأكثر انتشاراً لدى الأطفال في مناطق الحروب.
نصائح تربوية
وعن النصائح التربوية للآباء والأمهات حول كيفية التعامل مع أطفالهم للتقليل من الآثار المدمرة للحروب، تشير د. روضة حمزة، مدرس إدارة مؤسسات الأسرة والطفولة بجامعة حلوان، إلى أنه في كثير من الأحيان يتطلب الأمر ضرورة التوجه إلى مراكز طبية واجتماعية ونفسية متخصصة للعلاج بشكل علمي، وخاصة أن هناك حالات ناتجة عن توافر الجين الوراثي للمرض النفسي نتيجة الظروف الصعبة التي نشا فيها الآباء والأمهات، وهذه المراكز للرعاية والتأهيل غير متوفرة حالياً بغزة مما يضاعف الآثار السلبية، لأنه من المهم جداً معرفة نوع ودرجة الصدمة للبحث عن طرق علاجية فعالة.
التوجه إلى مراكز طبية واجتماعية ونفسية متخصصة
وتنصح حمزة بتنمية الجانب الإيماني والصبر على الابتلاء بسرد قصص الأنبياء والصحابة والصالحين وأبطال الإسلام، لنغرس في نفوس الأطفال أن النصر حليف أهل الحق مهما كانت التضحيات، مما يساعد على إعادة الثقة بالنفس لديهم، وخاصة أن الأخبار السيئة والقصف وحرب الإبادة لا تتوقف، ولهذا سيظل أطفال حرب غزة حساسين وموجوعين يفتقدون للشعور بالأمان حالياً ومستقبلاً بدرجات متفاوتة.
إستراتيجية علمية
وتضيف أن أطفال غزة خسروا كل شيء مادي، ولكن يبقى جانب العقيدة والوطنية الباقي القادر على تحفيزهم من جديد لمواصلة الكفاح مستقبلاً حتى ينالوا الحرية والاستقلال، ولهذا لا بد أن تغرس الأسر في نفوسهم أن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون؛ مما يساعدهم على التكيف مع الواقع، والعمل على تغييره للأفضل، ورفض رفع الراية البيضاء، ولنؤكد لهم أن المقاومة مستمرة عبر الأجيال، وأن نسرد لهم قصصاً بطولية ذات تأثير إيجابي.
وضع إستراتيجية علمية لاستمرار التأهيل أثناء وبعد الحرب
وتنهي د. روضة كلامها مطالبة بضرورة وضع إستراتيجية علمية متكاملة لاستمرار الرعاية والتأهيل خلال الحرب وما بعدها ولسنوات طويلة تشترك فيها الأسر والمؤسسات الدولية والمحلية وخاصة الإسلامية والعربية؛ لأن إعادة بناء وإعمار البشر نفسياً واجتماعياً وتربوياً –خاصة الأطفال– أصعب كثيراً من إعادة بناء المباني الذي سيستغرق سنوات طويلة، وهذه يؤكد أن جهاداً وحرباً من نوع جديد ستبدأ بعد انتهاء الحرب الغاشمة.