من خبرة دامت 37 عاماً في عالم التدريب، أؤكد أن هناك سمات مساندة للمدرِّب المتألِّق، وهي بهارات وتوابل التألق، في هذا المقال نسرد بعضاً منها:
1- المرح والتسلية:
إدخال المرح والتسلية في الدورة التدريبية يجعل الدورة متألقة مثل صاحبها، حيث إن دورة ليس فيها مرح ولا تسلية تعد دورة فاشلة، والمقصود بهما هنا ليس إلقاء النكات على المتدربين وإضحاكهم، وإنما سرد مواقف مسلية حقيقية حدثت في الواقع، تبعث المرح في نفوس المتدربين، والتسلية بينهم.
ولنضرب مثالاً: في إحدى الدورات، وفي فقرة التعارف، طلبت من كل متدرب أن يذكر اسمه، ويذكر كلمة إيجابية تبدأ بأول حرف من اسمه، مثال: موسى = متعاون.
بدأ المتدربون يذكرون كلمات إيجابية غير متوقعة، مثل: أحمد = أسد، مريم = ملكة، سعاد = سلطانة، هاني = همّام، وغيرها، وأخذ المتدربون يضحك بعضهم من بعض!
مثال آخر: في إحدى الدورات للصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية حول الذكاء العاطفي وضبط مشاعر الغضب، سردت القصة التالية للمتدربين:
لقد كنت في الإسكندرية، وأردت العودة إلى الكويت، فاتّصلتُ بإحدى شركات التوصيل أطلب سيارة أجرة.
إدخال المرح والتسلية في الدورة يجعلها متألقة والتي تخلو من روح الدعابة تكون مملة
فلمّا وصلت السيارة إليَّ، طلبت من السائق أن يوصلني إلى مطار برج العرب، الذي يبعد مسافة 45 دقيقة قيادة بالسيارة عن الإسكندرية، ودار بيني وبينه الحوار التالي باللهجة المصرية:
فقلت له: هل ممكن أعرف اسم حضرتك؟
قال: معاك المهندس ممتاز.
فقلت: مهندس! وسائق سيّارة بالأجرة!
قال: نعم.
فقلت: يا ترى، اسمك على مسمّى؟
قال: نعم، أنا ممتاز وأبوي ممتاز وأمي ممتازة، وكل أفراد العائلة فيهم صفة التميز.
فقلت: الطريق أمامنا طويل يا باش مهندس ممتاز، عاوز (أريد) أسمع قصة ممتازة من حضرتك.
قال: حاضر، اسمع القصة دي (هذه)، في يوم من الأيّام، اتّصل بيّه (بي) باشا كبير، وقال لي: بص (انظر) يا ممتاز، فيه عندي معاد بكرة (موعد غداً) الساعة تسعة الصّبح (التاسعة صباحاً)، عاوزك (أريد منك) تكون موجوداً عند الفيلا بتاعتي (الخاصة بي) السّاعة 8:30، قبل الموعد بنصف ساعة حتّى متأخّرش (لا أتأخر)، واضح؟ فقلت له: واضح يا أفندم.
يقول ممتاز: رحتُ اليوم التّاني (التالي) في مكان الفيلا بتاعت الباشا، فوصلت السّاعة 8:30، وأنا أنتظر خروج الباشا من بيته، ولكنه لم يخرج، وصارت الساعة التاسعة، والباشا في بيته لم يخرج، وفجأة خرج الباشا، وهو في حالة غضب شديد.
قال الباشا: هُمّ الستات بيعملوا فينا كده ليه؟ (لماذا يفعلن معنا هكذا؟!)، هي ماتعرفش (لا تعرف) أنّ موعدي السّاعة تسعة! بقالها (بقي لها) ساعة أمام المراية (المرآة) بتتزين (تتزين)، وتعدّل في نفسها!
لم ينطق ممتاز حرفاً واحداً، وبدا على وجهه الحيرة والدهشة! ماذا عساه أن يقول؟! فالأمر لا يخصه، ولو تكلم، فسوف يزداد الموقف تأزماً، فآثر السكوت.
وأخذ الباشا يروح ذهاباً وإياباً، وهو يقول لحارس الفيلا: ما تروح وتنادي الست المهببة دي (اذهب وناد هذه المرأة السيئة)، والحارس لا يحرك ساكناً.
فأخذ ممتاز يُحدّث نفسه قائلاً: ربنا يعين السّتّ دي (أعان الله هذه المرأة)، لو نزلت حتصير (ستصير) معركة بينها وبين الباشا، حيضربها (سيضربها)، ممكن يسيل الدم منها!
ثم نزلت زوجة الباشا بزينتها، وكانت الساعة تشير إلى التاسعة والربع.
يقول ممتاز: انتظرت نشوب المعركة بينهما، فإذا بالباشا ينقلب إلى حمامة سلام!
ثم دار الحوار التالي بين الباشا وزوجته:
قال الباشا: تفضلي يا ست الكل، تفضلي!
ثم يفتح باب السيارة لها، وكله حب ومودة، وكلمات شاعرية!
ثم قالت الزوجة: هو أنا أخّرتك يا حبيبي؟ قال الباشا: أخّرتيني إزاي؟! (كيف؟!) مفيش (لا يوجد) تأخير ولا حاجة، ده أنا ما أعرفش (لا أستطيع) أعيش من غيرك! تفضلي يا ست الكل!
يقول لي المهندس ممتاز معلقاً على الحادثة: أين ذهب الأسد الضرغام؟! وكيف انقلب إلى حمامة سلام؟! لا أدري!
فأخذ المتدربون يضحكون!
فالمدرب المتألق هو الذي يُدخل المرح والتسلية في دوراته، فالدورة التي تخلو من روح الدعابة تعتبر فاشلة ومملة.
2- التحدي والتنافس:
إن من طبيعة المتدربين أنهم يسأمون ويتضجرون ويملون بسرعة، وعلى المدرب المتألق إدراك ذلك، وعليه أن يتحدى المتدربين بأسئلة وألغاز، ويجري بينهم مسابقات ليبعث روح الحيوية والنشاط والطاقة والحماسة بينهم.
ومن طرق التنافس والتحدي بين المتدربين طرح المسابقات الإدارية التي تبعث روح التنافس بينهم، وهي كثيرة، منها:
من طرق التنافس والتحدي بين المتدربين طرح المسابقات التي تبعث روح الحماسة بينهم
– مسابقة الشخصيات العالمية: حيث يتم عرض صور لشخصيات عالمية اشتهرت في إتقان موضوع الدورة، ويطلب من كل فريق التعرف إليها، وتعطى جوائز للفريق الفائز.
– مسابقة ربط الحروف والقراءة بين السطور: حيث يتم عرض عبارة لعدة كلمات بعضها ظاهر، وبعضها الآخر لا يظهر منها إلا الحرف الأول من الكلمة، ويطلب من كل فريق التعرف إلى الكلمات المخفية.
– مسابقة مربع إدارة الأولويات: حيث يتم عرض 4 مربعات في إدارة الأولويات؛ أمر من أمور الطوارئ، وآخر في مجال التخطيط، وثالث في مجال المقاطعات، ورابع في مجال توافه الحياة وصغائر الأمور، ويطلب من كل فريق التعرف إلى المربع المناسب لكل عبارة تعرض عليه.
– مسابقة مَن القائل: حيث تعرض عبارات مشهورة قيلت على لسان علماء مشهورين، ويطلب من كل فريق استعمال هاتفه النقال؛ لمعرفة قائليها.
– مسابقة الشعارات: حيث تعرض شعارات لمؤسسات عالمية ناجحة، أو فاشلة مفلسة، ويطلب من كل فريق التعرف إليها.
– مسابقة صح أم خطأ: حيث تعرض عبارات إدارية أو قيادية، ويطلب من كل فريق اختيار الإجابة الصحيحة.
– مسابقة اختر العبارة الصحيحة: حيث تعرض عبارات إدارية أو قيادية، ويطلب من كل فريق اختيار إحدى الإجابات الصحيحة من خيارات متعددة.
وقد تجرى بعض هذه المسابقات على مستوى الأفراد، وتعطى جائزة للفائزين فيها، فالمدرب المتألق يعلم أن إجراء المسابقات وسيلة من وسائل تحفيز المتدربين في الدورات التدريبية.
وفي مقالات قادمة، بإذن الله، سنطرح أمثلة لكل واحدة من هذه المسابقات، وطرق إدارتها.