من المؤكد أن خذلان غزة جاء امتداداً لتاريخ طويل من خذلان الحكومات العربية لفلسطين، فقد كانت بدايات الخذلان العربي للفلسطينيين مبكرة، ففي عام 1936م أثناء الثورة الفلسطينية الكبرى قامت الحكومات العربية بإرسال برقيات إلى اللجنة العربية العليا التي كانت تدير الثورة تطالبها بإنهاء الإضراب الفلسطيني الذي استمر ستة أشهر رفضاً للسياسات البريطانية، واستجاب الفلسطينيون لهذه البرقيات، وأنهوا إضرابهم وكانت نتيجة ذلك قيام بريطانيا بتقسيم فلسطين.
وفي عام 1948م، تدخلت الجيوش العربية لطرد اليهود من فلسطين، ولكن الذي حدث كان عكس ذلك تماماً؛ ما دفع الشهيد عبدالقادر الحسيني إلى الصراخ في وجه أحد مسؤولي العرب: «أنتم خائنون، سيكتب التاريخ أنكم أضعتم فلسطين»، وللأسف حصل ما قاله، واستشهد الرجل بعد يومين من كلامه هذا في معركة القسطل.
فقد قامت الجيوش العربية بسحب الأسلحة من الفلسطينيين، وسلمت فلسطين للصهاينة وانسحبت، وهكذا ضاعت البلاد!
وفي عام 1967م، كانت الهزيمة المروعة التي أدت إلى ضياع كل فلسطين، وتسبب فيها نظام جمال عبدالناصر، وحافظ الأسد، وزير الدفاع السوري آنذاك، وتشير وثائق «إسرائيلية»، نشرت عام 2000م حول وقائع حرب عام 1967م، إلى أن حجم الانتصار «الإسرائيلي» لم يكن يرتبط بكفاءة التخطيط العسكري أو إدارة العمليات الحربية من جانب القيادات «الإسرائيلية»، بقدر ما كان يرتبط بتلك الانهيارات السريعة الكاملة التي تعرضت لها الجيوش العربية.
فلم تكن خطة العمليات «الإسرائيلية» في تلك الحرب تتضمن احتلال كل سيناء، بل التوقف فقط عند الممرات، كما لم يكن في مخططهم احتلال الضفة الغربية، وإنما فقط القدس الشرقية، ولم تكن هناك عمليات عسكرية مقررة للهجوم على سورية، إلا أن حالة الانهيار العسكري، والانسحاب دون مقاومة، قد دفع موشي دايان، وزير الدفاع «الإسرائيلي» آنذاك، إلى اتخاذ قرارات منفردة بإطلاق العنان للقوات «الإسرائيلية»، وهي مشكلة قيادات وخيانات، وليست مشكلة قوات.
وفي عام 1979م، كان الخذلان العربي متمثلاً في توقيع الرئيس المصري أنور السادات لاتفاقية السلام مع «إسرائيل» التي أفرغت القضية الفلسطينية من محتواها، وأخرجت أكبر دولة عربية من دائرة الصراع العربي الصهيوني.
وظهر هذا الخذلان كذلك عام 2006م، عندما فازت «حماس» بالانتخابات، عندئذ فرض الكيان الصهيوني حصاراً شاملاً على قطاع غزة بتأييد بعض الدول العربية.
وجاءت معركة «طوفان الأقصى» كاشفة بقوة لخذلان العرب لفلسطين، خاصة دول الطوق لدرجة التآمر والمشاركة في القضاء على المقاومة في غزة بمنع الطعام والماء والدواء عن الشعب الفلسطيني.
المفارقة أنه في ظل هذا الخذلان العربي الكبير لغزة الصابرة التي تباد، تأتي النصرة من دولة غير عربية أو مسلمة، وهي جنوب أفريقيا، ورئيسها سيريل رامافوزا (نجاشي العصر)، وتُقدِّم الكيان الصهيوني لمحكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية لأهل غزة.
فهل يتواصل الخذلان العربي لفلسطين، أم نرجع إلى رشدنا ونقوم بما تحتّمه علينا أخوّتنا الإسلامية وننصر غزة وكل فلسطين؟