روى زيد بن ثابت رضي الله عنه: أمرَني رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ أن أتعلَّمَ لَهُ كتابِ يَهودَ قالَ: «إنِّي واللَّهِ ما آمَنُ يَهودَ علَى كتابي»، قالَ: فما مرَّ بي نِصفُ شَهْرٍ حتَّى تعلَّمتُهُ لَهُ، قالَ: فلمَّا تَعلَّمتُهُ كانَ إذا كتبَ إلى يَهودَ كتبتُ إليهِم، وإذا كتَبوا إليهِ قرأتُ لَهُ كتابَهُم. (صحيح الترمذي).
من هذا الحديث برع قائد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة يحيى السنوار الملقب بأبي إبراهيم، خلال عقدين في سجون الاحتلال، بدراسة لغة الصهاينة وفهم عقليتهم والتعرف على قادتهم.
تشير التقارير إلى أن السنوار كان عضواً مؤثراً داخل السجن، وأن إطلاق سراحه كان أسوأ قرار في تاريخ الكيان الصهيوني.
السنوار أثناء تواجده بالسجن مع عدد من الأسرى
وذكرت «الفايننشال تايمز» البريطانية أن السنوار بعد تعلمه العبرية، قرأ العقل «الإسرائيلي» جيداً، وتعمق في قراءة كتب وأفكار قادة الحركة الصهيونية أمثال زئيف جابوتنسكي، ومناحيم بيغن، وإسحق رابين.
ووفقاً للصحيفة، فإنه بالرغم من 40 سنة خبرة لدى «إسرائيل» في التعامل مع زعيم «حماس» في غزة، فإن القراءة الخاطئة لشخصيته شكلت مقدمة لأكبر فشل استخباراتي.
واعتبرت أن الخبرة «الإسرائيلية» في التعامل مع السنوار لم تؤد سوى إلى تهدئة قادة الأمن «الإسرائيليين»، ومنحهم شعوراً زائفاً بالرضا عن النفس، على حد تعبير الصحيفة.
وقال مايكل ميلشتاين، ضابط المخابرات العسكرية الصهيونية السابق، الخبير في الشؤون الفلسطينية، للصحيفة البريطانية: «لم نفهمه إطلاقاً»، في إشارة إلى السنوار.
قاعدة «اعرف عدوك»
في تصريحات كشفت عنها رئيسة مصلحة سجون الاحتلال سابقاً كيتي بيري، نقلتها «القناة 12 العبرية»، أن يحيى السنوار ترجم كتابين لرئيسين سابقين لجهاز الأمن الداخلي (الشاباك)، وذكرت القناة أن أحد الكتب بعنوان «القادم لقتلك» ليعقوب بيري، والثاني لكرمي غيلون وعنوانه «الشاباك بين الانقسامات»، ويتمحور حول الانقسام في المجتمع «الإسرائيلي».
كتاب «القادم لقتلك» لرئيس «الشاباك» سابقاً يعقوب بيري
وقالت بيري: إنه في إحدى عمليات التفتيش المفاجئة عثر على كتاب بحوزة السنوار، يعتقد أنه بخط يده، وتتراوح عدد صفحات الكتاب ما بين 500 إلى 600 صفحة، مؤكدة أنه كان يريد الترجمة للأسرى الأمنيين.
وتحدثت المسؤولة الصهيونية السابقة عن شخصية السنوار قائلة: كان من الواضح تماماً أنه نوع من القادة الهادئين وذوي القوة الفصل، وإنه يقرأ إستراتيجية قادة «الشاباك» ضمن قاعدة «اعرف عدوك».
خداع إستراتيجي
تحت عنوان «زعيم حماس الذي درس نفسية إسرائيل ويراهن بحياته على ما تعلمه»، نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية مقالاً مطولاً عن السنوار.
وبينت أن السنوار يعتمد على حكمه على المجتمع «الإسرائيلي» بعد عقدين من دراسته في السجن وتعلّم العبرية ومشاهدة الأخبار المحلية والدخول في النفسية «الإسرائيلية»، وقاد إستراتيجية لإجبار الكيان لمبادلة السجناء الفلسطينيين بالمحتجزين.
وأوضحت أنه عندما سُجن السنوار شرح لمسؤول «إسرائيلي» نظرية أصبحت الآن محورية في الحرب في غزة.
فيما يذكر يوفال بيتون، الذي قضى بعض الوقت مع السنوار رئيساً سابقاً لسجون الاحتلال، أن ما تعتبره «إسرائيل» نقطة قوة -أي أن معظم «الإسرائيليين» يخدمون في الجيش، وأن الجنود يتمتعون بمكانة خاصة في المجتمع- هي ضعف يمكن استغلاله.
وأضافت «وول ستريت جورنال» أن دقة فكرة السنوار ثبتت في عام 2011م عندما كان واحداً من 1027 أسيراً فلسطينياً تم إطلاق سراحهم مقابل جندي «إسرائيلي» واحد.
السنوار أثناء إطلاق سراحه بصفقة شاليط
واعتبرت أن السنوار يحتجز حالياً 138 «إسرائيلياً»، بمن في ذلك الجنود، ويراهن على أنه قادر على إطلاق سراح آلاف السجناء الفلسطينيين، وتحقيق وقف دائم لإطلاق النار معتمداً على حكمه على المجتمع «الإسرائيلي».
ونقلت المصادر عن وسطاء مصريين أنه خلال مفاوضات المحتجزين الأخيرة، قام السنوار بقطع الاتصالات لعدة أيام للضغط على «إسرائيل» للموافقة على وقف مؤقت يمنح «حماس» الوقت لإعادة تجميع صفوفها، وأنه عندما تم إطلاق سراح المحتجزين، تم إطلاقهم على دفعات كل يوم، وليس دفعة واحدة، مما خلق شعوراً يومياً بالقلق في المجتمع «الإسرائيلي».
بينما على الجانب الآخر، ظل يوهم الاحتلال أنه مهتم بالشأن الاقتصادي؛ ففي إحدى زياراته لمصر بعد إحدى الحروب الماضية ترك قصاصة ورق صغيرة فوق الطاولة كتب فيها: «أتمنى أن أرى غزة مثل سنغافورة»، فيعتقد القارئ لها أنه يحلم بالهدنة والسلام وتشييد غزة لتكون مثل المدن الاقتصادية الكبرى، حتى اعتقد الكيان أن «حماس» بقيادة السنوار لا تميل إلى حرب أخرى.
كانت شخصية السنوار بقراءته للعقل «الإسرائيلي» منذ أيام السجن وتأويل «إسرائيل» لشخصيته وتصريحاته وتصرفاته جزءاً من خطة الخداع الإستراتيجي الذي قاد لنجاح «طوفان الأقصى» بقصد أو من دونه.
السنوار بعيون الصهاينة
في تقرير صدر قبل معركة 7 أكتوبر الماضي، أكدت مراكز الأبحاث «الإسرائيلية»، ومنها معهد السياسات الإستراتيجية التابع لمركز «هرتسيليا»، أن السنوار الرجل الذي سيُغيِّر قواعد اللعبة مع «إسرائيل»، وأنه لا يمكن قراءة سلوكه في ظل انعدام العقلانية، فهو رجل يعمل ضمن خيارات واعية، وأوصى المعهد في ختام تقريره بالاستعداد لمعركة إضافية قد تكون قريبًا.
وتشير شهادات لأشخاص عرفوا السنوار لفترة طويلة داخل السجن أو خارجه إلى أنه رجل منظم وطموح وحاد الذكاء، فيما وصفه الضابط ميخا كوبي الذي أشرف على استجوابه لصالح جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) عام 1989م بأنه «رجل يتمتع بحضور قيادي وكاريزما، قليل الكلام، كما أنه سريع الغضب».
وقالت عنه «القناة العبرية الثانية»: إنه الزعيم الصعب، الذي لا يحبذ الظهور الإعلامي ويملك جرعة من الكاريزما والصفات القيادية الكبيرة ويستخدم عقله دون أن يرفع صوته عالياً.
مقابلة التلفزيون الاسرائيلي في #السجن مع يحيى السنوار
قبل خروجه بصفقة الإفراج عن الجندي الإسرائيلي شاليط عام 2011 وهو يتحدث بعد فوز حماس الساحق 2006 بالانتخابات وفكرة توقيع هدنة طويلة مع #الاحتلال▪️حُكم عليه منذ عام 1988 بالسجن مدى الحياة أربع مرّات… pic.twitter.com/dFE1ohsTwS
— PIC | صـور من التـاريخ (@inpic0) November 12, 2023
وأشارت إلى أن السنوار سيركز على المعركة المقبلة، وسيحث عناصر «القسام» على الاستعداد جيداً لها، واستخدام الكثير من البدائل في الهجمات وليس فقط الصواريخ وتحسينها.
أما صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، فوصفت السنوار بأنه من أقسى قادة حركة «حماس».
ونقلت عن مسؤولين أمنيين «إسرائيليين» التقوا مع السنوار في الماضي أنه رجل مهذب ومثير للإعجاب، ولكنه رجل لا يتردد في اللجوء إلى العنف.
استطاع السنوار أن يوهم أعداءه خلال تواجده بالأسر بأنَّه شخصية قابلة للإرضاء، وظل يخدعهم حتى تم إطلاق سراحه في تبادل الأسرى بصفقة شاليط المعروفة عام 2011م، ففي إحدى لقاءاته مع الإعلام العبري نهاية الانتفاضة الفلسطينية عام 2005م، تحدث إليهم باللغة العبرية قائلًا: برغم عدم اعترافنا بـ«إسرائيل»، لكننا مستعدون للذهاب إلى هدنة طويلة الأمد.
توعد بـ«طوفان هادر»
قبل نحو عام في ديسمبر 2023م، أعلن السنوار أنه سيغرق الكيان الصهيوني بـ«طوفان هادر وصواريخ دون عد»، إلا أن أحداً داخل دولة الاحتلال لم ينتبه إلى هذا النذير.
مهرجان حاشد في غزة بذكرى انطلاقة حماس الـ35 (14 ديسمبر 2022)
انتمى السنوار إلى جماعة الإخوان المسلمين بفلسطين في شبابه المبكر، وانخرط في نشاطاتها الدعوية والاجتماعية والتوعوية، ونشط في العمل الطلابي؛ فكان عضوًا في مجلس الطلبة في الجامعة الإسلامية، ونائبًا لرئيس المجلس، ثم رئيسًا له.
ومارس العمل الأمني بتكليف من الشيخ أحمد ياسين رحمه الله، فأسس مع خالد الهندي، وروحي مشتهى «منظمة الجهاد والدعوة» (مجد) عام 1986م، وهي الذراع الأمنية لحركة «حماس»، هدفها حماية جسم الحركة وملاحقة الصهاينة وعملائهم، وقد كان مسؤولًا عن جنوب القطاع (المعسكرات الوسطى وخان يونس ورفح).
اعتقل لأول مرة عام 1982م بسبب نشاطه الطلابي، وكان عمره حينها 20 عاماً، ووضع رهن الاعتقال الإداري 4 أشهر، وأعيد اعتقاله بعد أسبوع من إطلاق سراحه وبقي في السجن 6 أشهر من دون محاكمة، في عام 1985م اعتقل مجدداً وحكم عليه بـ8 أشهر.
في 20 يناير 1988م، اعتقل مرة أخرى وحوكم بتهم تتعلق بقيادة عملية اختطاف وقتل جنديين «إسرائيليين»، وقتل 4 فلسطينيين يشتبه في تعاونهم مع الاحتلال، وصدرت في حقه 4 مؤبدات (مدتها 426 عاماً).
______________________________
1- إعلام «إسرائيلي»: السنوار ترجم كتابين لرئيسين سابقين للشاباك، «الجزيرة. نت».
2- «وول ستريت جورنال»: السنوار الذي درس نفسية «إسرائيل» وكان الإفراج عنه أسوأ خطأ في تاريخها، «الجزيرة. نت».
3- ماذا تقول «إسرائيل» عن السنوار القائد الجديد لـ«حماس» بغزة؟ جريدة «الشرق» القطرية.
4- «الحي الميت».. من هو يحيى السنوار الذي تعتبره «إسرائيل» مهندس هجوم 7 أكتوبر وتطارده بغزة؟ «وكالة الأنباء الفرنسية».
5- السنوار.. الرجل الصعب، جريدة الرؤية العمانية، محمد الرواس.
6- صحيفة: كيف خدع السنوار «إسرائيل»؟ موقع «الحرة».
7- يحيى السنوار.. حررته «وفاء الأحرار» من 430 سنة سجناً فأغرق «إسرائيل» في «طوفان الأقصى»، موقع «الجزيرة نت».
8- يحيى السنوار، موسوعة النخبة الفلسطينية، مركز رؤية للتنمية السياسية.