د. عبدالحليم عويس
في كل يوم نرسل إليك -بألسنتنا- السلام ورحمة الله وبركاته.
كما لا يجاوز القرآن حناجر أكثرنا.. كذلك لا يجاوز ذكرك الحناجر.. وكلما ذكر اسمك ارتفعت أصواتنا -بينما عقولنا شاردة- بالصلاة والسلام عليك.
إننا نعترف.. بأنك أصبحت بعيدًا عن قلوبنا ووعينا.. لقد جَذَبَتنا المادية إليها، فأصبحنا ندور في فلكها.. وحتى في صلاتنا وحجّنا.. تكون أقوالنا وحركاتنا في واد.. وقلوبنا وعقولنا في واد آخر..
ولعدة قرون -وهي فترة غيبوبتنا عن حقائق ديننا وهبوطنا إلى درك التخلف والهزيمة النفسية- كنا هكذا منشطرين على أنفسنا، فكلامنا وأفعالنا في طريق.. وعقولنا وقلوبنا.. بعيدة عنك وعن كتاب ربنا.. في طريق آخر.
لقد تركنا طريقتك.. وهجرنا سنَّتك.. وأصبح الاحتفال بمولدك ليس صيامًا وعبادةً وحياةً مع سيرتك.. كما كُنتَ تحتفل في كل أسبوع حين تصوم كل يوم اثنين؛ لأنه اليوم الذي ولدتَ فيه.. بل أصبح تهريجًا يغلب عليه الفسق والقبائح، وتضيع منه معانيك العظيمة وأنوارك الطاهرة.. وتغلب العادة فيه على العبادة.. ونأكل الحلوى الموروثة من أيام الباطنية الفاطميين.. الذين استبدلوا بالإسلام الصحيح الطعامَ المليح، واستبدلوا بالمضامين والحقائق الأشكالَ والمبتدعات.. حتى تاه وعينا.. فأصبحنا أضحوكة الناس، وانفصلنا عن فقه القرآن والسُّنة والإجماع والقياس.
فافْتح ذراعيك يا رحمة الله للعالمين.. يا من حنوت على الحيوانات والجمادات.. وربتَّ بيديك الشريفتين على الجذع الذي حنَّ وأنَّ… فالتقطت أشعتك القلبية حنينه وأنينه.. فَرَبتَّ عليه حتى سكن.. وسكت.. فاستقبِلنا.. كما استقبلت الجمل الذي جاءك حزينًا يشكو ظلم صاحبه، وكما استقبلت الجذع الذي بكى.. فسمع قلبك بكاءه حين تركت الصعود للخطبة عليه وارتقيت المنبر.. استقبِلنا.. فنحن أحوج إلى شفاعتك وحبك.. أكثر من الجمل وجذع النخلة.. وسل الله لنا المغفرة واستغفر لنا ليغفر الله لنا..
وقريبًا سنلتقي بك.. بسنَّتك.. بقلوبنا وعقولنا وليس بألسنتنا وحركاتنا!
وسلام الله عليك.. في الأولين.. وفي الآخرين.. وإلى يوم الدين.
________________________
من أرشيف مقالات المفكر المصري الراحل د. عبدالحليم عويس.