عمل الاحتلال الصهيوني منذ احتلال الشطر الشرقي من القدس عام 1967م على تغيير الهوية الحضارية والتاريخية للمدينة المحتلة، عبر استحداث هوية يهوديّة تحاول ضرب الصورة العربية والإسلامية للمدينة، ومركزية المسجد الأقصى في ترسيخ الصورة الإسلامية المتجذرة في المدينة، فكان استهداف محيط «الأقصى» جزءًا أساسيًا من محاولات الاحتلال ترسيخ صورة عاصمته المزعومة.
وأحاطت أذرع الاحتلال المسجد الأقصى بعشرات المعالم اليهودية، عبر تنفيذ العديد من المشاريع والحفريات أسفل وفي محيط المسجد، في محاولة لإنشاء مدينة يهوديّة أسفل البلدة القديمة وفي محيطها، ضمن مشروع «تأهيل الحوض المقدس»، وربط هذه المشاريع والحفريات بشبكة من الأنفاق، ومع تعاظم هذه المشاريع، فقد حوَّل الاحتلال العديد منها إلى متاحف وكنس، وقاعات يستخدمها للترويج لروايته المزعومة عن «المعبد».
وتتوزع هذه المشاريع التهويديّة في المدينة المحتلة على ثلاث دوائر مركزية، وهي:
الأولى: المسجد الأقصى بكل مكوناته وملحقاته.
الثانية: محيط المسجد الأقصى المحاذي له، والبلدة القديمة.
الثالثة: حزام الأحياء المقدسية المحيطة بـ«الأقصى» والبلدة القديمة.
ما أهداف الاحتلال من هذه المشاريع؟
تهدف سلطات الاحتلال من تهويد أسفل المسجد الأقصى ومحيطه، وبناء المشاريع الضخمة، إلى تحقيق جملة من الأهداف، منها ما يتعلق باقتحامات «الأقصى»، ومنها ما يتصل بترويج مزاعمه الدينيّة، وصولًا إلى تدمير المعالم الإسلامية، وزرع المعالم اليهوديّة الدخيلة، وفي النقاط الآتية تفصيل لهذه الأهداف:
– إدارة عمليات اقتحام المتطرفين لـ«الأقصى».
– تأمين الرعاية الأمنية للمقتحمين.
– الترويج للمزاعم التلمودية، وتأمين أماكن لعبادة المستوطنين أسفل المسجد الأقصى.
– تدمير المعالم والآثار العربية والإسلامية.
– تشويه المظهر الحضاري الإسلامي والمسيحي لمدينة القدس.
– زرع معالم يهودية دخيلة في محيط المسجد الأقصى.
عشرات الكُنُس تحيط بـ«الأقصى»
صعد الاحتلال خلال السنوات الماضية من بناء المعالم التهويديّة، التي تهدف إلى إدارة عمليات اقتحام «الأقصى»، وتشويه المظهر العربي والإسلامي للمدينة، وقد تصاعد بناء هذه المعالم منذ افتتاح «كنيس الخراب» في عام 2010م، وبحسب مصادر مقدسية، بنت أذرع الاحتلال أكثر من 100 كنيس ومَعْلم يهودي في البلدة القديمة ومحيطها، من أبرزها مشروع «بيت شتراوس» على بعد أمتار من سور «الأقصى» الغربي.
ويُعدّ «كنيس الخراب» من أبرز الكُنس في الشطر الشرقي من القدس المحتلة، وقد بدأ إنشاؤه في عام 2006م، ويرتفع الكنيس 24 مترًا وتشمل قبته 12 نافذة، وطليت قبته باللون الأبيض، ويقع على مسافة عشرات الأمتار من الجدار الغربي للمسجد الأقصى، في محاولة لتشوية مشهدية المسجد، وإضافة إلى «الخراب» بنت أذرع الاحتلال كنيس «جوهرة إسرائيل»، وهو من أضخم الكُنُس في المدينة المحتلة، ويضمّ قاعات عرض للمكتشفات الأثرية التي يدعي الاحتلال أنه وجدها، وحمامات ومغتسلات دينية، وقاعات عرض وتعليم لـ«التراث والتاريخ اليهودي»، ومكتبة، ومطلات زجاجية في الطبقة العلوية.
أما آخر الكُنُس بناءً في القدس المحتلة «فخر إسرائيل»، الذي يبعد 250 مترًا من السور الغربي للمسجد الأقصى المبارك، ونحو 100 متر عن «كنيس الخراب»، وأصل الأرض التي أقيم عليها مقبرة إسلامية، وقد بدأت أعمال البناء في عام 2021م، ويضم 4 طبقات، وقبة ضخمة.
مشاريع تهويديّة ضخمة
تستبيح العديد من الجهات التهويديّة المدينة المحتلة بالعديد من المشاريع الضخمة، التي تتنوع ما بين كُنس ومشاريع لها علاقة بمزاعم دينيّة وترتبط بأسطورة «المعبد»، وأخرى تتصل بالمتدينين وغير ذلك، ويظل استهداف المسجد الأقصى أبرز أخطار هذه المشاريع، وفي النقاط الآتية، نسلط الضوء على 9 مشاريع ضخمة، وهي:
1- مشروع «كيدم يروشلايم» (المعبد القديم): على مساحة نحو 15600 م2، وارتفاع 7 طبقات متعددة الاستخدام، ويعدّ مشروع «المعبد التوراتي- مركز كيدم» من أضخم المشاريع التهويدية، يقع على بعد 20 مترًا من السور التاريخي الجنوبي للبلدة القديمة، ونحو 100 متر من المسجد الأقصى، ويُقام على أراضٍ مصادرة من بلدة سلوان.
ويقضي المخطط ببناء مشروع على مساحة بناء إجمالية تصل الى 16 ألف متر مربع تتوزع على 7 طبقات، بعضها تحت الأرض وأخرى فوقها، على مساحة 6 دونمات.
وتشير معلومات خرائط المشروع إلى أنه سيكون بالأساس مركز استقبال رئيس لكل الوافدين والزائرين «الإسرائيليين» والأجانب لمنطقة محيط الأقصى والقدس القديمة وسلوان وحائط البراق؛ ما يعني أنه سيكون مركز تجميع وتوزيع للوافدين على مختلف المراكز التهويدية الأخرى من مبانٍ وحفريات.
وتطمح سلطات الاحتلال إلى استقبال 10 ملايين سائح في المركز سنويًّا، ويضم المبنى العام طبقات مختلفة الأهداف.
2- مشروع «بيت هليبا» (بيت الجوهر): بدأت أعمال الحفر في بداية عام 2018م، ويقع هذا المشروع في أقصى الجهة الغربية لساحة البراق على بعد نحو 100 متر من حائط البراق، ويتكوّن من 3 طبقات على مساحة 1840 م2.
ستضمّ طبقات المشروع غرفًا إدارية، ومركزًا تعليميًّا، وصالة عرض، وقاعة الزوار، وقاعة احتفالات، ومكتبة، وغرفًا للمرشدين، وسيقام على سطحه طبقة مفتوحة وشرفة زجاجية تطلان مباشرة على حائط البراق والمسجد الأقصى والبلدة القديمة.
3- مشروع «بيت شتراوس»: يبعد 50 مترًا عن سور «الأقصى» الغربي، ويشمل بناء مدرسة دينية، وكنيس يهوديّ، ومركز متقدم لعمليات الشرطة، وقاعة لشرح المزاعم والروايات التلمودية، وقاعة استقبال كبيرة، وتتصل طبقاته بالحفريات أسفل حائط البراق.
أشرف على تنفيذه «صندوق إرث المبكى»، وهو شركة حكومية تابعة مباشرة لمكتب رئيس الحكومة «الإسرائيلية»، ويذكر أن المشروع عبارة عن عمليات توسعة وترميم وتغيير لمبنى قائم على 3 طبقات بتكلفة 20 مليون دولار، وهو في الأصل بناء إسلامي تاريخي وعقارات وقفية.
وأدى هذا البناء إلى تدمير الآثار الإسلامية العريقة الموجودة في المكان، وكانت المنطقة تحتوي على عشرات الأبنية والعقارات التاريخية والوقفيات من فترات إسلامية متعاقبة، منذ الفترة الأموية وحتى الفترة العثمانية.
4- مشروع «الحوض المقدس»: بدأ العمل فيه منذ عام 1996م، ويبدأ المشروع من حي الشيخ جراح شمالاً مرورًا بالبلدة القديمة، ووصولًا إلى بلدة سلوان وسفح جبل المكبر بهدف إضفاء صبغة يهودية على المكان، ويمسح أي آثار عربية وإسلامية في المنطقة.
5- «الحدائق التوراتيّة»: 7 «حدائق توراتية» تهويدية تتصل ببعضها بعضاً، يعمل الاحتلال على إقامتها حول البلدة القديمة بالقدس المحتلة ومحيط المسجد الأقصى.
وبدأت فكرة الحدائق منذ سبعينيات القرن الماضي، وتصاعدت بشكل كبير في السنوات الماضية، و«الحدائق التوراتية» مصطلح مضلل يهدف الاحتلال فيه لمنع أي وجود فلسطيني في محيط «الأقصى».
6- مشروع القطار الهوائي الخفيف: يهدف إلى رفع أعداد المستوطنين القادمين إلى المدينة المحتلة، واقتحام المسجد الأقصى، إضافة إلى تشويه المظهر الحضاري والتاريخ للبلدة القديمة، ورصدت له سلطات الاحتلال ميزانيات ضخمة، وعند الانتهاء من بنائه سيكون قادرًا على نقل 3 آلاف شخص في الساعة، باستخدام 72 عربة تتسع كل واحدة منها لـ10 أشخاص.
استعرضنا جزءًا من الأخطار التي يتعرض لها المسجد الأقصى، فإلى جانب هذه المشاريع، تشكل الحفريات أسفل وفي محيط «الأقصى» خطرًا آخر، وهو ملف بالغ الخطورة، وتقوم عليه جهات مختلفة، تمتلك إمكانيات ضخمة، تسخرها لتحقيق المزيد من الحقائق على أرض الواقع، وتؤثر على المسجد، ومبانيه، وتهدده بالسقوط لا قدر الله.