كاتبة المدونة: نجلاء هيكل
إن الطفل في عمر عشر سنوات يبدأ في ترك سنوات الطفولة ليلتحق ببدايات عمر المراهقة، فيبدأ في تكوين رأيه الشخصي من خلال ما يحيط به من معلومات، ومن خلال ثورة المعلومات التي أصبحت متاحة لكل الأعمار والناس، والبعيدة إلى حد ما عن رأي والديه، ومن هنا يبدأ الخلاف معهم، وفي فعل ما يؤمن به من خلال خبرته القليلة في الحياة، معتبراً أن رأي والديه هو بمثابة تقييد لحريته الحديثة، وتحجيم لأفكاره التي بدأت تزهر في حياته، متجاهلاً فرق العمر والخبرات الحياتية التي مر بها الوالدان، التي أسست قناعاتهما في الحياة.
مفهوم العناد
العناد هو الخروج عن القوانين المحددة داخل مجتمع ما؛ أسرة، مدرسة، المجتمع في حد ذاته ومخالفة قوانينه، بالرغم من وضوح خطأ الشخص المعاند، فإنه يستمر في سلوك هذا المنحى غير المرغوب به حتى ولو عن عدم قناعة.
أنواع العِناد عند الأطفال
أولاً: عنادٌ وراثي: حيث يتصف الطفل بالعنادِ حال ميلاده، فيصرخ ويبكي ويتصرّف بطريقة سيئة، وهذا النوع من الأطفال يكون عنيداً وبشدةً.
ثانياً: عنادٌ مكتسبٌ: حيث يكونَّ العنادَ نتيجة تجربةٍ سيئة مرّت بالطفل، أو نتيجة نشاطه المفرط، التي ينتج عنها العديد من المشكلات التي يقابلها وتعمل على زيادة عناده(1).
مفهوم عناد الطفل بعمر 10 سنوات:
العناد عند الأطفال بعمر 10 سنوات سلوك منتشر ومعروف، وهو عبارة عن رفض الطفل القيام بعمل ما مطالب به حتى لو كان سيعود عليه بالنفع، أو التخلي عن سلوك خطأ.
في معظم الحالات يلقي الآباء اللوم على الطفل، وذلك بالتعامل معه على أنه طفل عنيد لمجرد أن يلقوا عبء سلوكه هذا الفعل عن مسؤولياتهم الشخصية المباشرة، إما لضيق أوقاتهم المتاحة للحديث مع الطفل، وتفهم سبب سلوكه هذا الفعل، أو لتزمّتهم وأنهم يطالبون الطفل أن يكون كالروبوت يتلقى المعلومات وأن ينفذها بدقة متناهية تبع تعليماتهم الصارمة أحياناً، مما ينشأ عنه طفل بلا هوية، ليس لديه قدرة على الإبداع وخلق طريقه المحبب إليه.
فالطفل العنيد، من جهة أطباء الصحة النفسية، طفل يتمتع بصحة نفسية جيدة، وعلى الآباء دعمها ومساندتها؛ لأنه سيخلق منه رجلاً له شأن عظيم بالمستقبل، وذلك لا يعني أن الطفل الانطوائي بطبيعته لا يستطيع أن يكون له شأن عظيم بالمستقبل، ولكن على العكس، لأنه من الممكن أن يكون طفلاً ذا شأن من خلال مجالات الكتابة والرسم والإبداع في عدة نواحٍ أدبية وغيره من المشاهير، التي يتطلب عملهم الهدوء والبعد عن التجمعات، فكل طفل حسب تكوينه الجيني والبيئي يحدد موقعة في الحياة العملية والمهنية.
صفات الطفل العنيد
الطفل العنيد هو من يتكرر رفضه للأشياء بصفة مستمرة وليس لمرة واحدة أو اثنتين، ومن صفاته ما يلي:
– يحب جذب انتباه والديه ومن حوله إليه.
– مستقل، يحب الاعتماد على النفس.
– محب للجدال.
– يتمتع بالالتزام.
– يصر على تنفيذ ما يريده.
– يصاب بالعديد من نوبات الغضب، أكثر من الأطفال في نفس عمره.
– يتمتع بالسلوك القيادي القوي.
– متسلط في كثير من الأوقات.
– يحب أن يُستمع له، وأن يفهمه المحيطون به.
أسباب عناد الطفل
إن من أسباب العناد عند الأطفال في سن العاشرة كثيرة ومختلفة من طفل لآخر، ولكن من الأسباب المعروفة ما يلي:
– عدم السماح للطفل بالحرية في الاختيار، ولا السماح له بأن يكون له مساحته الشخصية للحركة بحرية، فالإنسان خلق بطبيعة الحال على الحرية، ولكن لا يدرك الوالدان أهمية هذا الأمر في التربية لخلق إنسان ذي شخصية مستقلة.
– الرقابة الصارمة المستمرة للأطفال من جهة الوالدين، والخوف المفرط على الأطفال، ولذلك يتحكمان في مصلحة الطفل الدائمة من وجهة نظرهما، دون تقديم أي أسباب لهذه الاختيارات ولا مناقشتها وتوضيحها للطفل، فالطفل في هذا العمر يتمتع بالقدرة على الفهم والإدراك.
– عدم تمتع الوالدين بالصبر والإصرار على تنفيذ الطفل لتعليماتهما، حيث يحتاج الطفل إلى الوقت للتعلم وإدراك الأمور المطالَب بها.
– إن أوامر الكبار غير المتوافقة مع عمر الطفل، ينتج عنها عواقب غير مرغوب فيها، وذلك كرد فعل على سيطرة الوالدين، مما ينتج عنه طفل عنيد، مثل أن تجبر الأم الطفل على ارتداء ملابس ثقيلة لا يستطيع الحركة به أثناء اللعب.
– أحياناً يكون عناد الطفل رد فعل طبيعياً لعناد الأبوين، حيث يراهما قدوته الأولى في الحياة.
– رغبة الطفل في إظهار شخصيته، وهي من طبيعة المرحلة العمرية، ولكن بدون صورة مالغ فيها.
– عدم مرونة الوالدين في تربية الطفل، والتدخل المستمر في كل ما يتعلق به، وتقييد حريته، والتعامل معه بشكل غير عاطفي.
– تربية الطفل على الاتكالية على الوالدين في كل الأمور الحياتية، فالعناد آنذاك يكون كرد فعل لعدم تنفيذ مطالبه.
– قد يكون عناد الطفل أحياناً وسيلة منه على إعاقته أو صدمته في شيء ما؛ لذلك يكون سلوك العناد لمواجهة ذلك الشعور والمعاناة.
– أحياناً يكون العناد وسيلة للحصول على متطلباته، ويصبح العناد إحدى الوسائل الموجهة للوالدين لتحقيق رغباته.
كيفية التعامل مع عناد الطفل
يوجد العديد من الطرق للتعامل مع الطفل العنيد، ومنها ما يلي:
– مناقشة الطفل فيما يريده حتى يشعر ببعض الحرية دون تلقي الأوامر دائماً، ولذلك فعلى الوالدين النقاش مع أطفالهما وسماعهم وفهمهم، بالإضافة إلى منحهم بعضاً من الحريّة للتعبير عن آرائهم، وذلك من خلال طرح بعض الأسئلة عليهم، كمثال: ما الذي يجري؟ كيف يُمكن أن أساعدك؟ لماذا تشعر بالانزعاج؟ ماذا تحتاج الآن؟ حيث يكون هذا الأسلوب مفتاح شعور الطفل بالقوة والثقة بالنفس، وبأنّه إنسان لديه المقدرة على التعبير عن حاجاته(2).
– مدح عمل الطفل وإبراز مواطن القوة فيه عند القيام بتصرّف جيد، فهذا يعزز فيه أيضاً الشعور بالطمأنينة والفرح، فيجب على الوالدين مكافأة طفلهما في كلّ مرّة يقوم بها بعمل إيجابي؛ أياً كان المكان وموقع تواجد الأسرة، وأيضاً حال فعل عمل سلبي يتوجب على الأسرة لفت انتباهه، وإذا لم يستجب عليهما معاقبته.
– على الوالدين احترام الطفل لقراراته آرائه الخاصّة وقبولها، فالطفل يحب الحرية ويرفض الأوامر المطلوبة منه، فذلك ما يحفزه في معظم الأوقات للعناد وعدم تنفيذ الأوامر، لذلك على الوالدين الاستماع لأفكار أطفالهما واستيعاب ما يريدون، ومحاولة مفاوضاتهم بهدوء لإقناعهم، والعمل معهم، وبث روح التعاطف والحب والمودّة لهم، وعدم إهمال مشاعرهم وآرائهم، وبث روح الثقة بالنفس لهم، دون محاولة السيطرة عليهم.
– محاولة شرح الوالدين للسلوك غير المرغوب فيه للطفل، ومحاولة دمجه بشيء آخر كمشاهدة فيلم محبب أو مباراة كرة قدم، أو تقسيم الواجبات الملزمة منه على كذا خطوة يكون بينها فاصل.
في حال كان يتطلب العمل المطلوب من الطفل بعض المساعدة لكي يتعلم المشاركة، فليساعده الآباء حتى لا يدخل في نوبة عناد دون مبرر.
– العمل على وجود نظام روتيني للمنزل وللمهام الدراسية، وأيضاً المساعدة في جودة النوم، وأخذ القسط الكافي لساعات النوم في هذا العمر وهو غالباً ما يكون 10 ساعات.
– ليس كل عناد للطفل سلوكاً سلبياً، فبعضه يكون إيجابياً للطفل، فأحياناً تكون قناعاته الخاصة تجاه زميل له بالمدرسة، والبعد عنه شيء جيد له ولمستقبله، التي قد لا يعلم عنها الوالدان شيئاً.
نصائح للوالدين في التعامل مع الطفل العنيد
1- إن توطيد العلاقة بين الطفل ووالديه من السلوكيات الإيجابية في تربية الأطفال، فكلّما زاد حبّ الطفل للوالدين؛ زاد تنفيذ مطالبهما بسلاسة وهدوء.
2- على الوالدين تقبل تنفيس الطفل عما لا يريده، وترك مساحة من الحرية للتعبير عما يدور بداخله.
3- إن الوالدين هما القدوة الأولى في حياة الطفل، لذلك يجب الحرص على تصرفاتهما مع الأطفال وعدم الإصرار على آرائهما بشكل متزمت معهم، فالأطفال مرآة والديهم.
4- الثبات على نفس النهج للأطفال، فلا نسمح في مرة بشيء ما ومرة أخرى لا، وإلا يجب على الوالدين توضيح السبب في الاختلاف، حتى لا نضع الطفل في موقف رفض تنفيذ الأمر.
5- في حال كان الطفل مرهقاً وغاضباً؛ فعلى الوالدين تجاهل هذا الغضب حتى يهدأ الطفل.
6- تعويد الطفل على تقديم المساعدة لمن هم أكبر سناً، فهو في هذا العمر يستطيع تقديم المساعدة لمن حوله، والثناء عليه بعد فعل ذلك.
7- محاولة استخدام أكثر من خيار للطفل، حتى يشعر أنه صاحب القرار.
مقولة لأحد الاختصاصيين النفسيين
يشتكي بعض الاختصاصيين النفسيين من المناقشات الحادة التي تحدث بينهم وبين الأطفال العنيدين، ويقول بعضهم: إن الأطفال العنيدين يتمتعون بالإرادة القوية والرغبة في الاستقلالية، ويميلون إلى فعل ما يرغبوه دون تردد أو قلق، وينضم رأيهم مع رأي الآباء والأمهات في معظم الأحيان، فمن الجائز أن يكون جزءًا من الشخصية الطبيعية للطفل، ومن المتوقع أن العناد يمكن أن يتلاشى لدى الطفل عند سن الخامسة أو السادسة، ولكن الإهمال من قِبل المربي لسلوك العناد وعدم الاهتمام به يؤدي إلى اضطراباتٍ نفسيةٍ وعدوانيةٍ، قد تستمر معه إلى ما بعد سن العشرين(3).
________________________
(1) أي ليفي، بيل أوهانلون (2003)، حاول أن تروضني (الطبعة الأولى)، الرياض- السعودية: مكتبة جرير، ص2، ج1.
(2) Maureen Healy (7-1-2013), “The Highly Sensitive (and Stubborn) Child”، www.psychologytoday.com, Retrieved 30-4-2019 Edite.
(3) عبدالكريم بكار (2010)، مشكلات الأطفال (الطبعة الأولى)، القاهرة- مصر: دار السلام، ص92-91.