اجتمعت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، واتفقن على أن يطالبن بزيادة النفقة بعدما تحسنت الأمور وكثر المال في أيدي المسلمين؛ فرفض صلى الله عليه وسلم ووعظهن، إلا أنهن تمسكن بمطلبهن.
وبعد ما يقارب الشهر، نزلت آيات القرآن الكريم فاصلة في الأمر: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً {28} وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً) (الأحزاب)، فما كان منهن إلا أن قلن: بل نريد الله ورسوله والدار الآخرة، رضي الله عنهن أجمعين.
أزمة مالية كبيرة مر بها بيت النبوة صلى الله عليه وسلم، إشارة لمن بعده أن الماليات لا بد من وضع الأسس من البداية للتعامل معها حتى يتم تجاوز المنطقة المفخخة بنجاح، التي كثيراً ما تسبب مشاحنات ومشادات في البيت، بل قد تؤدى للطلاق، فالمال عصب الحياة وهو العون على تحقيق متطلبات الحياة.
وبعيداً عن أجواء المشاعر والرومانسية، دعونا نتفق على أن الحالة الاقتصادية لها أثر كبير في خلق المشكلات وتوتّر العلاقة بين الزّوجين، خاصة مع الأزمة الاقتصادية العالمية وارتفاع أسعار السلع وزيادة مصروفات البيوت.
ولنا أن نقول: في أيامنا هذه يعتبر المال من أهم أسباب الخلافات والصراعات بين الزوجين، بسبب عدم قدرة الزوج على تلبية احتياجات المنزل ولجوئه إلى الغرق في عالم الديون؛ مما يؤدي إلى انهيار الحياة الأسرية.
أثبت المتخصصون أن نسبة كبيرة من حالات الطلاق سببها المشكلات المالية التي تحدث مع مراحل الحياة المتقلبة، مؤكدين أن ضيق الحالة المادية يؤثر بطريقة أو بأخرى على العلاقة الزوجية، وتحدث فجوة كبيرة بينهما مما يحدث هزة عنيفة في الاستقرار العاطفي والأسري والمجتمعي.
وحتى نتجنب الخلافات المالية بين الزوجين، لا بد أن تبدأ مرحلة التخطيط المالي والأسس التي ستسير عليها الأمور باكراً من فترة الخطبة، وتكون بالمصارحة بين الطرفين حول إمكانياتهم المادية، وكيف ستكون المساهمة من شريكة الحياة، وكيف سيكون الإنفاق بينهما واستعدادهما للتعاون في سبيل إنجاح الحياة الزوجية.
ميزانية البيت
وهنا لا بد أن نؤكد أهمية وضع ميزان للبيت دون تشنج وتوتر لسير الحياة اليومية، هذه الميزانية التي تعمل على تحقيق التوازن بين إيرادات الأسرة ومصروفاتها ولها فوائد كثيرة، حيث تساعد على تقدير إيرادات الأسرة مقدماً، وكذلك النفقات المتوقعة خلال فترة معينة حتى لا يقع عجز أو استدانة، كذلك تساعد على تدبير العجز المتوقع في مصروفات البيت، كما تقوم بعمل تدريب الأبناء على كيفية إدارة البيت مالياً واقتصادياً قبل زواجهم تحت إشراف وتوجيه الوالدين.
يقول د. حسين شحاتة، في كتابه «اقتصاد البيت المسلم في ضوء الشريعة الإسلامية»: بعد أن ذكر هذه الفوائد التي أوردناها سابقاً بتصرف: «إن هذه المزايا وغيرها تجعل من فكرة الميزانية من الواجبات حتى لا تحدث مشكلات ناجمة عن سوء أو عدم التقدير والاحتياط للمستقبل، والواقع العملي يعطي لنا نماذج كثيرة كان فيها الخلل بين الإيرادات والنفقات من بين أسباب الخلافات الزوجية».
ويقول د. زيد بن محمد الرماني، في كتابه «فن إدارة ميزانية البيت»: وعليه، فعند القيام بإعداد الميزانية ينبغي أن نأخذ في الاعتبار مجموعة من القواعد التي تجعل هذه الميزانية فعالة ورشيدة، ومنها:
– قاعدة المدة الزمنية: بأن يكون لميزانية الأسرة فترة زمنية تُعدُّ عنها، فقد تكون شهرية أو ربع سنوية أو سنوية.
– قاعدة التوازن: بين الإيرادات والنفقات بقدر الاستطاعة، لتخطيط النفقات في ضوء الإيرادات المتوقعة.
– قاعدة الواقعية: عند تقدير إيرادات ونفقات الأسرة، بأن يكون ذلك في ضوء الواقع الذي تعايشه الأسرة.
الاقتصاد سر النجاح
ومن الأمور المهمة جداً في ميزانية البيت الاعتدال والاقتصاد والبعد عن أخوة الشياطين؛ (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ) (الإسراء: 27)، فالأصل في ديننا الاعتدال في الإنفاق والبعد عن التبذير.
الاعتدال في الإنفاق دون إسراف ولا تقتير أمر محمود، فالإسراف أقصر طريق للفقر والذل، وفي التقتير والإمساك يؤدي لعدم التمتع بما أحل الله، بل الحسرة على ما فات، ومن سلك سبيل الاعتدال استعد لنوائب الدهر كالمرض وفقدان القدرة على الكسب، وصدق ربنا عز وجل حين قال: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) (الفرقان: 67).
يقولون في أهمية الاقتصاد: الناس فريقان؛ فريق اقتصد وفريق أسرف، فجميع السفن التجارية والسكك الحديدية والمعامل الصناعية وسائر المشروعات الاقتصادية التي تأسست عليها هذه المدنية، كلها من أعمال الفريق الذي اقتصد.
أما الفريق الذي أسرف ثم اضطر أن يستدين لسد حاجاته، فقد أصبح على تمادي الأيام رقيقاً للفريق الأول وهي سُنة الله في خلقه.
قال بعض كتَّاب الغرب: قد عاينت الأمور وعانيتها ثم بعد تفكير عميق في الحياة لم أجد سوى أمرين ربما جلبا السعادة: الاعتدال في مطالب النفس، وحسن التصرف في الثروة.
ومما يساعد على سير الأمور المالية بشكل جيد أن يحصي الإنسان نفقاته اليومية ثم الشهرية والسنوية ليستبين مقدار ما ينفقه في اليوم والشهر والسنة، فيقسم دخله الشهري على ما هو مطلوب.