في 4 فبراير 2024م، شهدت السنغال، وهي دولة ذات ديمقراطية متجذرة منذ استقلالها، وغالبية سكانها من المسلمين بنسبة 96%؛ احتجاجات شعبية واسعة بسبب رفض الميول الاستبدادية للرئيس ماكي سال الموالي لفرنسا؛ حيث قرر الرئيس إلغاء الانتخابات، التي كانت مقررة في 25 فبراير 2024م دون سبب محدد، فيما تقول المعارضة: إن سبب الإلغاء يعود لسعيه منع فوز مرشح معارض لفرنسا، التي تُهيمن على القرار السياسي بالبلاد، بالرئاسة.
يعد إلغاء الانتخابات الرئاسية المرة الأولى في تاريخ السنغال منذ عام 1963م، وهو العام الذي شهد بداية التعددية السياسية والانتقال السلمي للسلطة واحترام الدستور ومواعيد الانتخابات.
ما حدث كان انقلاباً دستورياً على العملية الانتخابية من أوثق حليف لفرنسا وبدعم من قوات «الدرك الوطني»؛ لذا أثيرت تكهنات أن تشهد البلاد انقلاباً عسكرياً لأول مرة ضد الرئيس المعرقل للانتخابات؛ لأن الدستور السنغالي يمنع بشكل قاطع تأجيل أو إلغاء انتخابات الرئاسة.
الرئيس سال الموالي لفرنسا ألغى الانتخابات التي كانت مقررة في 25 فبراير دون سبب محدد
الرئيس ماكي سال، الذي تنتهي ولايته في أبريل 2024م، ولا يحق له الترشح لمرة ثالثة، سعى للالتفاف على الدستور وإعطاء عملية إلغاء الانتخابات شكلاً قانونياً، عبر إصدار مرسوم رئاسي يظهر الإلغاء على أنه تأجيل، ثم التصويت على التأجيل بحيث يبقى في السلطة طوال فترة التأجيل، عقب انتهاء فترته الرئاسية!
وفي 6 فبراير، تم إخراج النواب المعارضين للتصويت على تأجيل الانتخابات من البرلمان بقوة الجيش والدرك الوطني لأول مرة، وصوتت الأغلبية الرئاسية لصالح ما يرغب به سال وفرنسا، وحمت بذلك مصالحها في السنغال، وحصل الرئيس سال بذلك على موافقة مزورة من البرلمان على التأجيل حتى 15 ديسمبر 2024م، وأن يبقى في الحكم حتى موعد الانتخابات؛ ما أشعل المظاهرات.
فرنسا السبب
محللون يرون أن الرئيس سال، الحليف الأبرز لفرنسا في غرب القارة الأفريقية، سعى لتأجيل الانتخابات لأنه لا يمكنه الترشح لفترة رئاسية ثالثة، وبعدما ظهر منافس قوي لتولي رئاسة الجمهورية يحظى بمحبة الجماهير ومعادٍ لفرنسا، هذا المنافس هو عثمان سونكو، الذي ينتمي إلى حزب «باستيف»، وقد نسج الرئيس سال مؤامرة ضده، وأودعه السجن، ودَعَم مرشحاً آخر لمنصب رئيس الجمهورية في الانتخابات الرئاسية يُدعى أحمد سيكو باه يفتقر إلى الشعبية والكاريزما، لمجرد أنه موالٍ لفرنسا مثله!
الآن تحولت السنغال إلى ثورة ضد الرئيس، ومصادمات بين الشرطة والمعارضين لتأجيل الانتخابات، وشهدت العاصمة عدة حرائق بسبب الفوضى.
L’injustice mène à la révolte! Le Sénégal brûle… pic.twitter.com/Bj1JLG2n4z
— Dialika Haïle (@LadyDialika) February 10, 2024
وتتصاعد الأحداث بصورة درامية يخشى معها المراقبون أن يضطر الجيش للتدخل والقيام بانقلاب عسكري، لتدخل البلاد دوامة الانقلابات لأول مرة في حياتها، وتنهار ديمقراطيتها الشهيرة لمجرد دوافع استبدادية من رئيسها الموالي لفرنسا الذي تحركه باريس ليمنع فوز مرشح يعاديها في الانتخابات المقبلة.
#Senegal #presse
"REPORT DE LA PRESIDENTIELLE
DAKAR RENOUE AVEC LES AFFRONTEMENTS"
"DÉBUT DE LA CONTESTATION DU REPORT DE LA PRÉSIDENTIELLE
UN VENDREDI DE FEU AU SÉNÉGAL, DEJA DEUX MORTS ENREGISTRÉS"
"RASSEMBLEMENT CONTRE LE REPORT DE LA PRESIDENTIELLE
LA RÉVOLTE MONTE D'UN CRAN" pic.twitter.com/afBrovb0vn— SaveMySahel (@mnk68636175) February 10, 2024
#السنغال: الوضع صعب للغاية في العاصمة السنغالية، الشرطة تواجه المتظاهرين بعنف شديد، وأعمال شغب وحرق ونهب.
نقل ميداني حي pic.twitter.com/uLzAPVzuE2— محمد الأمين سوادغو 🇧🇫 (@Sawadogobf) February 10, 2024
ويقول محللون: إن فرنسا سبب الفوضى في السنغال، وإنها تدعم خطط الرئيس لتمنع وصول معادٍ لها للرئاسة يطالبها بالخروج من السنغال، كما طالبها زعماء مالي والنيجر وغيرهما، وقد أقلق فرنسا تكرار سنغاليين ما فعله أبناء مالي والنيجر من رفعهم أعلام روسيا ومطالبتهم بمغادرة فرنسا وأمريكا من أراضيهم، وطرح ذلك تساؤلات حول: هل تلحق السنغال بدول أفريقيا التي طردت فرنسا من أراضيها؟
محللون: سال أجَّل الانتخابات لظهور منافس قوي يحظى بمحبة الجماهير ومعادٍ لفرنسا
#السنغال: الشعب يرفع أعلام روسيا ويطلبون مغادرة فرنسا وأمريكا، ويصفون ماكي سال بالدكتاتوري…هكذا يقول هذا الشاب … pic.twitter.com/ojYdSaFgEV
— محمد الأمين سوادغو 🇧🇫 (@Sawadogobf) February 10, 2024
وتندلع مظاهرات كبيرة في جميع أنحاء البلاد، وخاصة أمام البرلمان الذي قنَّن الانقلاب الدستوري، وقام الرئيس الموالي لفرنسا بقطع الإنترنت المحمول وقمع الشعب التواق للحرية.
لعنة الفترة الثالثة!
وترجع الأزمة السياسية في السنغال إلى ثأر بين الرئيس الحالي والمعارضة التي دعمت التعديلات الدستورية التي تمت الموافقة عليها عام 2016م، التي تم بموجبها تقليص الولاية الرئاسية إلى ولايتين فقط؛ ما حرم الرئيس الحالي من الترشح لفترة ثالثة، وقد نصَّ الدستور السنغالي المعدَّل على أنه «لا يمكن لأحد أن يحكم البلاد أكثر من فترتين متتاليتين».
لكن وضع التعديلات الدستورية بعد تولي الرئيس سال ولايته الأولى التي بدأت عام 2012م أثار خلافات، ففي عام 2021م أعلن الرئيس سال أنه ينوي الترشح لولاية ثالثة، معتبراً أن هذه المادة لا تنطبق عليه؛ إذ إن ولايته الأولى كانت قبل الإصلاحات الدستورية.
وقد اعتبرت القوى السياسية المعارِضة وعلى رأسها رئيس حزب «باستيف» عثمان سونكو، عزم الرئيس الترشح لولاية ثالثة بأنه «تفسير للدستور لصالحه»، ودعت أنصارها إلى النزول للشارع للوقوف أمام طموحات سال في الاستمرار بالحكم.
وشهدت البلاد عام 2021م مظاهرات عنيفة شملت دكار وتييس وكبريات المدن في السنغال، وراح ضحيتها عدد من القتلى والجرحى، ثم تدخلت المشيخة الصوفية وهيئات العلماء المسلمين وأدوا دوراً في إنهائها، ليعلن الرئيس سال تخليه عن الطموح لولاية ثالثة.
فرنسا وراء تأجيل الانتخابات لعدم سقوط السنغال بيد مناهضيها بعدما فقدت 3 دول أفريقية
بيد أن الأزمة استفحلت من جديد هذا العام (2024م) عندما أصدر المجلس الدستوري في السنغال القائمة النهائية التي ضمت 20 مرشحاً رئاسياً، ليس من بينهم كريم واد، زعيم الحزب الديمقراطي السنغالي، نجل الرئيس السابق عبدالله واد، الذي كان الرئيس الحالي يعده ليكون مرشحاً بدلاً منه ورئيساً مستقبلياً، حيث تم رفض ترشيح واد لأنه ثنائي الجنسية، ومعه جنسية فرنسا مع السنغال، وطالب نواب من الحزب الديمقراطي السنغالي (الحاكم) بتشكيل لجنة برلمانية للتحقيق مع عضوين في المجلس الدستوري لاتهامها بأخذ الرشوة من أجل إبعاد واد، بحجة أن المجلس قبل مرشحة أخرى مزدوجة الجنسية ورفض مرشح الحزب الحاكم مع أنه مثلها.
ومع تصاعد التوتر بين البرلمان والمجلس الدستوري والرئيس والمعارضة تدخل الرئيس ليلغي الانتخابات لحين الترتيب لوضع حل واختيار مرشح واضح ليس عليه أي إشكاليات ليكون خليفته ومرشح الحزب الحاكم في الانتخابات.
ويقول الباحث في الشؤون الأفريقية محمد الأمين سوادغو: إن هناك 3 أسباب وراء تمديد سال للفترة الرئاسية وتأجيل الانتخابات، هي:
الأول: صفقة الغاز السنغالي وعمولات عقودها، التي ينبغي أن تسلم في حدود 4 إلى 9 أشهر، وضغط قيادات عسكرية وأمنية للحصول على نصيبها، لهذا تحايل الرئيس لتأجيل الانتخابات 10 أشهر ليبقى في السلطة ويحصل على العمولات، ويسترضي الجنرالات بذلك حتى لا ينقلبوا عليه.
الثاني: ضعف مرشحه المفضل أحمد باه، حيث تبيّن له أنه سيخسر أمام منافسيه الشرشين أعداء سال التاريخيين الذين يتربصون به، للزج به في السجن كما فعل بهم، لهذا رأت الدائرة المحيطة به تأجيل الانتخابات لحين تجهيز مرشح حكومي قوي.
الثالث: مطالبة فرنسا له بهذا التأجيل للحيلولة دون سقوط السنغال بيد مناهضي فرنسا في ظرف قياسي بعدما فقدت نفوذها في 3 بلدان (مالي، بوركينافاسو، النيجر).
هناك ثلاثة أسباب وراء تمديد ماكي سال للفترة الرئاسية وتأجيل الانتخابات:-
1- صفقة الغاز السنغالي والعمولات التي في عقودها، والتي ينبغي أن تسلم في حدود أربعة إلى تسعة أشهر، وضغط قيادات عسكرية وأمنية للحصول على نسيبها، لهذا لا نتظروا انقلابا عسكريا هناك مع شراء الذمم، إلا إذا تمرد…
— محمد الأمين سوادغو 🇧🇫 (@Sawadogobf) February 13, 2024
ويبدو أن ما سيحسم الأمور تلك المظاهرات المندلعة في الشارع، وهل تتحول إلى ثورة ضد الرئيس تنتهي بعزله ومحاكمته، أم ينجح الرئيس بالجيش والشرطة في وأد معارضيه وسجنهم؟