تساؤلات عدة طرحتها مجريات الأحداث في غزة، والتعامل الغربي معها، وحجم الوعي بالقضية الفلسطينية، ودور الشباب في مناصرة المسجد الأقصى الأسير، والتصدي لموجات التغريب والغزو الثقافي، وهو ما فرض نفسه على مائدة حوار «المجتمع» مع أ.د. غانم السعيد، العميد السابق لكلية الإعلام بجامعة الأزهر.
بداية، ما طبيعة تأثير حرب غزة على وعي الشباب بقضيتهم المركزية في فلسطين؟
– الواقع المؤسف الذي نعيشه هو أن القضية الفلسطينية، بشكل عام، قد تراجعت في مستوى الاهتمامات، حتى بين الدول العربية والإسلامية التي كانت تعتبرها قضية مركزية.
وللأسف، شهدنا كيف قامت بعض الدول بالتطبيع مع الكيان «الإسرائيلي»، وقد أثرت هذه الخطوات على شعور الشباب العربي في الاهتمام والتفاعل مع هذه القضية الحيوية، وكان من الضروري أن يحدث شيء لإعادة إشعال الاهتمام بالقضية الفلسطينية، الذي تمثل في «طوفان الأقصى» وهذه الحرب المباركة.
ما أبرز التحديات التي تواجه العرب؟
– حالة الاستشراق وعملية التغريب قضية خطيرة جدًا، ولم تبدأ من اليوم وإنما بدأت عندما عجز الغرب عن استعمارنا استعماراً مستديماً، فعندما كانوا يواجهون أمة واحدة تصد جيوشهم عن بلادنا كانوا يعودون إلى بلادهم ليبحثوا من جديد عن طريقة أخرى لغزو هذه الأمة، وكان سلاحهم الأول الغزو بالاستشراق.
الغرب يجيش عقولاً لتغيّب عقولنا وتراثنا
فحاول الغرب ضرب أمرين؛ الأول: القرآن الذي هو دستور المسلمين، والثاني: العفة التي تجمع أنسابهم، بنزع الحجاب من على المرأة ووضعه على القرآن الكريم، وذلك بفصل المسلم من أن يفهم قرآنه حتى يفقد أهم مقوماته، ورفع الحجاب عن المرأة وما يترتب عليه من فجور وفسوق ونشر الرذيلة والفحشاء والمنكر.
ومن يومها قرر الغرب بدل أن يجهز جيوشاً بمعدات وأسلحة، أن يجيش عقولاً تأتي إلينا لتغيّب عقولنا، وتجتثنا من تراثنا وجذورنا من خلال تغيير الفكر، ومن هنا بدأ ما يعرف بالغزو الفكري.
هل تقوم الجامعات العربية بدور إعلامي وثقافي لمواجهة محاولات تزييف الوعي؟
– دور الجامعات لا يقتصر على تقديم المعرفة العلمية فقط، بل يتعداها ليشمل تنظيم الندوات واللقاءات والنقاشات، حيث يتم استعراض القضايا المهمة التي تشغل الساحة، ويتم ذلك بمشاركة الأساتذة المتخصصين والطلاب، إذا كان الطلاب هم نصف المستقبل، فهم بالفعل كل الحاضر، ومن خلال توجيههم نحو الحقائق وتبصيرهم بالأمور المهمة وهم في مرحلة الشباب، يمكننا تأمين مستقبل أفضل.
واليوم، يعاني العالم العربي والإسلامي من زيادة في نسبة الإلحاد، وهذا يشكل تحديًا كبيرًا؛ لذا، يجب على الجامعات أن تضطلع بدور كبير في خدمة المجتمع وتعزيز الوعي والفهم والثقافة الدينية بين الشباب، بناءً على ذلك، يمكن للجامعات أن تؤدي دورًا مهمًا في تعزيز الوعي والثقافة وتوعية المجتمعات العربية، وبالتالي تقويتها ضد التيارات الفكرية المعادية.
هل تدرس كليات الإعلام مناهج دراسية توضح الثوابت الدينية والحضارية المستهدفة من قبل الخارج؟
– إضافة المواد الإسلامية إلى مناهج كليات الإعلام في الجامعات العربية خطوة مهمة يمكن أن تسهم في بناء جيل من الإعلاميين الذين يتسمون بالمصداقية والنزاهة والتزام الأخلاقيات الإسلامية في ممارسة مهنتهم.
من المهم بناء حصوننا والحفاظ على هويتنا
ويجب أن تكون هذه المواد مكملة للمناهج الإعلامية الأساسية، حيث يتعلم الطلاب كيفية تطبيق القيم الإسلامية في مجال الإعلام بشكل عملي وموضوعي، وكيفية تحقيق التوازن بين الالتزام بالمبادئ الإسلامية ومتطلبات المهنة الإعلامية.
لماذا يستهدف الغرب المرأة المسلمة بشكل خاص؟
– تعتبر هذه الحملات جزءًا من إستراتيجية الغزو الثقافي التي تهدف إلى تقليل دور المرأة المسلمة في المجتمع وتقييدها بالقيود والتحجيم، على الرغم من أن التاريخ الإسلامي العظيم يشهد على دور النساء المحجبات في بناء الحضارة الإسلامية، فإن العوامل الثقافية والاجتماعية الحالية تسعى إلى تقليل هذا الدور وتشويه صورة المرأة المسلمة.
وفي العصور الحديثة، وخاصة مع تقدم التكنولوجيا وانتشار وسائل الإعلام، تعرضت القيم الإسلامية والمرأة المسلمة إلى هجمات شرسة من قبل بعض الجهات التي تسعى إلى زعزعة الاستقرار والهوية الإسلامية، ومن هنا جاءت الحملات المستمرة التي تستهدف إزالة الحجاب وتشويه صورة المرأة المسلمة.
كيف نحافظ على هويتنا الدينية من هذا الغزو؟
– من المهم بناء حصوننا والحفاظ على هويتنا الإسلامية والعربية، تقوم حصوننا على الوعي، وهو العامل الأساسي الذي يساعدنا على التصدي للتحديات الثقافية والفكرية التي نواجهها.
ومن الضروري أن تعمل المؤسسات التعليمية والثقافية على بناء هذا الوعي بين شباب الأمة، وتوجيههم نحو فهم صحيح للدين والأخلاق الإسلامية، وتعزيز قيم العدل والتسامح والتعايش في المجتمع، ويجب أن نعمل على تعزيز الوعي بالأخطار التي قد تترتب على الانخراط غير المسؤول في وسائل التواصل الاجتماعي، وضرورة التمييز بين المحتوى الإيجابي والسلبي.
كيف أثرت مشاهد العدوان «الإسرائيلي» في غزة على شعوب العالم؟
– من وجهة نظري، فـ«طوفان الأقصى» فيه شبه كبير من «فتح مكة»، وفيه شبه كبير أيضًا بغزوة «الأحزاب»؛ ففيها كان هناك جوع وبرد وكثرة في عدد الأعداء حتى أرسل الله تعالى جنوده، وأهل غزة يعيشون هذه الحالة ويرسل الله سبحانه إليهم جنودًا لمواجهة هذا العدو.
«طوفان الأقصى» أشبه بـ«فتح مكة» القرن الـ21
أما الشبه بين «طوفان الأقصى» و«فتح مكة» الذي قال فيه القرآن: (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ {1} وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً) (النصر)، أن الغرب اليوم يدخل في دين الإسلام.
الشعوب هي التي تصدت ووقفت وغيرت وفرضت رأيها على الحكومات لما رأت الحقيقة، وهذا دورنا الذي يجب أن نقوم به، وعندنا من الوسائل أن نوصل لهذا العالم الغربي الذي فيه إنسانية هذه المعاناة التي يعيش فيها هذا الشعب لأكثر من 75 عامًا من الاحتلال.
من أين جاءت المقاومة بكل هذه القوة لمواجهة «إسرائيل»؟
– ما يميز المقاومة هو قوة الإيمان والعقيدة التي تغلغلت في نفوس مقاتليها، فالإيمان يمنحهم قوة لا تقهرها أي قوة مادية مهما عظمت، وقد نشأ هؤلاء المقاتلون على تربية دينية صحيحة مستقيمة، فغرست فيهم قيم الإسلام النبيلة، من إيمان بالله ورسوله، وقيم الجهاد في سبيل الله، والصبر على المكاره، والتضحية بالنفس في سبيل الحق.
يقول الرافعي في كتابه «وحي القلم»: «قوة المسلم أنه يقاتل بعقيدته، ويبذل أغلى ما عنده وهي نفسه ويراها قربة إلى الله سبحانه وتعالى»؛ لذا تسعى «إسرائيل» لهدم المساجد والجامعات؛ لأنها تعلم أن هذه المؤسسات هي التي تُخرج أجيالاً مؤمنة مجاهدة، لا تخشى الموت في سبيل الله.
هل هناك ثمار من الحرب الصهيونية على غزة؟
– مع كل أزمة تمر بها منطقتنا لا بد أن يكون في جانبها الآخر فوائد، منها كشف النقاب عن حقيقة هذا العدو وعدم جديته في التوصل إلى سلام حقيقي، وأن الشباب العربي لن ينسى ما تعرض له الشعب الفلسطيني من قمع وظلم، وسيبقى العدو «الإسرائيلي» محور عداء لهذا الجيل والأجيال القادمة، رغم كل محاولات التطبيع والتسويف التي يقوم بها بعض الأشخاص والحكومات.
ما تقييمكم لدور الإعلام الغربي في العدوان على غزة؟
– بالفعل، شهدت الأحداث الأخيرة انكشاف الوجه الحقيقي للإعلام الغربي، وتحيزه وتضليله، حيث أصبح واضحًا أنه يتبنى مواقف مزدوجة تجاه حقوق الإنسان والعدالة، فعلى سبيل المثال، قد تم تداول أخبار كاذبة حول قيام المقاومة الفلسطينية بقتل الأطفال والنساء خلال الحرب، وقد ثبت فيما بعد أن هذه الأخبار كانت مزيفة، وأن المسؤول عن تلك الجرائم هم «الإسرائيليون» أنفسهم.
وفي مواجهة هذا الانكشاف للإعلام الغربي، يجب أن يستعيد الإعلام العربي ثقته لدى الشباب، فمن المهم الآن أن تعمل دولنا العربية على استعادة الثقة في الإعلام العربي، وذلك من خلال تعزيز الشفافية والصدق والموضوعية في التغطيات الإعلامية، يجب أن يكون الإعلام العربي مرجعًا للحقيقة والموضوعية دون تأثيرات خارجية، يجب على الإعلام العربي أن يكون البديل الموثوق به للشباب العربي، الذي فقد الثقة في الإعلام الغربي.
هل يمتلك الإعلام العربي أدواته لتقديم رسالة إعلامية واضحة؟
– إذا استُغلت الفرص الحالية بشكل صحيح، يمكن للإعلام العربي أن يعيد الثقة للمشاهدين والقراء، ويجذب عقول المهاجرين إلى مصادر الإعلام التي تتسم بالموضوعية والصدق، وهذا يمثل فرصة لتحقيق تحول مهم في مشهد الإعلام العربي وتعزيز دوره في نقل الحقيقة وتوجيه الرأي العام.