خلال السنوات الأخيرة، اتسعت مظاهر استهداف المسلمين في الهند، وباتت مظاهر الكراهية ضدهم مظهراً معتاداً وسياسة متبعة نتجت عن خطاب سياسي متصاعد يقوده النظام السياسي في البلاد، من خلال إجراءات رسمية تستهدف المسلمين بشكل واضح.
وهذا الواقع المتأزم يعكس كيف تحول المسلمون من بناة حضارة خلال حكمهم الهند عقوداً طويلة، إلى أقلية غير مرغوب في وجودها، بحسب خطاب المتطرفين الهندوس، لكنه في الوقت نفسه يعكس كيف تقزمت الهند المعروفة بتعدديتها إلى بئر للكراهية في ظل حكم حزب الشعب الهندي وتغول المنظمات الهندوسية التي تتبنى خطاباً متطرفاً.
وإزاء هذا الواقع المتأزم، لم يكن بمقدور مجلة «المجتمع» أن تقف مكتوفة الأيدي، وانطلاقاً من اهتمامها بقضايا المسلمين حول العالم، فكان هذا الكتاب «المسلمون في الهند.. بين تضييق الواقع وتحديات المستقبل»، الذي يجلي الحقائق حول ما يحدث للمسلمين في الهند، وأسبابه والأجواء التي يتضاعف فيها هذا التضييق.
ويرصد هذا الإصدار الأبعاد التاريخية، ويفكك المشهد وأطرافه الفاعلة ومنطلقاتها في هذه السياسات التي تتبناها، كما يتطرق إلى المشهد الإسلامي في الهند ومكوناته وتموضعه في المجتمع ككل، ويكشف بكل حيادية أسباب تراجع المسلمين الهنود سواء الذاتية منها أو تلك التي بفعل أطراف أخرى، فهو يقدم للقارئ الصورة كاملة ليستفيد منها في فهم الواقع العام لمسلمي الهند.
صدر كتاب «المسلمون في الهند.. بين تضييق الواقع وتحديات المستقبل» في 219 صفحة، وهو نتاج جهد وتكامل بين 15 باحثاً جلهم من أبناء الهند، وبمشاركة وتحرير محمد سرحان، وقد حرص المشاركون على تقديم صورة كاملة لواقع المسلمين في الهند، في شكل أوراق.
لم يكن من المنطقي عرض الواقع دون البدء باستعراض الجانب التاريخي للإسلام في الهند لتبيان مدى رسوخه في هذه البلاد وأنه ليس عابراً، ومن هنا يتناول الباحث مبين أحمد الأعظمي، في الفصل الأول، مراحل وصول الإسلام إلى شبه القارة الهندية وأهم محطاته التاريخية، ويعرض للفتوحات التي قامت بها جيوش المسلمين، وكيف ساهم التجار المسلمون بنصيب كبير في تعريف أهل هذه البلاد بالإسلام، وكذلك دور العلماء الذين جاؤوا لتعليم الإسلام لأهل هذه البلاد.
وفي الفصل الثاني، يعرّف الباحث د. محمود عاصم بالمؤسسات والجمعيات والجماعات الإسلامية الدعوية في الهند وخلفياتها التاريخية ومساهماتها في خدمة المسلمين والهند عامة، إذ يستعرض أبرز المؤسسات مثل جمعية علماء الهند ومساهمتها في تحرير البلاد، والجماعة الإسلامية التي أنشأها أبو الأعلى المودودي، وأيضاً جماعة التبليغ، وجمعية أهل الحديث، وواقع هذه المؤسسات حالياً وما تحتاج إليه من تطوير ومواكبة.
أما الفصل الثالث، فيبحر فيه د. محمد نوشاد القاسمي في قضية التعليم لدى المسلمين الهنود ومراحله التاريخية وأسباب ضعفه، ولماذا أحجم المسلمون عن التعليم لفترات طويلة ما جعلهم في ذيل المكونات الهندية تعليمياً، كما يستعرض مناهج المدارس الإسلامية ومحاسنها ومساوئها، ويقدم مقترحات يأمل أن تسهم في تحسين واقع مسلمي الهند تعليمياً.
بينما في الفصل الرابع، يقدم الباحث محمد سعود الأعظمي تعريفاً بالمدارس الإسلامية التعليمية في الهند وتاريخها ومناهج وأفكار كل منها، مثل دار العلوم ديوبند، وجامعة عليجراه الإسلامية، ودار العلوم ندوة العلماء، ومدرسة الإصلاح، والجامعة السلفية، وجامعة الفلاح، وإشكالات هذه المدارس، مع تقديم مقترحات للنهوض بها.
وفيما يخص دور العلماء، يستعرض د. محمد عمر عابدين، في الفصل الخامس، جهود علماء الهند في خدمة السُّنة النبوية، وكيف نشأ علم الحديث في الهند ومروره بمراحل ضعف ثم تطور، وأشهر محدثي الهند ومصنفاتهم في شرح أمهات الكتب.
أما الفصل السادس، فيكشف فيه د. محمد أحمد الندوي جانباً من مؤامرات الاحتلال الإنجليزي لشبه القارة الهندية ضد المسلمين، وكيف أعاد الاحتلال كتابة تاريخ حكم المسلمين للهند بطريقة تكفل تشويههم، ليرسخ لدى الهندوس المتطرفين أن هؤلاء المسلمين دخلاء على الهند يجب التخلص منهم.
ولأن التطرف تقوده حركات وتنظيمات، فيأخذنا د. ظفر الإسلام خان في جولة، خلال سطور الفصل السابع، يقدم خلالها تشريحاً للواقع السياسي بالهند، وكيف تشرب بالكراهية ضد المسلمين مع صعود حزب «بهاراتيا جاناتا»، ويكشف أسرار دور الحركة القومية الهندوسية، وأهم المساجد التاريخية التي يسعى الهندوس لانتزاعها وتحويلها إلى معابد.
وفي الفصل الثامن، يقدم لنا الباحث برهان أحمد الصديقي شرحاً وافياً عن نظرية «هندوتفا» ومؤسسوها ومنظروها والمنظمات التي تتبناها وأفكارها ونظرتها لغير الهندوس.
والفصل التاسع، يكشف د. محسن عتيق خان كيف يتم ترجمة هذا الصعود في الكراهية إلى استهداف واضح للمسلمين من خلال تأطيرهم في قضايا الإرهاب، فإذا كانت القواعد القانونية تقضي بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، إلا في الهند؛ فالمسلم إرهابي حتى تثبت براءته ولو بقي في السجن سنين.
هذا النزوح نحو الكراهية بدت آثاره واضحة في تهميش المسلمين وانعكس على نسبة تمثيلهم وحصتهم في الجهاز البيروقراطي، وهو ما يستعرضها الباحث محمد أحمد الجعفري في الفصل العاشر، فالمسلمون الذين يمثلون نحو 14% من السكان، فإن نسبتهم في مختلف الوظائف الحكومية أقل من 5%.
وبلا شك، يمتد التهميش والاجتزاء إلى مجالات أخرى كثيرة؛ من بينها الإعلام والثقافة والفنون، وهو ما يوضحه بشكل جلي الباحث تفسير حسين في سطور الفصل الحادي عشر.
والحديث عن الهند لا يكتمل دون التعرض لقضية كشمير وهو ما يتناوله محمد سرحان في الفصل الثاني عشر، باستعراض أبرز محطاتها منذ أن عرفت الإسلام، ثم يقدم شرحاً جغرافياً لمناطقها ونفوذ السيطرة في كل منها.
أما فيما يخص الإعلام وموقعه من كل هذا الضجيج المشبع بالكراهية، وكيف يتناول الإعلام الهندي صورة المسلمين، هو ما يتناوله الكاتب الصحفي فايز الحق في الفصل الثالث عشر، ويقدم أمثلة من معالجات الإعلام الذي تحول لأداة سياسية.
ويستكمل الكتاب إبحاره، ليقدم الباحث أبو ظفر في الفصل الرابع عشر استعراضاً للقوانين التمييزية ضد المسلمين والطبقات المهمشة، وكيف يمكن استخدام القانون ضد فئة من أبناء الشعب.
ولم يغفل الكتاب قضية الحجاب التي برزت في الشارع الهندي، فجاء الفصل الخامس عشر ليوضح كيف أخذت سياسات منع الطالبات من دخول المدارس بالحجاب تنتقل كالعدوى انطلاقاً من ولاية كارناتاكا إلى غيرها، وهي تلك الولايات التي يتولى حكمها حزب الشعب الهندي بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي.
وفي الفصل السادس عشر والأخير، يحاول د. محمد ضياء الله أن يستشرف المستقبل من خلال مجموعة من المقترحات، من المهم أن يضعها المجتمع المسلم بالهند في الحسبان لتخطي كبوة الاضطهاد والتهميش التي يعيشونها في ظل السياسات الطائفية.