بعد «طوفان الأقصى» نحتاج إلى طوفان العطاء والسخاء، وبعد الانتصار نحتاج إلى الإعمار، نحتاج من يخلف أسر الشهداء بخير، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن جَهَّزَ غَازِياً في سَبيلِ اللَّهِ فقَدْ غَزَا، وَمَن خَلَفَ غَازِياً في سَبيلِ اللَّهِ بخَيْرٍ فقَدْ غَزَا»(1).
لقد كثر اليتامى، فإننا نحتاج التنافس في كفالة اليتيم، وقد قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم: «أنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا وقالَ بإصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ والوُسْطَى»(2).
وكثرت الأرامل، فأين من يحتسب أجر السعي على الأرملة؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أنا وكافِلُ اليتيمِ لهُ أوْ لغيرِهِ في الجنةِ، والسّاعِي على الأرْملَةِ والمسكينِ، كالمُجاهِدِ في سبيلِ اللهِ»(3)، وقال: «السَّاعِي علَى الأرْمَلَةِ والمِسْكِينِ، كالْمُجاهِدِ في سَبيلِ اللَّهِ، أوِ القائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهارَ»(4).
لقد عظم الحصار وزاد الجوعى وعم الجوع، والحاجة إلى الطعام تزداد يوماً بعد يوم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أطعِمُوا الطعامَ، وأفشُوا السلامَ، تُورَثُوا الجنانَ»(5)، وقال: «اعبُدوا الرحمنَ، وأفشوا السَّلامَ، وأطعِمُوا الطعامَ، تَدخلوا الجِنان»(6)، وقال: «اعبُدوا الرحمنَ، وأطعِمُوا الطعامَ، وأَفشوا السَّلامَ، تَدخُلوا الجنَّةَ بسَلام»(7).
ويستمر دعم المجاهدين بالنفس والمال والعدة والعتاد والسلاح؛ (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوب: 111)، قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الله ابتاعَ من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بالجنة، وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً؛ يقول: وعدهم الجنة جل ثناؤه، وعداً عليه حقاً أن يوفِّي لهم به، في كتبه المنـزلة: التوراة والإنجيل والقرآن، إذا هم وَفَوا بما عاهدوا الله، فقاتلوا في سبيله ونصرةِ دينه أعداءَه، فقَتَلوا وقُتِلوا(8).
والآن بعد أيام حاسمة حازمة من الجهد والجهاد والقتال والرباط يجب أن يكون الجهاد المالي سيد الموقف بكل ما تجود به أنفسنا وتسمح به ظروفنا وتتسع له طاقتنا؛ (انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (التوبة: 41)؛ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاهدوا، أيها المؤمنون، الكفارَ بأموالكم، فأنفقوها في مجاهدتهم على دين الله الذي شرعه لكم، حتى ينقادوا لكم فيدخلوا فيه طوعاً أو كرهاً، أو يعطوكم الجزية عن يدٍ صَغَاراً، إن كانوا أهل كتابٍ، أو تقتلوهم..»(9).
فجهّز مالك وخطط ميزانيتك، فالجمعيات الخيرية بمختلف مسمياتها قد أعدت مشاريع منوعة لإعمار غزة ولإنقاذ الإنسان في غزة، والروابط الإلكترونية أصبحت في متناول الجميع سهلة ميسورة فانظر ما يطمئن قلبك، واحتسبها جهاداً مالياً لإخوانك المسلمين في غزة وعموم فلسطين؛ (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ {133} الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران).
ألا فليحركنا إيماننا نحو إخواننا، ولتهزنا مشاعرنا وضميرنا وإنسانيتنا.
انظر ماذا دوّن هذا الإنسان: «أطفال هزيلون مفجرون، أجسادهم تتطاير ممزقة، عظامهم مكشوفة مهشمة، ملقون على الأرض غير المعقمة، لا مورفين ولا أدوية ولا شاش حتى، يصارع الأطباء الموت بلا جدوى، هي الفوضى الشاملة، عملت في 40 دولة في إطار نشاطي الإنساني وما رأيته بغزة الأبشع إطلاقاً، وأرجو ألا أرى مثيله مجدداً»(10).
والحمد لله على كل حال، ونعوذ بالله من حال أهل النار، والحمد لله رب العالمين، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
__________________
(1) صحيح البخاري.
(2) صحيح البخاري.
(3) صحيح الجامع
(4) صحيح البخاري.
(5) حديث حسن.
(6) حديث صحيح.
(7) صحيح لغيره.
(8) تفسير الطبري.
(9) تفسير الطبري.
(10) شهادة مرعبة من الجراح الكندي العائد من غزة د. ياسر خان.