في ظل المستحدثات العصرية التي غزت حياتنا، ومع غياب الوعي الديني، تحولت كثير من أداوت العصر من نعمة إلى نقمة، وتفجرت بسببها كثير من المشكلات الزوجية حتى وصلت الفضائح إلى نشر أسرار غرف النوم عبر وسائل الاتصال والتواصل، من هنا تأتي أهمية هذا التحقيق الذي تطرحه «المجتمع» حول المشكلات الزوجية المستحدثة وكيفية مواجهتها وعلاجها.
في البداية، توضح د. منال يوسف، الأستاذ بكلية التربية- جامعة دمياط، أننا أصبحنا نعيش في عالم تسيطر عليه تكنولوجيا الاتصال والتواصل، مما فتح أفاقاً جديدة في الحياة الاجتماعية عامة والحياة الزوجية على وجه الخصوص، وظهرت على السطح مشكلات لم تكن موجودة في الحياة الزوجية سابقاً، منها على سبيل المثال لا الحصر «فيسبوك» الذي أصبح لدى كثير من الأزواج والزوجات بديلاً لشريك الحياة، وخاصة إذا كانت العلاقة بينهما متوترة أو روتينية رتيبة، يسودها «الخرس الزوجي»، فيقوم كل منهما بخلق عالمه الافتراضي الخاص به لتفريغ ما لديه من شحنة عاطفية والفضفضة مع الأصدقاء والأقارب والزملاء.
وسائل التواصل وراء تفشي مرض «الخرس الزوجي»
وتشير إلى أن وسائل الاتصال والتواصل الحديثة قد تكون بوابة خلفية للخيانة الزوجية –ولو بالمشاعر والكلمات فقط- حيث يكثر فيها الخداع، كما أنها وسيلة للتواصل الآمن بالآخرين بعيداً عن أي رقابة من الطرف الآخر؛ لذلك يجب الحذر من التأثير السلبي لها على استقرار وأسرار الحياة الزوجية، حيث كثرت وسائل الخداع والكلام المعسول من الرجال الأجانب للنساء المتزوجات، وكذلك الإغراء والإثارة من النساء المتزوجات للرجال غير أزواجهن، وكثيراً ما يتم إرسال طلب صداقة من بعض المتزوجات لغير أزواجهن، وكذلك طلبات صداقة من الأزواج لنساء غير زوجاتهم، لتبدأ خيوط الخيانة بدرجات وأشكال مختلفة.
وتؤكد د. منال أهمية التنشئة الدينية من الصغر لأولادنا وبناتنا حتى يعرف كل منهم منذ صغره الحلال والحرام، وقديماً قالوا: «التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، والتعليم في الكبر كالكتابة على الماء»؛ مما يكون له دور في حسن اختيار كل منهما لشريك حياته مستقبلاً بدلاً من حالة العشوائية والانبهار والخداع الحالية في كثير من حالات الزواج مما يعرضها للمشكلات والخيانة بمختلف أشكالها.
إدمان الهاتف
ويشير د. جمال شفيق، أستاذ علم النفس رئيس قسم الدراسات النفسية بجامعة عين شمس، إلى أن الهاتف المحمول أو الجوال أصبح أقوى دخيل على حياتنا المعاصرة، لأنه يجعل العالم كله بين يديك، لدرجة أن كثيراً من الفئات العمرية –بمن فيهم الأزواج والزوجات- أصبحوا أسرى له، لدرجة أنه أصاب الأسرة بالاغتراب رغم أن أفرادها يعيشون في شقة واحدة، واكتوت العلاقات الزوجية بنار هذا الاغتراب الأسري مما أوقع الزوجين في مشكلات بالجملة قد تصل إلى الشك والريبة فيما يشاهده أو يقوله أو يكتبه الطرف الآخر، وبالتالي تحول الهاتف المحمول إلى معول هدم للدفء الأسري والعلاقات الزوجية.
إدمان الهاتف معول هدم أصاب الأسرة بالاغتراب
ويقترح شفيق أن يحرص الزوجان على دفء المشاعر والحوار بينهما بمنع استخدام المحمول في غير الرد السريع على المكالمات الضرورية فقط، فإن لم يستطيعا فإنه من الأفضل التقليل من استخدام المحمول قدر الإمكان، وأن يحاول كل منهما تقديم ما يسعد الآخر من الكلمات والأفعال والبعد عن الجدل العقيم أو افتعال المشكلات والتربص المتبادل وسوء الظن الذي يدمر أي محاولة للحوار الزوجي، وليؤمن الزوجان بمقولة: «إن لم تجد السعادة فحاول أن تصنعها، وتجنب ما يزعجك».
زواج مستحدث
وتحذر د. روضة حمزة، مدرسة إدارة مؤسسات الأسرة والطفولة بجامعة حلوان، من دخول أنواع جديدة ومستحدثة من العلاقات الزوجية، مثل: الزواج العرفي بدون ولي الأمر، والزواج والطلاق عبر الإنترنت، و«الزواج بالدم»؛ حيث يقوم الشاب والفتاة بخلط دمهما ببعض ويعتبران ذلك زواجاً! و«زواج الوشم»؛ حيث يقومان بالذهاب لأحد مراكز الوشم واختيار رسم معين على ذراعيهما ليكون بديلاً لعقد الزواج! و«زواج الطوابع»؛ حيث يتفق الطرفان على شراء طابع بريدي ويلصق على جبين كل منهما لدقائق! و«زواج فرند»، و«الزواج المؤقت أو المتعة»، و«الزواج بنية الطلاق»، و«زواج الكاسيت» الذي لا يحتاج إلى ورقة أو شهود، ويكتفي الطرفان بتسجيل صوتي لكلمات الزواج ويحتفظ كل منهما بنسخة منه!
ومن المشكلات الزوجية المستحدثة إدمان أحد الزوجين، خاصة الزوج، مشاهدة المواقع الإباحية والأفلام السينمائية الساخنة عبر الفضائيات، وكذلك خوض تجارب الحب المنفلت قبل الزواج، وغياب الضوابط الشرعية وقت الخطوبة، مما يكون له أثر سلبي على علاقتهما الزوجية بعد ذلك، وخاصة أن هذا الحب المنفلت في عصر الفتن والإنترنت، غالباً ما تقع فيه كثير من المخالفات الشرعية التي يكون لها أثر سلبي على علاقتهما الزوجية.
تصوير العلاقة الزوجية وسيلة للابتزاز بعد الانفصال
وتُنهي د. روضة كلامها محذرة من كارثة قيام أحد الزوجين بتصوير العلاقة الزوجية بينهما، واستخدامها وسيلة للابتزاز وقت الخلافات أو بعد الانفصال والطلاق، أو استخدام تطبيقات إلكترونية للتجسس على شريك حياته.
ضوابط شرعية
ويشير د. سيف رجل قزامل، العميد السابق لكلية الشريعة- جامعة الأزهر، إلى أهمية الوعي الديني في مواجهة المشكلات الأسرية المستحدثة بسبب ما لحق الحياة المعاصرة من تطور تكنولوجي، وتدهور أخلاقي، وفتن تطارد الأزواج والزوجات في كل مكان، ولهذا يجب على الزوجين التسلح بالتدين ومخافة ومراقبة الله تعالى، والصبر على شريك حياته، حتى وإن لم يكن بينهما الحب لأي سبب، وما أجمل قول الفاروق عمر بن الخطاب لزوج جاءه يستشيره في طلاق زوجته، فقال له عمر: لا تفعل، فقال الزوج: ولكني لا أحبها، فقال الفاروق: وَيْحك، وكم من البيوت يبنى على الحب؟! فأين الرعاية؟ وأين التذمم؟
ويختم د. قزامل كلامه مؤكداً أهمية حسن الاختيار قبل الزواج، والصبر على شريك الحياة، وأن يتقي كل من الزوجين ربه في الآخر، وليتأمل الجميع وصف الله للزواج بأنه «ميثاق غليظ»، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر».