نجحت المقاومة الفلسطينية في كشف وإذلال الاحتلال «الإسرائيلي»، في 7 أكتوبر 2023م، ليس فقط على المستوى العسكري، لكن كذلك عبر أشكال المقاومة الأخرى؛ من الخطاب والصورة، ودبلوماسية الأسرى، والمفاوضات، وغيره.
ويتفق خبراء سياسيون وأساتذة في تحليل الخطاب تحدثت معهم «المجتمع» على أن تنوع أساليب وأشكال المقاومة أحدث شرخاً كبيراً في جدار الاحتلال، لكن السؤال هنا: كيف نطور أدوات المقاومة السلمية في داخل وخارج فلسطين؟
أداة قتال
يقول أستاذ تحليل الخطاب بكلية الإعلام جامعة القاهرة د. أحمد صالح، لـ«المجتمع»: إن المقاومة نجحت منذ اليوم الأول لـ«طوفان الأقصى» بربط الجمهور بها وحازت على ثقته بخطابها الصادق والمميز، مشيراً إلى أن كل الاستطلاعات تؤكد ثقة الجمهور في بيانات «كتائب القسام» وفيديوهات ناطقها الإعلامي أبي عبيدة.
وأضاف: حتى الأخطاء التي وقعت فيها المقاومة سارعت في العدول عنها في إطار رسم الصورة البطولية عنها، لافتاً إلى تراجع المقاومة عن قرارها بإعدام الأسرى في بداية الحرب، ولا يدل ذلك إلا على وعي المقاومة وتفهمها للأثر السلبي الذي كان سيحدثه إعدام الأسرى.
ويشير صالح إلى أن المقاومة أكدت عدالة قضيتها بخطاب واع وصادق وواضح لدرجة أن الداخل الصهيوني نفسه بات يتابعها ليعرف حقيقة ما يحدث في المعركة.
من جانبه، يرى د. أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، في حديث مع «المجتمع»، أن الشعب الفلسطيني مسالم بطبعه ولم يذكر التاريخ أنه كان معتدياً أبداً، مضيفاً: بالعكس تعرض لأبشع أنواع الاحتلال ومارست العصابات الصهيونية العنصرية والفاشية ضده.
ويؤكد الرقب تأثير خطابات المقاومة حتى على الداخل الصهيوني، فضلاً عن دبلوماسية التعامل مع الأسرى الصهاينة وحسن معاملتهم، لافتاً إلى أن مشاهد تبادل الأسرى وتصريحاتهم بأنهم كانوا يعاملون بطريقة جيدة غيّر الكثير في الصورة الذهنية عن المقاومة خاصة لدى الجماهير الغربية التي صور إعلامها المقاومين همجاً ومصاصي دماء.
ويضيف: رغم موقف الحكومات الغربية المساند لـ«إسرائيل»، فإننا رأينا مسيرات ضخمة في هذه الدول تعلن تضامنها مع الشعب الفلسطيني وحقه في الحياة، لم يكن لهؤلاء الناس التعرف على القضية الفلسطينية لولا ممارسة المقاومة السلمية عن طريق فضح جرائم الجيش «الإسرائيلي».
تأثير إيجابي
وتشير د. دينا شحاتة، رئيسة وحدة الدراسات المصرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، إلى أن استطلاعات الرأي التي أُجريت خلال السنوات الأخيرة كشفت تحولات مهمة في الرأي العام الغربي، بما في ذلك الأمريكي، تجاه القضية الفلسطينية خاصة منذ أحداث حي الشيخ جراح في القدس عام 2021م، لافتة إلى تزايد التعاطف مع القضية الفلسطينية خاصة في أوساط الشباب والمهاجرين والقوى الليبرالية والتقدمية.
وأكدت أن استطلاعات الرأي رصدت بشكل واضح الفجوة المتزايدة بين مواقف الأجيال الأكبر والأجيال الأصغر تجاه القضية الفلسطينية.
وعن الأسباب التي أدت إلى تغير الاتجاهات في الرأي العام الغربي، تشير د. دينا إلى عدة أمور؛ أهمها الدور المتزايد لمنصات التواصل الاجتماعي، لافتة إلى أن معظم الشباب صغير السن بات يحصل على معلوماته من خلال هذه المنصات، خاصة «تيك توك»، مؤكدة أن هذه المنصات تسمح لهم بالوصول إلى المعلومات بشكل مباشر من خلال متابعة النشطاء الفلسطينيين على الأرض دون الحاجة إلى مصادر الأخبار التقليدية والتي ظهر انحيازها للجانب «الإسرائيلي».
ويلفت د. أحمد صالح إلى وجود عوامل أخرى أثرت على توجهات الرأي العام الغربي، منها تطور الخطاب العربي والفلسطيني، وقال: إنه مع تغير شكل الخطاب ومحتواه تعرف كثير من الشعوب الغرب على عدالة القضية الفلسطينية، مشيراً إلى أنه درس الدكتوراة في إحدى الجامعات الأمريكية، وفوجئ أن غالبية الطلاب لا يعرفون شيئاً عن القضية الفلسطينية، وقال: أحد هؤلاء الطلبة كان ناشطاً سياسياً مهتماً بحقوق الأقليات، وعندما حدثته عن فلسطين بدا أنه يسمع عنها للمرة الأولى، الآن هذا الشاب أحد الداعمين الكبار للقضية الفلسطينية وينظم مظاهرات ومسيرات لوقف الحرب على غزة.
أدوات مطلوبة
ورغم نجاح المقاومة السلمية في التعريف بالقضية الفلسطينية، وكسبها مساحات كبيرة في الغرب، يتفق د. أيمن الرقب، ود. أحمد صالح على أن الأزمة الحقيقية تكمن في اقتناع الكثير من العرب والفلسطينيين بأن التضامن مع فلسطين أمر مفروغ منه من دون شرح الأسباب.
ويؤكد الرقب أن القضية الفلسطينية إنسانية بالمقام الأول، فخطابنا الموجه للشعوب الغربية يجب أن يكون إنسانياً، ويتم ربطه بالقضايا التي يتحدث عنها الغرب دائماً كالحق في الحياة وحقوق الأطفال وحقوق النساء، مضيفاً: أعتقد سيكون لهذا تأثير كبير.
ويضيف أن الاحتلال بنى أسطورة وجوده على الأراضي الفلسطينية من خلال دعاية سوداء وأكاذيب، وبالتالي عندما يخرج من يفند هذه الأكاذيب ويكشف زيفها يسحب من رصيده لدى الشعوب الغربية ويقلل التعاطف معه ويحرج الحكومات الغربية.
ويشير الرقب إلى ضرورة أن يقاوم كل فلسطيني بالطريقة التي يراها مناسبة في مكانه، هناك العصيان المدني والإضرابات ومقاطعة المنتجات الصهيونية والشركات الداعمة لها، ومسيرات العودة، وفضح ممارسات الاحتلال «الإسرائيلي» الإجرامية عن طريق الإعلام والأفلام السينمائية ووسائل التواصل الاجتماعي.
وكذلك يذهب د. صالح إلى أن فعل المقاومة مرتبط بالمتاح؛ ففلسطيني الضفة الغربية لديهم أدوات يقاومون بها المحتل تختلف عن أدوات فلسطيني الداخل «الإسرائيلي»، وكذلك غزة، وأيضاً الفلسطينيين الموجودين في الخارج، مشيراً إلى أن كل شكل من أشكال المقاومة هو في النهاية يمثل حلقة في سلسلة النضال الفلسطيني ضد المحتل.
ويلفت الانتباه إلى ضرورة دراسة طبيعة الشعوب الغربية والتعرف أكثر على ما يؤثر فيها لإقناعهم بعدالة قضيتنا، فليس من المنطقي أن نرى آلاف الأوروبيين يتظاهرون ضد أكل اللحوم لأنه ناتج ذبح حيوانات، ولا ينشغلون بذبح الأطفال والنساء في غزة.