تتنافس الأمم والشعوب على القدرة على التوحد والتكتل لتتبوأ مكانة متميزة في عالم مليء بالأخطار والتحديات، وأبرز مثال في زمننا المعاصر الاتحاد الأوروبي، ومن نتائج هذا الاتحاد جواز «Eurail»؛ وهو جواز سفر بالقطار للسفر إلى 28 دولة أوروبية.
ألا يحق للدول الإسلامية أن تفكر بمنافسة الاتحاد الأوروبي وغيره من الاتحادات والتكتلات حول العالم لتبني مشروع وحدة يحقق لها أسباب القوة والتمكين، خصوصاً أن لديها الكثير من مقومات الاتحاد والوحدة؛ فدينها واحد، ورسولها واحد، وكتابها واحد، وقبلتها واحدة؟!
إن تلك اللحظة التي تتحقق فيها الوحدة بين الدول الإسلامية تتعاظم فيها نتائج النجاح، وتتلاشى فيها معالم الفشل والخسارة؛ فالاتحاد قوة.
والوحدة الإسلامية واجب أمر الله تعالى به، وجعله وصفاً لازماً لهذه الأمة بقوله تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ) (آل عمران: 103)، وقوله عز وجل: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) (الأنبياء: 92).
والسُّنة النبوية أكدت ذلك قولاً وعملاً، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلمون تتكافأُ دماؤهم ويسعى بذمَّتِهم أدناهُم»، وحقق صلى الله عليه وسلم هذه الوحدة فعلاً بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في المدينة.
إن هذه النصوص من الآيات والأحاديث، وغيرها، تقتضي أن يسعى المسلمون للاجتماع والتكامل، وأن ينبذوا الأحقاد التاريخية والرايات العنصرية، وحينما قاموا بذلك في تاريخنا الإسلامي؛ تحققت القوة لدولة الإسلام، وقادت العالم 500 سنة منفردة، وشاركت غيرها من الدول في قيادة العالم 500 سنة أخرى؛ نعم إنها 1000 سنة من القيادة والريادة لدولة الإسلام.
إِسْلامُنَا دَاليَاتُ الحُبِّ دانِيةٌ في ظِلِّهَا لأَسِيرِ الحَرْبِ إِكْرَامُ
لَوْحَاتُ أمْجادِنَا يَزْهُو الوُجُودُ بهَا قَدْ طَرَّزَتْه بَنَانُ الدَّهْرِ رَسَّامُ
هذا الواجب الشرعي المضيع له أثر عظيم على أحوال المسلمين؛ في تقدمهم وتأخرهم؛ لأن الأمة تتقدم وتقوى بمقدار التزامها بهذه الفريضة (الوحدة) الضرورية في هذا الزمان، خاصة العمل على توحيد الأمة الإسلامية فكرياً وتشريعياً وسياسياً.
حينها ستتبدل أحوال القضايا المصيرية للأمة، وعلى رأسها قضية القدس والمسجد الأقصى؛ سنرى قوة الجناب، وعزة الموقف.
سيعود المسلمون إلى التركيز على تحقيق المصالح الكبرى، وسيتعالون على العنصريات والطبقيات وغيرها من سفاسف الأمور التي تفرّق ولا تجمّع.
ما أعظمها من رؤية تلك التي تتوحد فيها الدول الإسلامية! ويستطيع الزائر لها أن يقطع تذكرة واحدة، يجول فيها بين دول الإسلام من جاكرتا إلى نواكشوط، يمتّع ناظرَيْه بثقافات عديدة ولغات متنوعة، لكن يربطهم دين واحد، ويتجهون إلى قِبلة واحدة.
ليس صعباً على المسلمين تحقيق هذه الرؤية، والعودة بمجد الإسلام التليد إلى الصدارة بين الأمم، لكن الجهود المطلوبة لذلك كبيرة، والتحديات والصعوبات عظيمة.
ومفتاح النجاح هو الالتزام بهذا الدين العظيم، الذي تتحقق به تلك الرؤية، فكلما عاد المسلمون إلى دينهم توفرت لهم أسباب الوحدة والعزة والتمكين، وكلما ابتعدوا عنه تسلطت عليهم أنواع الشرور والآفات، كما قرر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا تبايعتم بالعِينةِ وأخذتم أذنابَ البقرِ ورضيتم بالزرعِ وتركتم الجهادَ؛ سلط اللهُ عليكم ذُلاً لا ينزعه شيءٌ حتى ترجعوا إلى دينِكم».
كما قال الشاعر:
إِنَّ دِينَ اللهِ حَقٌّ وَبِهِ تَنْجُو السَّفِينُ
وَبِهِ تَحْيَا نُفُوسٌ وَبِهِ تُجْلَى دُجُونُ
وَبِهِ سِيسَتْ بِلاَدٌ وَبِهِ رِيضَتْ حُصُونُ
وَبِهِ تَرْجِعُ أَرْضٌ بَعْدَمَا كَادَتْ تَهُونُ
من حق المسلمين أن يحلموا بوحدة إسلامية يسير فيها الراكب بين بلدان المسلمين بتذكرة واحدة، وأحلام اليوم حقائق الغد.
اللهم اجمع كلمة المسلمين، ووحِّد بين قلوبهم، وردّهم إلى دينك رداً جميلاً.. آمين!