تعبر الحالة الثقافية السائدة في العالم بوجه عام، وبلداننا الإسلامية بوجه خاص، عن تسطيح للوعي العام يهدف إلى توجيه فئة الشباب خصوصاً إلى اهتمامات غير حضارية يغلب عليها النمط الاستهلاكي، في انعكاس لحالة الضعف والتأثر والتقليد الأعمى للثقافات الأخرى، دون الحفاظ على الهوية الأصلية والقيم الإسلامية، وهو ما يؤدي إلى فقدان الشخصية والانتماء والتميز للشباب المسلم.
والشباب هم أمل الأمة وسر نهضتها، وهم العنصر الحيوي والفاعل في بناء المجتمعات والحضارات، وهم المنوط بهم حمل رسالة الإسلام ونشرها في العالم، لكن الشباب المسلم في عصرنا الحاضر يواجهون تحديات ومشكلات كثيرة، من أبرزها حالة «التهييف الثقافي!» التي يفقد فيها كثير منهم هويته وانتماءه، ويتأثرون بالثقافات الأجنبية والمنحرفة، التي تتلخص في الانسياق وراء الشهوات والشبهات، وإضاعة الطاقات والأوقات فيما لا ينفعهم ولا يفيد أمتهم، في تحقيق عملي للتعبير النبوي «غثاء كغثاء السيل».
هذه الحالة هي معكوس مجتمع الريادة النبوي، الذي تصدره شباب الصحابة، ووصل ببعضهم التصدر إلى مستوى القيادة العسكرية في سن 18 عاماً، الذي يعتبره التصنيف الغربي آخر سن «الطفولة»، كما جرى مع الصحابي أسامة بن زيد، الذي ولَّاه النبي صلى الله عليه وسلم، في صفر 11هـ، جيش المسلمين تمهيداً لفتح الشام والعراق.
وتعود أسباب حالة «التهييف» تلك إلى حالة «استعمار فكري» يهدف بالأساس إلى تغيير هوية الشباب المسلم وتشويه صورة الإسلام في نفوسهم، وإضعاف روحهم وإرادتهم، وإبعادهم عن مصادرهم ومرجعياتهم، وإلهائهم بالمظاهر السطحية والمادية، وإغرائهم بالحريات الوهمية والمنافية للشريعة الإسلامية، حسبما أوردت دراسة نشرها أستاذ العلوم الشرعية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، عبدالله بن عبدالرحمن السعيد، عام 2019م.
ويشير السعيد إلى أن هذا النوع من الاستعمار يتم من خلال وسائل الإعلام والترفيه والتعليم والفن والأدب والسياسة والاقتصاد، وهي المجالات التي تنشر الأفكار والقيم والمعايير الغربية وتحاول تقديمها على أنها الأفضل والأحدث والأكثر تقدماً، على التوازي مع تشويه الأفكار والقيم والمعايير الإسلامية، وتقديمها على أنها الأسوأ والأقدم والأكثر تخلفاً.
وتربط دراسة أخرى، نشرها الأستاذ بجامعة الملك سعود، حمد اللحيدان، عام 2012م، بين «التسطيح الثقافي» والجهل والابتعاد عن مصادر العلم والمعرفة، والتقاعس عن الاطلاع والتحصيل والتعلم والتعليم، والتساهل في نقل ونشر العلم والثقافة.
وبحسب اللحيدان، فإن العالم العربي يعيش أزمة ثقافية وفكرية حقيقية تتضح ملامحها أكثر ما يمكن بين أوساط الشباب والشابات، وذلك على الرغم من أن العالم اليوم يعيش عصر الانفجار المعلوماتي، وعزا هذا الجهل إلى الإهمال والتقصير في تربية الشباب على حب المعرفة والوصول إليها، بما يجعلهم مهتمين بمعالي الغايات بدلاً من توافه الأمور، فالإعلام يهتم بالقشور والمظاهر على حساب الجوهر، كما أن أسلوب التعليم المتبع جعل الدراسة الجامعية محدودة الفائدة.
وإزاء ذلك، فإن تنمية الشباب علمياً وثقافياً ومهارياً السبيل لاستعادة دورهم القيادي في حياة الأمة، وهو الدور الذي ساهم في نشر الإسلام منذ بداية الرسالة المحمدية، ما عبر عنه الرسول الكريم بقوله: «نصرني الشباب وخذلني الشيوخ».
غير أن انتشار حالة «تهييف الثقافة» وتسطيح الوعي جعلت واقع القيادة في عالمنا الإسلامي معكوساً، إذ يقود الشيوخ أغلب إدارات الشأن العام، وهو ما توصي دراسة نشرها د. محمد عبدالله عويس عام 2018م بمعالجته عبر تشجيع الشباب على الاستفادة من العلوم والتكنولوجيا الحديثة، والمشاركة في الابتكار والإبداع والبحث العلمي، والتعرف على تراثهم وتاريخهم الإسلامي، والاقتداء بالنماذج والقدوات الإسلامية في مختلف المجالات، والسعي للرقي والتميز في كل ما يفيد الأمة والحضارة الإسلامية.
فيما توصي دراسة نشرها الباحث محمود عبدالعزيز عام 2019م، بضرورة معالجة حالة تسطيح الوعي من زاوية التأهيل المهني أيضاً، عبر توفير فرص العمل المناسبة والمشوقة للشباب في إطار برامج تأهيل مبتكرة.
فكثير من شباب العالم الإسلامي يعانون من فقر الفرص الوظيفية والبطالة؛ ما يؤدي إلى تشتت انتباههم وانخراطهم في أنشطة غير مرغوب فيها، وفق المعادلة التي ذكرها الحديث النبوي: «نعمتان مغبون فيهما ابن آدم: الصحة والفراغ».
وتدعو الدراسة إلى إطلاق مشروع لتوفير التدريب المهني والتعليم المهاري الذي يؤهل الشباب للعمل في القطاعات الرئيسة التي تسهم في تحقيق نهضة الأمة الإسلامية من جانب وينتشل اهتمامات الشباب من براثن الخواء من جانب آخر.