داخل وزارة الخارجية الصهيونية يوجد وحدتان لبث الدعاية الكاذبة وترويجها في الميديا العالمية، هما «القسم الرقمي» و«مكتب الإعلام العربي»، بخلاف اللجان الإلكترونية الصهيونية التي تديرها عدة جهات استخبارية صهيونية.
وسق لموقع «ميديا لاين»، في 30 نوفمبر 2023م، وصحيفة «جيروزاليم بوست»، في 2 ديسمبر 2023م، أن ألقيا الضوء على جانب من هذه اللجان الإلكترونية تحت عنوانين «محاربو (مزورو) لوحة المفاتيح» الصهاينة، و«الدبلوماسية الرقمية الإسرائيلية».
عقب هجوم «حماس» على «إسرائيل» في «طوفان الأقصى»، استنفرت «إسرائيل» أقسام الدعاية هذه في بث سلسلة أكاذيب هي أهوال قامت بها «حماس»، لتبرير الإبادة الجارية حالياً في غزة، وركزت على أكذوبتين؛ هما عنف جنسي واغتصاب وقتل وتقطيع أطفال، والمقصود به بالطبع ما فعلته «حماس»، في 7 أكتوبر.
تم تسريب هذه الأكاذيب لصحف أمريكية وأوروبية توسعت في نشرها دون أن يكون هناك دليل واحد أو شهادة واحدة لـ«إسرائيلية» مغتصبة أو جثة طفل «إسرائيلي»!
كانت مفارقة أن تتورط صحف الغرب في نشر هذه المزاعم وهي التي تدعي المهنية والحيادية وعدم نشر أي تقارير إلا بموجب أدلة وبراهين، ما يظهر ازدواجية المعايير الغربية، وأن نشر هذه الأكاذيب له أهداف سياسية هو شيطنة «حماس» وتبرير إبادة وقتل الأطفال والنساء والشيوخ في غزة وتجويعهم، ولا علاقة له بالحقيقة.
برغم أن صحف أمريكية فضحت هذه الأكاذيب، على رأسها الموقع الاستقصائي «إنترسيبـت»، وألغت صحف مثل «نيويورك تايمز» تقارير كاذبة بهذا الشأن بعد افتضاح أمرهم، بل نفت صحف «إسرائيلية» وجود أي حالة اغتصاب أو عنف جنسي ضد الأسيرات الصهيونيات، واعتذار الرئاسة الأمريكية عن تريديها هذه الأكاذيب بعد كشف حقيقتها، لا يزال يجري استعمال نفس الأكاذيب.
مَن ورط الأمم المتحدة؟
أخيراً، وبعدما ظهرت الحقائق، وأن هذه مجرد أكاذيب لشيطنة المقاومة وتشويهها، كان مستغرباً أن تتورط براميلا باتين، الممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع، وتصدر تقريراً، في 4 مارس 2024م، يعتمد على كل هذه الأكاذيب التي بلا دليل، وبالطبع تلقف الاحتلال تقريرها ليقول: إنه وثيقة دولية تؤكد هذه الأكاذيب!
زعمت في تقريرها وجود حوادث اغتصاب وعنف جنسي من جانب مقاتلي «حماس» ضد «إسرائيليات» أثناء هجوم «طوفان الأقصى»! ما يؤكد تلاعب مكاتب الدعاية الصهيونية و«الميديا» الغربية بالأمم المتحدة لحد دفعها لإصدار تقرير يدين المقاومة.
الأكثر غرابة أن هذا البيان الأممي المبني على أكاذيب «إسرائيلية» وغربية، تم الترويج له، بينما بالمقابل جرى تجاهل تقرير مقرري الأمم المتحدة حول وجود أدلة قاطعة على حدوث انتهاكات مروعة تعرضت لها نساء وفتيات فلسطينيات من قبل قوات الاحتلال الصهيوني.
لهذا تعرضت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في مناطق النزاع، براميلا باتن، لانتقادات الصحفيين بسبب تقريرها بعد أن تبين أنه تقرير دون ضحايا أو أدلة! خاصة أنها اعترفت أنها استقت معلوماته من 33 اجتماعاً مع المؤسسات «الإسرائيلية» ومسؤولين بالوزارات وقوات الأمن الصهيونية، وجولات في القواعد العسكرية، كما كتبت تقول: رغم جهودنا لم نلتقِ مع أحد تعرض لاعتداء جنسي في 7 أكتوبر! ومع هذا قالت في تقرير: إن هناك حالات عنف جنسي! وقالت: إنها جمعت معلومات عن عنف جنسي واغتصاب جماعي، حدث في مهرجان نوفا للرقص والموسيقى «الإسرائيلي»، والطريق 232 ورعيم بئيري لكنها لا تملك أي معلومات عمن ارتكب العنف الجنسي، وهو أمر يحدث بين الصهاينة وبعضهم بعض في هذه المهرجانات، لكن جرى تلفيق التهمة لمقاتلي «حماس» ضد الدعاية الصهيونية لشيطنة جنود الحركة.
والطريف أن أحد الصحفيين أحرج مسؤولة الأم المتحدة التي زعمت أن هناك اغتصاباً حدث في مؤتمرها الصحفي، وقال لها: إذا لم يكن هذا تحقيقاً، فكيف يختلف تقريرك عن مقالة «نيويورك تايمز»؟ وهو تقرير كاذب للصحيفة تم فضح فبركتها له.
وأحرجها صحفي آخر بسؤالها عن سبب عدم لقائها أسرى «إسرائيليين» مفرج عنهم كانوا قد لاقوا معاملة جيدة من المقاومة، وأكدوا ذلك ونفوا أي عنف تجاههم، فاكتفت بالقول: أعتقد أن ما قاله الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلات كان مقنعاً للغاية، وهو ما يؤكد أنها وقعت بدورها ضحية آلة الدعاية الصهيونية والغربية وأنها كررت ما يقال من أكاذيب وتقارير ملفقة سُلمت لها دون أن تقوم بأي تحقيق حقيقي لتشارك بذلك، عمداً أو جهلاً، في ترويج هذه الأكاذيب.
«حماس»: أين الدليل؟
وقد أدانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التقرير الصادر عن المسؤولة الأممية براميلا باتن حول الادعاء والمزاعم بارتكاب مقاتلي المقاومة الفلسطينية لحوادث اغتصاب وعنف جنسي خلال «طوفان الأقصى»، في 7 أكتوبر.
وقالت الحركة: إن تقرير باتن جاء بعد محاولات صهيونية فاشلة لإثبات تلك التهمة الباطلة، التي تأكد أنها لا أساس من الصحة، سوى شيطنة المقاومة الفلسطينية، والتغطية على تقرير مقرري الأمم المتحدة حول وجود أدلة قاطعة على جرائم تعرضت لها نساء وفتيات فلسطينيات من قبل قوات الاحتلال الصهيوني
وقالت: إن تقريرها لم يوثق أي شهادة لما تسميه ضحايا تلك الحالات، وإنما اعتمدت في تقريرها على مؤسسات «إسرائيلية» وجنود وشهود تمَ اختيارهم من قبل سلطات الاحتلال، للدفع باتجاه محاولة إثبات هذه التهمة الباطلة، التي دحضتها كل التحقيقات والتقارير الدولية.
وشددت «حماس» على أن مزاعم باتن تتناقض بشكل واضح مع ما ظهر من شهادات لنساء «إسرائيليات» عن معاملة المقاومين الحسنة لهن، وكذلك شهادات الأسيرات «الإسرائيليات» المفرَج عنهن، وما أكدْنه من معاملة حسنة تلقينها أثناء مدة أسرهن في غزة.
تركيع الأمم المتحدة
يبدو أن تقرير المقررة الأممية حول مزاعم وقوع عنف جنسي من جانب مقاتلي «حماس» له علاقة بحملة «إسرائيل» ضد الأمم المتحدة تتوسع، بدأت بانتقاد إدانة المنظمة الدولية لجرائم الاحتلال، وانتهت بالضغط على الأمم المتحدة لفبركة هذا التقرير.
وهذه الحملة الصهيونية تعتمد على الدعاية أكثر من الأدلة، لهذا انزعجت «إسرائيل» حين دحض الأمين العام للأمم المتحدة هذا التقرير الذي أصدرته مقررة لجنة العنف الجنسي، لعدم مصداقيته، وهاجمه وزير الخارجية كاتس «الإسرائيلي»، الذي ألقي بثقله وراء تقرير الاغتصاب للترويج له.
فضح الأكاذيب
وقد فضح موقع «إنترسيبت» الأمريكي، في تحقيق مطول، في 28 فبراير 2024م، كيف تمت فبركة مسألة اغتصاب «إسرائيليات»، فيما ما نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» في هذا الصدد.
وأوضح الموقع أن «نيويورك تايمز» كلفت المخرجة «الإسرائيلية» والمسؤولة السابقة في المخابرات الجوية أنات شوارتز بالعمل مع ابن أخيها آدم سيلا، والمراسل المخضرم في صحيفة «التايمز» جيفري جيتلمان على تحقيق حول مزاعم العنف الجنسي، الذي ارتكبته «حماس» ولكن ثبت أنه كلها أكاذيب!
موقع «إنترسيبت» الأمريكي عاد لينشر تقريراً آخر يتضمن نفياً «إسرائيلياً» لوقوع أي من حالات العنف الجنسي من مقاتلي «حماس» ضد «إسرائيليات»، ونقلت نفي المتحدثة باسم مستوطنة كيبوتس بئيري القريب من غزة ما زعمته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، في 28 ديسمبر 2023م، بعنوان «صرخات بلا كلمات».
ونفى الموقع زعم الصحيفة تعرض اثنتين من الضحايا لأي اعتداء جنسي، لم يحدث أي اعتداء!
خلاصة تقرير «إنترسيبت» كانت أن نشرت صحف أمريكية أكذوبة فزاعة اغتصاب «حماس» لـ«إسرائيليات»، التي جعلت الدنيا كلها تقوم ضد غزة، إلى جانب قصة حرق وتقطيع 40 رضيعاً «إسرائيلياً» المفبركة، ليست سوى أكاذيب ولا يوجد أي دليل، ولو واحد يؤكدها، فلا محاضر في أقسام الشرطة عن حالات اغتصاب أو حرق أطفال، ولا بلاغات لخطوط الاغتصاب، ولا تقرير مستشفيات، ولا تحليل طب شرعي، ولا شهادة ضحية نفسها!
«إنترسيبت» أكد أن كل ما نشرته صحف أمريكا كله بلا استثناء شهادات جنود من «إسرائيل» أو مؤيدين لها وهي ركيكة ومفبركة وبلا دليل، وربما الهدف تشويه صورة المقاومة بشكل خاصة، والعرب بشكل عام وتصويريهم كأنهم مغتصبون.
فبركوا تقريراً حول الاغتصاب ثم لغوه!
وفي تقرير ثالث نشره موقع «إنترسبت» الاستقصائي الأمريكية، في 28 يناير 2024م، انتقد صحيفـــة «نيويورك تايمـز» لفبركة أشهر صحافييها جيفري جيتلمان الحائز على جائزة «بوليتزر»، قصة صحفية (بوداكست) يدعي فيه أن «حماس» استخدمت العنف الجنسي بشكل منهجي كسلاح في الحرب واغتصبت «إسرائيليات» خلال هجمات 7 أكتوبر.
وكشف «إنترسبت» أن الصحيفة الأمريكية الشهيرة (نيويورك تايمز) التي تظاهر أمامها أمريكيون من أجل انتقادها لتحيزها في التغطية الإعلامية ضد الفلسطينيين ودعمها الإبادة الصهيونية في غزة، اضطرت لإلغاء النشر وانتشرت خناقات بين صحافييها عبر برنامج التخاطب الداخلي وشتائم لبعضهم بعضاً بسبب هذه الفبركة التي كانت ستعد فضيحة كبرى للصحيفة.
وقال: إن حلقـــة «بودكاســـت» الخاص بـ«نيويورك تايمز» التي كانت ستنشر وألغيت كانت تتناول مزاعم العنف الجنســـي الـــذي ارتكبته حركة «حمـــاس»، في 7 أكتوبر، لكن انتشر جدال داخلي غاضب حول الفبركة انتهي لعدم نشرها.
وأضاف: إنه لا دليل واحداً عليها ولم تتقدم «إسرائيلية» واحدة للشهادة وفضحهم أيضاً تقرير لموقع «نيو زون» الاستقصائي نافياً حدوث هذه الأكاذيب، وأنها مجرد كذبة ضمن أكاذيب أخرى مثل مزاعم حرق وقتل «حماس» أطفال «إسرائيليين».
«إنترسبت» أكد أن «نيويورك تايمز» أصدرت قرار إلغاء نشر القصة بعد تخوفات داخلية من ارتكاب «كارثة صحفية» في ظل وجود تناقضات جوهرية في الرواية المقدمة بالمقال.
وفي 28 ديسمبر 2023م، نشرت «نيويورك تايمز» تقريراً طويلاً عن ادعاءات باعتماد المقاومة الفلسطينية على العنف الجنسي وتوظيفه منهجياً سلاحاً في مواجهة المدنيين في هجوم السابع من أكتوبر.
وقد أثار التقرير جلبة داخل أروقة «نيويورك تايمز» نفسها وبين العاملين فيها؛ إذ انتقدوا التساهل في تطبيق المعايير التحريرية على تقرير يتناول موضوعاً بالغ الحساسية، بحسب ما صرحت مصادر من الصحيفة لموقع «ذا إنترسبت».
وتواجه صحيفة «نيويورك تايمز» انتقادات بسبب ممارسة اختلال فادح في تغطية الحرب بالاعتماد على المصادر المؤيدة لـ«إسرائيل» وتظاهر أمامها أمريكيون غضباً من تغطيتها المنحازة للاحتلال.
فمنذ السابع من أكتوبر أبدت الصحيفة اعتمادها على مصادر الجيش «الإسرائيلي»، بينما قللت من حجم الموت والدمار في فلسطين.
وقد وجد تحليل أجرته «إنترسبت» أنه في الأسابيع الستة الأولى من الحرب قامت صحيفة «نيويورك تايمز»، إلى جانب العديد من الصحف الرئيسة الأخرى، بنزع الشرعية باستمرار عن مقتل الفلسطينيين ومارست اختلالًا فادحًا في التغطية بالاعتماد على المصادر والأصوات المؤيدة لـ«إسرائيل».