جرت العادة عند المسلمين استقبال الشهر الفضيل بتزيين منازلهم بفوانيس رمضان والأهلَّة المضاءة، إضافة إلى تعليق الحبال المضاءة على النوافذ والشُّرُفات ومداخل البيوت احتفاءً بشهر الخير، شهر القرآن.
هذا الشهر الذي له خصوصية روحانية لدى المسلمين، حيث تعجُّ المساجد بالرُّكَّع السجود، لا سيما في صلاة التراويح، وتصفو النفوس، وتبتهل وتتوجه إلى الله بالدعاء والذكر وتلاوة القرآن لتزيل ما علق بها من غفلة وجفاء في سائر الشهور الأخرى.
كما يتميز هذا الشهر بالإحسان والتكافل الاجتماعي وكثرة الأعمال الخيرية، وتقديم وجبات الإفطار للفقراء والمحتاجين.
فهو شهر خير وبركه ورحمة وصفاء وتكافل وصقل للنفوس.
غير أن هذا الشهر يختلف عن سائر شهور رمضان فيما مضى من أعوام، فنحن على موعد لاستقبال شهر فضيل وسط معارك ضارية تدور رحاها في غزة العزة بين ثُلة من المقاومين مقابل قوى الشر التي تكالبت عليهم من كل حدَب وصوب، من يهود نازيين وقوى صليبية حاقدة، إضافة إلى مؤازرة ومناصرة أنظمة منافقة.
وما زالت هذه الفئة المؤمنة تقاتل بضراوة وصمود وتحدٍّ، وتضحي بالغالي والنفيس في سبيل الدفاع عن عزها وشرفها ودينها.
تدافع عن مسرى نبيها محمد صلى الله عليه وسلم، رافضةً كل أنواع الخنوع والذل والاستسلام.
وبرغم الدمار الشامل الذي لحق بأهلنا في غزة، وبالرغم من الحصار الجائر المطبق عليهم، وبالرغم من فارق القوة والعتاد، وبالرغم من التضحيات التي زادت على 100 ألف شهيد وجريح، فلم تلِن للمقاومين عزيمة، أو تفتر لهم همة، بل ما زالوا يجاهدون بشموخ كشموخ الجبال الراسيات، ومرَّغوا أنف العدو في تراب غزة، حيث قتلوا وجرحوا الآلاف من الضباط وجنود النخبة لدى الكيان الصهيوني، ودمروا عدداً هائلاً من آلياته.
ومازالت المقاومة تسطِّر أسمى وأروع أنواع البطولة، رغم دخول القتال شهره السادس، الذي سوف يتخلله شهر رمضان الكريم، شهر الفتوحات، شهر معركة بدر، وفتح مكة، والقادسية، والزلَّاقة، وعين جالوت، وحطين، وحرب رمضان عام 1973م.
واستكمالاً لتلك الانتصارات والفتوحات العظيمة في شهر رمضان، تدخل معركة «طوفان الأقصى» لتكون حلقة ضمن حلقات البطولات المجيدة عبر تاريخ أمتنا العظيمة.
ولكي نسطِّر هذا المجد، ينبغي لكل فرد من أمتنا الإسلامية أن يجعل من هذا الشهر شهرَ تكاتف ومؤازرة ونصرة لأهلنا في غزة بكل الطرق الممكنة والوسائل المتاحة، كلُّ وفق ساحته وطاقته، فمثلاً: على أهلنا في الضفة الغربية والقدس والداخل المحتل تكثيف شد الرحال والرباط الدائم في المسجد الأقصى المبارك.
وعلى علماء الأمة والأئمة والخطباء في كل أقطار العالم الإسلامي إذكاء روح الجهاد، وتحشيد الأمة للدفاع عن قبلة المسلمين الأولى، ودعوة الناس لنصرة أهل غزة بالمال والدعاء والمسيرات التضامنية في كل الميادين والساحات، وأمام سفارات الدول المتعاونة مع اليهود، والمطالبة بقطع العلاقة مع الكيان الصهيوني.
ولتستمر المقاطعة الاقتصادية لكافة أنواع السلع والمنتجات للشركات والدول الداعمة والمساندة للكيان الصهيوني.
ولنطفئ الفوانيس في بيوتنا تضامناً مع أهلنا في غزة، الذين يعيشون في ظلام دامس، ولنمتنع عن شرائها هذا العام، ونتبرع بأثمانها لدعم المجاهدين وسائر أهلنا في غزة.
ولنجُدْ في هذا الشهر بنصيب وافر من أموالنا لأهلنا في غزة تأسِّياً برسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كان أجودَ ما يكون في شهر رمضان، وكان جوده يشمل المال وإطعام الطعام والدعوة والنصيحة وكل ما ينفع الخلق.
ولنجعل من دعائنا ونحن صائمون النصيب الأوفر لأهلنا في غزة، لا سيما عند أوقات الإجابة، عند الإفطار وأثناء القيام والتراويح والثلث الأخير من الليل.
في الختام، إن الفرحة الحقيقية الكبرى لرمضان عندما نرى أهلنا في فلسطين وقد أضاؤوا مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم بفوانيس النصر، وقد تحرر من دنَس اليهود.
يوم نرى فوانيس غزة تضاء من شُرُفات منازلهم، وقد أعيد بناؤها في ظل حكم إسلامي رشيد.
يوم تصدح المآذن بتواشيح رمضان وابتهالاته الدينية في ظل عيش كريم وآمن لكل طفل غزي وسائر أطفال فلسطين، حينها يكون لفوانيس رمضان وأهِلَّته قيمتها ورونقها ومكانتها في نفوس المسلمين.
ويقولون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريباً.