قضاء حوائج الناس، وجبر خواطرهم، والإحسان إليهم من أعظم ما يتقرب به العبد إلى ربه سبحانه في كل وقت، فكيف إذا كان هذا العمل الجليل في شهر رمضان المبارك الذي تتضاعف فيه الحسنات، ويعظم فيه الأجر والثواب، وجبرُ خاطر أحدهم هو التهوين من مصيبته، وإعانته على محنته، والإحسان إليه بالقول والفعل؛ لكيلا ينكسر قلبه، ويستاء، فقد صح عن النبي ﷺ قوله: «من نَفَّسَ عن مسلمٍ كُربةً مِن كُربِ الدُّنيا نفَّسَ اللَّهُ عنهُ كربةً مِن كُرَبِ يومِ القيامةِ، ومن يسَّرَ على مُعسرٍ في الدُّنيا يسَّرَ اللَّهُ عليهِ في الدُّنيا والآخرةِ، ومن سَترَ على مُسلمٍ في الدُّنيا سترَ اللَّهُ علَيهِ في الدُّنيا والآخرةِ، واللَّهُ في عونِ العَبدِ، ما كانَ العَبدُ في عونِ أخيهِ».
كما روى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله ﷺ قال: «أَحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناسِ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ، تَكشِفُ عنه كُربةً، أو تقضِي عنه دَيْنًا، أو تَطرُدُ عنه جوعًا، ولأَنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ؛ أَحَبُّ إليَّ من أن اعتكِفَ في هذا المسجدِ يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا، ومن كظم غيظَه ولو شاء أن يُمضِيَه أمضاه؛ ملأ اللهُ قلبَه يومَ القيامةِ رِضًا، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى يَقضِيَها له؛ ثبَّتَ اللهُ قدمَيه يومَ تزولُ الأقدامُ».
وقد وردت الكثير من مواضع جبر الخواطر في سور القرآن الكريم، وخصوصاً تلك المتعلقة بخطاب الله تعالى للأنبياء والمرسلين عليهم السلام، حين واساهم الله تعالى، وخاطبهم بما يصبرهم، ويهون عليهم مصابهم، وذلك حين بشر الله تعالى رسول الله ﷺ بأنه سيعود إلى مكة مرة ثانية بعد أن أخرجه قومه منها، قال تعالى مخاطباً نبيه الكريم: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ (الضحى: 5)، وجبر الله تعالى لخاطر يوسف الصديق عليه السلام حين ألقاه إخوته في الجب، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ (يوسف: 15)، وكذلك جبر خاطر أم موسى عليه السلام حين ألقت بفلذة كبدها في اليم، قال الله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ (القصص: 7).
جبر الخواطر عبادة كغيرها من العبادات، بل إنها من أعظم العبادات، وهي خلقٌ إسلامي رفيع يغفل عنه كثير من الناس، وقد نقل عن الإمام سفيان الثوري قوله: «ما رأيت عبادةً يتقربُ بِها العبد إلى ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم»؛ ولذلك كان حقاً على العبد المسلم الذي يضاعف عبادته، ويستكثر من الطاعات في شهر رمضان، وأن يغتنم أيام الشهر الكريم، فيعمل على جبر خواطر الناس، لا سيما أن من مقاصد الصيام تذكر حال الفقراء والمساكين، وذلك بمعايشة الحرمان والجوع الذي يقاسونه.
ولجبر الخواطر وجوه أخرى يمكن أن يمارسها، ويقوم بها المسلم في هذا الشهر الفضيل، كزيارة المرضى، وحضور الجنائز، ومواساة أهل المصائب بالكلام الطيب، والسير في حوائج الناس وخدمتهم.