تنعم الأسرة المسلمة في رمضان بلقاء جميل على مائدة السحور في أجواء روحانية استعداداً للصوم، وعادة ما يكون ذلك اللقاء في الثلث الأخير من الليل، وهو ما يمنح تلك الأكلة بركات وفضائل عدة، أولها: أنها عبادة لله، وثانياً: اقتداء بسُنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ويحمل الحديث المتفق عليه، الذي رواه أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «تسحّروا؛ فإن في السحور بركة»، إشارة إلى فضل تلك الوجبة، التي يقوم إليها المسلم من نومه اقتداء بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
بركة السحور
وكثيراً ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على هذه العبادة مراراً، فعن عبدالله بن الحارث أن أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: دخلت على رسول الله وهو يتسحر، فقال: «إنها بركة أعطاكم الله إياها؛ فلا تدعوه» (رواه النسائي).
وجاء عن سلمان الفارسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «البركة في ثلاثة: في الجماعة، والثريد، والسَّحور» (رواه الطبراني).
وحديث العرباض بن سارية، حيث قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السحور في رمضان، فقال: «هلمّ إلى الغداء المبارك» (رواه أبو داود والنسائي).
وأفضل ما يتسحر به المؤمن هو التمر، فقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم المتسحرين بالتمر فقال: «نِعْمَ سحور المؤمن التمر» (رواه أبو داود).
وفضلاً عن الأجر الحاصل من امتثال هذه السُّنة، فإن للتمر قيمة غذائيّة عالية، وهو غني بالألياف التي تمد الجسم بالطاقة اللازمة خلال فترة الصيام.
منافع أخرى
ومن فوائد السحور، بعد كونه عبادة لله، واقتداء بسُنة النبي، أنه مخالفة لأهل الكتاب من اليهود والنصارى، ففي الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث عمرو بن العاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «فَصْلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السَّحَر».
فالحديث يدلّ على أنهم لم يكونوا يأكلون تعبداً في مثل هذه الأوقات.
ومن الفوائد كذلك، اغتنام قدر من الليل يتنزل فيه الله سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا فيقول: «هل من سائل يعطى؟ هل من داع يستجاب له؟ هل من مستغفر يغفر له؟ حتى يطلع الفجر» (صحيح مسلم).
وكذلك تتبدى في وصية النبي صلى الله عليه وسلم بتأخير السحور، كما في حديث زيد بن ثابت قال: «تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ، قلت: كَمْ كَانَ بَيْنَ الأَذَانِ وَالسَّحُورِ؟ قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً» (رواه البخاري)، وحديث سهل بن سعد قال: «كُنْتُ أَتَسَحَّرُ فِي أَهْلِي، ثُمَّ يَكُونُ سُرْعَةٌ بِي أَنْ أُدْرِكَ صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» (رواه البخاري).
وهذا يعني أن الفارق بين انتهاء السحور والفجر دقائق قليلة، وهذا التأخير يعطي الصائم قوة على الصيام من جانب، وفرصة لإدراك صلاة الفجر من جانب آخر.