من الحالات النادرة التي يقع فيها البعض في أيام رمضان أنه إذا تسحر ثم صلى الصبح ينام حتى صلاة الظهر ثم يصلي وينام إلى صلاة العصر ثم يصلي وينام إلى وقت الفطر، ويتساءل البعض: هل صيام هؤلاء صحيح؟
ونقول للإجابة عن هذا التساؤل: نعم، صيامه صحيح، وقد أجمع العلماء على أن الصائم إذا استيقظ في النهار -ولو لحظة واحدة- أن صيامه صحيح، فإن لم يستيقظ واستغرق جميع النهار بالنوم: فجماهير العلماء على أن صومه صحيح؛ لأن النوم لا ينافي الصيام، فإنه لا يزيل الإحساس بالكلية، بل متى نُبِه انتبه(1).
وقد سئلت اللجنة الدائمة عن ذلك فأجابت: «إذا كان الأمر كما ذُكِر فالصيام صحيح، ولكن استمرار الصائم غالب النهار نائماً تفريط منه، لا سيما وشهر رمضان زمن شريف، ينبغي أن يستفيد منه المسلم فيما ينفعه من كثرة قراءة القرآن، وطلب الرزق، وتعلم العلم»(2).
وقال الشيخ ابن باز: «لا حرج في النوم نهاراً وليلاً، إذا لم يترتب عليه إضاعة شيء من الواجبات ولا ارتكاب شيء من المحرمات، والمشروع للمسلم -سواء كان صائماً أو غيره- عدم السهر بالليل، والمبادرة إلى النوم بعدما ييسر الله له من قيام الليل، ثم القيام إلى السحور إن كان في رمضان؛ لأن السحور سُنَّة مؤكدة، كما يجب على الصائم وغيره المحافظة على جميع الصلوات الخمس في الجماعة، والحذر من التشاغل عنها بنوم أو غيره، كما يجب على الصائم وغيره أداء جميع الأعمال التي يجب أداؤها في أوقاتها، وعدم التشاغل عنها بنوم أو غيره، وهكذا يجب عليه السعي في طلب الرزق الحلال الذي يحتاج إليه هو ومن يعول، وعدم التشاغل عن ذلك بنوم، أو غيره»(3).
الإغماء أثناء الصيام
ويسأل البعض عن رجل أصيب بإغماء وهو صائم، فهل يبطل صومه؟
من أصيب بإغماء في رمضان لا يخلو من حالين:
الأولى: أن يستوعب الإغماء جميع النهار، بمعنى أنه يغمى عليه قبل الفجر، ولا يفيق إلا بعد غروب الشمس، فهذا لا يصح صومه، وعليه قضاء هذا اليوم بعد رمضان.
الثانية: أن يفيق جزءاً من النهار -ولو لحظة- فهذا يصح صيامه، سواء أفاق من أول النهار، أو آخره، أو وسطه.
قال الإمام النووي وهو يذكر اختلاف العلماء في هذه المسألة: «وأصح الأقوال: يشترط الإفاقة في جزء منه»(4)، أي: يشترط لصحة صوم المغمى عليه أن يفيق جزءاً من النهار.
وخلاصة هذه المسألة: أن من أغمي عليه جميع النهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس لم يصح صومه، وعليه القضاء، وإذا أفاق في أي جزء من النهار صح صومه، وهذا هو مذهب الشافعي وأحمد.
وممن اختاره ابن عثيمين فقال: «على القول الراجح: أن زوال العقل بالإغماء من مرض أو غير مرض يُسقِط وجوب الصلاة، فلا يلزمه القضاء بالنسبة للصلاة، وأما الصيام: فيجب عليه قضاء الأيام التي لم يصمها في حال إغمائه، والفرق بين الصلاة والصيام أن الصلاة تتكرر، فإذا لم يقض ما فاته فسوف يصلي في اليوم التالي، وأما الصوم فإنه لا يتكرر؛ ولهذا كانت الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة»(5).
_____________________
(1) موقع «الإسلام سؤال وجواب»، بتصرف.
(2) المجموع (6/ 346)، والمغني (4/ 244).
(3) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية (212/ 10).
(4) مجموع فتاوى ابن باز (14/ 156).
(5) المجموع (6/ 346) والمغني (4/ 344).