«كان خلقه القرآن»، هكذا لخصت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها خُلق الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان تلخيصها مركز الصياغة ومكثف العناصر، قدمت خلاله وصفاً دقيقاً لخلق رسولنا صلى الله عليه وسلم في عدد قليل من الكلمات، تلخص لنا الطريق الصحيح لتخريج جيل قرآني ينهض بالأمة من كبوتها، ويرفع رايتها في كل بقاع الدنيا.
علماء الدين والتربية تحدثوا إلى «المجتمع»، مؤكدين أن الأمل ما زال قائماً في تخريج جيل قرآني يقود الأمة نحو مستقبل أكثر إشراقًا، مطالبين بابتكار وسائل جديدة لربط الأبناء والشباب بكتاب الله، وتنظيم مسابقات عالمية، لهذا الغرض.
يقول د. إبراهيم عبدالسلام، أستاذ علم النفس التعليمي في كلية التربية جامعة الأزهر: إن الجيل القرآني هو هذا الجيل الذي يضع القرآن وأحكامه نصب أعينه، كلما هَمَّ على فعل أي أمر سأل نفسه هل هو يتوافق مع ما جاء في كتاب الله أم يخالفه؟ فإن كان متوافقاً أكمل فيه، وإن كان مخالفاً توقف فوراً واستعاذ بالله منه.
وضع قدر من القرآن الكريم كمقرر تعليمي على طلاب المدارس
وأشار د. عبدالسلام إلى أن الرسول الكريم ربى أصحابه على هذا النهج القرآني، فملؤوا الدنيا بحسن صنيعهم وفازوا بالآخرة؛ لأنهم التزموا قولاً وفعلاً بالقاعدة القرآنية الكريمة التي تقول: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) (الأحزاب: 36)، لافتاً إلى أن القرآن لم ينزل مرة واحدة، وإنما هناك أسباب لنزول كل آية، ولذلك نجد في كتاب الله آيات كثيرة تتحدث عن أدب التعامل مع الناس، فيقول تعالى على لسان لقمان الحكيم: (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (لقمان: 18).
وكذلك يتحدث عن دور الفرد في المجتمع ودوره في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيقول تعالى: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور) (لقمان: 17)، وهكذا الكثير في الكتاب الكريم الذي يؤكد أن القرآن كان اللبنة الأولى لتكوين الجيل الأول من المسلمين وتربيتهم وانتقالهم من الجاهلية إلى الإسلام.
سلوك عملي
من جانبها، ترى الداعية فاطمة موسى، الواعظة بالأوقاف ومدرّسة القرآن بالأزهر الشريف، أن معظم الأولاد يحفظون قدراً كافياً من القرآن، لكن ما نحتاجه أن يكون سلوكهم العام نابعاً من التعاليم الدينية والقرآنية.
يجب توظيف وسائل ومواقع التواصل في تحفيظ كتاب الله
وتضيف أنه من خلال عملها لسنوات في مجال تحفيظ وتعليم القرآن، لاحظت أن هناك أطفالاً وشباباً يتخلقون بالفعل بخلق القرآن، لكن هذا العدد للأسف لا يمثل أغلبية ساحقة يمكننا من وصفهم بالجيل القرآني، مشددة على ضرورة تهيئة الظروف المحيطة بأولادنا لمساعدتهم على حفظ القرآن وتدبر آياته، وأن يكون حفظ القرآن مقررًا على كل الطلاب في المدارس بدرجات مختلفة، وأن يكون الآباء والأمهات عندهم الأولوية الأولى هي حفظ وتعليم القرآن وعلومه.
ويتفق معها د. عبدالسلام في أن المسؤولية تقع بشكل أكبر على الأسرة، حيث يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) (التحريم: 6)، فهذا دليل واضح بأن الأسرة عليها أن تربي أطفالها على تعاليم الدين بما جاء في كتاب الله تعالى.
تحديات قائمة
لكن هذا لا يعني وجود كثير من التحديات أمام تخريج هذا الجيل، إذ يرى د. عبدالسلام أن أنظمة التعليم الأجنبية التي باتت منتشرة في المدارس والجامعات في الدول العربية والإسلامية لا تلتفت إلى مادة الدين بشكل عام ولا بالقرآن ولا بالحديث، وتتعامل معها على أنها مجرد مادة شكلية، بالإضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي تبث موادّ لا تتفق مع الدين، وتنشر قصصاً تشجع على الرذيلة، وهذه المواد تكون متاحة للجميع دون تحديد سن معينة؛ وبالتالي تمثل خطورة كبيرة على الأجيال القادمة.
من الضروري ابتكار أساليب عصرية لحفظ وتعلم علوم القرآن
وتحذر الداعية موسى من وجود مشتتات كثيرة للأطفال بخلاف الماضي، أخطرها وسائل التواصل الاجتماعي حيث أصبح معظم الأطفال يمسكون بهواتف تسمح لهم بالدخول إلى عوالم مختلفة، ويقضون عليها فترات طويلة ما يلهيهم عن تحصيل العلم النافع، مطالبة بضرورة تقنين استخدام الهواتف للأطفال والشباب في سن التعليم وسن التلقي.
وأشارت إلى ضرورة استغلال مواقع التواصل الاجتماعي في تشجيع الأطفال والشباب على حفظ القرآن، لافتة إلى انتشار بعض الفيديوهات التي تحث وتشجع على ذلك بطرق تتماشى مع العصر وفكر الشباب والأولاد، وهذا أمر له أثر كبير جدًا، وأضافت: في الفترة السابقة ظهر «ترند» كبير جداً عن آية في سورة «غافر»: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) (غافر: 26)، هذا «الترند» جعل الأطفال والشباب ومنهم أطفال وشباب منقطعون تماماً عن حفظ القرآن حفظوا هذه الآية بسبب هذا «الترند»، وهذا بيبين لنا مقدار تأثير وسائل التواصل في خلق جيل قرآني.
وتلفت موسى إلى تحد آخر قد يبعد الأطفال والشباب عن القرآن، وهو أن بعض معلمي القرآن يعتقدون أن الشدة والغلظة تساعدهم خلال عملية التعليم والتلقين، وهو اعتقاد خاطئ؛ إذ تنفر الشدة والفظاظة الأولاد من التعليم، والأساس في تعليم القرآن هو تشكيل فكر وأشخاص أسوياء وليس مجرد حفظ فقط، كما أن هذه الطريقة يمكن أن تأتي بنتائج عكسية؛ فيحدث أن يكره الطفل درس القرآن ولا يذهب إليه أو يذهب وهو كاره له، لذلك المفروض إيجاد أساليب عصرية للحفظ والتعلم، وتنظيم مسابقات عالمية، وأن يتسم معلمو القرآن بليونة وسهولة النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الأولاد.