بين الحين والحين نجد من يدَّعي أنه رأى هلال رمضان وحده، وهذا أمر قد يحدث هنا أو هناك من بلاد المسلمين.
من رأى هلال رمضان وحده، أو رأى هلال شوال وحده، وأخبر جهات الاختصاص فلم يأخذوا بشهادته، فهل له أن يصوم وحده أم يصوم مع عموم المسلمين؟
ذهب العلماء في هذه المسألة إلى ثلاثة أقوال:
الأول: أنه يعمل برؤية نفسه في الموضعين، فيصوم في أول الشهر، ويفطر في آخره منفرداً، وهو مذهب الإمام الشافعي، غير أنه يفعل ذلك سراً؛ حتى لا يعلن مخالفة الناس، وحتى لا يؤدي ذلك إلى إساءة الظن به، حيث يراه الناس مفطراً، وهم صائمون.
الثاني: أنه يعمل برؤية نفسه في أول الشهر؛ فيصوم منفرداً، أما في آخر الشهر، فلا يعمل برؤية نفسه، وإنما يفطر مع الناس، وهذا مذهب جمهور العلماء، منهم أبو حنيفة، ومالك، وأحمد.
وقد اختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين، حيث قال: وهذا من باب الاحتياط، فنكون قد احتطنا في الصوم والفطر، ففي الصوم قلنا له: صم، وفي الفطر قلنا له: لا تفطر، بل صم(1).
الثالث: أنه لا يعمل برؤية نفسه في الموضعين، فيصوم ويفطر مع عموم المسلمين، وإليه ذهب الإمام أحمد في رواية، واختاره ابن تيمية، واستدل له بأدلة كثيرة، فقال: والثالث: يصوم مع الناس، ويفطر مع الناس، وهذا أظهر الأقوال؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون» (رواه الترمذي (697)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3869)).
واستدل أيضاً بأنه لو رأى هلال ذي الحجة منفرداً، فلم يقل أحد من العلماء أنه يقف في عرفة وحده، وذكر أن أصل المسألة هو: أن الله سبحانه وتعالى علق الحكم بالهلال والشهر، فقال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) (البقرة: 189)، والهلال: اسم لما يستهل به، أي يعلن به ويجهر به، فإذا طلع في السماء، ولم يعرفه الناس ويستهلوا لم يكن هلالاً(2).
وكذا الشهر مأخوذ من الشهرة، فإن لم يشتهر بين الناس؛ لم يكن الشهر قد دخل، وإنما يغلط كثير من الناس في مثل هذه المسألة؛ لظنهم أنه إذا طلع في السماء كان تلك الليلة أول الشهر، سواء ظهر ذلك للناس واستهلوا به أو لا، وليس كذلك، بل ظهوره للناس واستهلالهم به لا بد منه؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون»؛ أي هذا اليوم الذي تعلمون أنه وقت الصوم، والفطر، والأضحى، فإذا لم تعلموه لم يترتب عليه حكم، وهذا القول أفتى به الشيخ عبد العزيز بن باز(3).
__________________
(1) الشرح الممتع (6/ 330).
(2) انظر: مجموع الفتاوی (25/ 115).
(3) مجموع فتاوى ابن باز (15/ 72).