مع كل حلول لرمضان يتجدد عهد الأسرة المسلمة مع الطاعات والعبادات، وقيم الرحمة والمغفرة في الشهر الكريم، والارتباط بكتاب الله تعالى عبر قراءته والتعمق في التدبر والتفكر في آياته، ويتزايد الحرص على حفظه وتلاوته وتعليمه وتعلمه، كما يتجلى دور الأسرة المسلمة في تربية أبنائها على حب القرآن وتعظيم الشهر الكريم، وإعدادهم ليكونوا جيلًا قرآنيًا منشودًا، يحمل رسالة الإسلام وينشرها بالقول والعمل.
وتربية الأبناء على تعظيم رمضان مسؤولية عظيمة تقع على عاتق الوالدين بالمقام الأول، فهما المحضن الأول والمدرسة الأولى التي يتربى فيها الأطفال على المبادئ والقيم الإسلامية، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم: 6).
وعن سالم بن عبدالله عن عبدالله بن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كلكم راع ومسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته» (رواه البخاري ومسلم).
وصلاح الأبناء يعود بالسعادة على الوالدين في الدنيا والآخرة، فعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له» (رواه مسلم).
أداء العبادات
ومن أهم الأسباب التي تساعد على تحقيق صلاح الأبناء تدريبهم على أداء العبادات مبكرًا، ومنها قراءة القرآن، وتعويدهم على الطاعات والفرائض في طفولتهم، كالصلاة والصيام، حتى إذا بلغوا سن التمييز واظبوا عليها بسهولة ويسر، وأصبحت جزءًا من كيانهم، بحسب د. عبدالعزيز آدم، استشاري العلوم النفسية، عضو الاتحاد العالمي للصحة النفسية بالقاهرة.
ومن أجل القيام بذلك، يتعين على الوالدين مواجهة مظاهر الانحلال الأخلاقي المسموع والمرئي التي يتعرض لها الأبناء من قبل وسائل الإعلام ما يفرض حالة من السكينة والهدوء في المنزل، من شأنها أن تفرض تعظيماً لحرمة الشهر الفضيل.
وقد جاء عن المربي الأعظم صلى الله عليه وسلم توجيه الصحابة والصحابيات إلى تدريب الصغار على عبادة الصيام، وإعداد الأمهات للعب يلهونهم به إذا بكوا جوعًا، فعن الربيع بنت معوذ قالت: كنا نصوم ونصوم صبياننا الصغار منهم، ونذهب إلى المسجد، فنجعل لهم اللعبة من العهن (أي الصوف)، فإذا بكى أحدهم من الطعام أعطيناه إياه، حتى يكون عند الإفطار. (رواه البخاري).
ومن أهم الفوائد التي تترتب على تربية الأبناء على تعظيم رمضان: تنمية الإيمان والتقوى في قلوبهم، وترسيخ العقيدة الصحيحة في نفوسهم، وتحصينهم من الشبهات والملل والأهواء، وتطوير شخصياتهم وسلوكهم وأخلاقهم، وتعليمهم الصبر والتوكل والرضا والشكر والخشوع والخضوع والإخلاص والمحبة والرحمة والتعاون والتكافل.
ولتحقيق هذه الفوائد، تشير استشارية العلاقات النفسية والأسرية والاجتماعية بالقاهرة شيماء إسماعيل إلى أهمية حديث الوالدين مع الأبناء عن فضل رمضان وعظمته وتعليمهم أحكام الصيام، وإدخال السرور والبهجة بالاستمتاع بلمة الأسرة والتجمعات العائلية على الإفطار والسحور لإظهار الفرح والسرور بشهر القرآن، مع خلق جو من التشجيع والتنافس بينهم على الطاعات ومكافأتهم على ذلك كي تتعلق قلوبهم بتعظيم شهر الصيام.
صندوق تعاوني
وتنصح استشارية العلاقات الأسرية باستغلال رمضان في تعويد الأبناء على عمل «صندوق تعاوني» لجمع صدقات من الموجودين بكل تجمع، وإعطاء المهمة للأبناء بتذكير الحضور بفضل الصدقة وأهميتها خصوصاً في شهر رمضان.
فإلى جانب ثواب هذا النشاط وعظم أجره، فهو يساعد الأبناء على زيادة ثقتهم بأنفسهم، وتطوير مهاراتهم الحوارية والتقديمية، كما يزرع في نفوسهم تعظيم رمضان واستغلال أوقاته الثمينة، باعتباره موسم «المدرسة التربوية»، التي لا مجال فيها لفراغ أو كسل أو هدر للطاقات، بل سعي في حوائج الناس، وإلزام النفس بما يشغلها عن الباطل.
إن تعظيم رمضان في نفوس أبنائنا وثيق الصلة بتعظيم «شعائر الله»، التي وصفها الله عز وجل بأنها (مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج: 32)، وهي المعالم الظاهرة من الدين التي جعل الله بعضها مكانياً؛ مثل الحج، وبعضها زمانياً؛ مثل شهر رمضان، الذي شرّفه الله تعالى بنزول القرآن وفرض الصيام فيه.
وأساس تعظيم شعائر الله في رمضان هو الارتباط الوثيق بين الأبناء وكتاب ربهم، فهو مفتاح كل قيمة نبيلة في نفوسهم، والهادي إلى سواء السبيل؛ (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (الإسراء: 9).
ولا يكون تعظيم الشعائر بالإقبال على الطاعات والاستزادة منها فقط، بل لا يتم إلا بتجنب ما حرم الله تعالى، وبأن يرى الأبناء أن ارتكاب المعصية في أيام رمضان الفاضلة أشد قبحاً وأعظم جرماً منه في غيرها، وهو معنى التقوى الذي هو مقصد الصيام كما ذكره القرآن الكريم.