قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (النحل: 43)، عندما نتحدث في الأمور الطبية، فأهل الذكر هنا هم الأطباء المسلمون الذين يدلون بآرائهم بناء على خبرتهم في المجال الطبي، وعندما تواصل علماء الفقه مع المتخصصين في المجال الطبي؛ ليعرفوا أن هذا الغسيل يشتمل على نوع من الغذاء أم لا؟ كانت الإجابة كالتالي:
صفة غسيل الكلى
الواقع أن غسيل الكلى عبارة عن إخراج دم المريض إلى آلة (كلية صناعية) تتولى تنقيته ثم إعادته إلى الجسم بعد ذلك، وأنه يتم إضافة بعض المواد الكيماوية والغذائية كالسكريات والأملاح وغيرها إلى الدم.
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء والوقوف على حقيقة الغسيل الكلوي بواسطة أهل الخبرة، أفتت اللجنة بأن الغسيل المذكور للكلى يفسد الصيام.
وسئل الشيخ ابن عثيمين: بالنسبة لمن يقوم بعمل غسيل كلى أينقض وضوءه خروج الدم منه أثناء الغسيل؟ وكيف يصوم ويصلي أثناء الغسيل إذا وافق وقت الصلاة؟
فأجاب: «أما نقض الوضوء فإنه لا ينقض الوضوء، وذلك لأن القول الراجح من أقوال العلماء أن الخارج من البدن لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من السبيلين، فما خرج من السبيلين فهو ناقض للوضوء، سواء كان بولاً، أم غائطاً أم ريحاً، كل ما خرج من السبيلين فإنه ناقض للوضوء، وأما ما خرج من غير السبيلين كالرعاف يخرج من الأنف، والدم يخرج من الجرح وما أشبه ذلك فإنه لا ينقض الوضوء لا قليله ولا كثيره؛ وعلى هذا فغسيل الكلى لا ينقض الوضوء.
أما بالنسبة للصلاة، فإنه يمكن أن يجمع الرجل المصاب بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، وينسق مع الطبيب المباشر في الوقت بحيث يكون الغسيل لا يستوعب أكثر من نصف النهار لئلا تفوته صلاة الظهر والعصر في وقتيهما.
وأما بالنسبة للصيام فأنا في تردد من ذلك، أحياناً أقول: إنه ليس كالحجامة، الحجامة يستخرج منها (أي يستخرج بها الدم) ولا يعود إلى البدن، وهذا مفسد للصوم كما جاء في الحديث، والغسيل يخرج الدم وينظف ويعاد إلى البدن؛ لكن أخشى أن يكون في هذا الغسيل مواد مغذية تغني عن الأكل والشرب، فإن كان الأمر كذلك فإنها تفطر، وحينئذ إذا كان الإنسان مبتلى بذلك أبد الدهر يكون ممن مرض مرضاً لا يرجى برؤه فيطعم عن كل يوم مسكيناً، وأما إذا كان في وقت دون آخر فيفطر في وقت الغسيل ويقضيه بعد ذلك، وأما إن كان هذا الخلط الذي يخلط مع الدم عند الغسيل لا يغذي البدن، ولكن يصفي الدم وينقيه فهذا لا يفطر الصائم، وحينئذ له أن يستعمله ولو كان صائماً ويرجع في هذا الأمر إلى الأطباء»(1).
وبناء على ما تقدم، فإن المريض الذي يحتاج إلى الغسيل الكلوي يُفطر في الأيام التي يُجري فيها الغسيل، ثم إن تمكن من القضاء فإنه يلزمه القضاء، وإن كان لا يتمكن من القضاء فهو بمنزلة كبير السن الذي لا يستطيع الصيام، فيفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً.
أسأل العظيم رب العرش الكريم أن يشفي مرضى المسلمين شفاء لا يغادر سقماً، آمين.
____________________
(1) «مجموع فتاوى ابن عثيمين» (20/ 113)، بتصرف.