التعاضد المفقود خلال رمضان في تركستان الشرقية، فنحن ننظر إلى شهر رمضان المبارك كموسم الرجوع إلى أنفسنا لنراجع لعلاقاتنا مع الله تعالى بالطاعات وترويض النفس على معاودة العبادات والاجتناب من المعاصي، وحتى لنجبر ما فرّطناه من متطلباته ولنقيم مقومات حياتنا المعيشية على الصراط المستقيم، وكما هو موسم المساءلة لأنفسنا تجاه العبادات من الصلاة والزكاة وغيرها.
تختلف المساعي لكل منا على نحو شتى في سبيل تحقيق معنى «هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان» من قول الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة: 185).
فيهتدون به إلى الصراط المستقيم في أصول الإسلام وفروعه، ويحصل به الخير والسرور والسعادة في الدنيا والآخرة؛ فتزكو به نفوسهم وتزداد به عقولهم ويزيد به إيمانهم ويقينهم، وتقوم به الحجة على من أصر وعاند، فهذه المراجعة للمسلم مراجعة فردية لعلاقته الشخصية بالله تعالى وبدينه.
ولكن إسلامنا العظيم أضاف لهذا الشهر (رمضان) معنى آخر؛ وهو إحياء روح التكاتف والتعاضد والتراحم والتواد والتعاون بين المسلمين، الأغنياء والفقراء، الفارهين والمضطهدين.
ألا ترون أن أسوتنا الأعظم رسول الله صلى الله عليه وسلم حرك الجيوش في هذا الشهر، وألزم الشعور الجماعي بينهم تجاه كل ما وقع وحل عليهم، من معاناة الفقر واستبداد الظلمة وظلم أعداء الإسلام.
وقد يؤكد هذا المعنى حكمة الله تعالى في فرضه إخراج زكاة الأموال لمصارفها الخاصة، وجعله ضرورة تمليك الفقراء وأصحاب الحاجات من أموال الأغنياء شرطاً حاسماً لقبول هذه العبادة.
كما أن أداء صدقات الفطر لكل مسلم على سواء من حكمة تدريب له على المساهمة في تحقيق روح التعاضد بين منتسبي الإسلام وتهذيب النفوس والأرواح، ولأنّه مدعاة لتوطيد الأواصر بين الأهل والناس، وبين الغني والفقير، فالإذعان لطاعة الله والإحساس بالجوع والعطش داع إلى الإحسان بالعطف تجاه الآخرين من ذي الخصاصة.
فعلى ذلك المعنى لشهر رمضان المبارك، نجد أحوالنا وواقعنا في مناقضة بما ذكر في السابق من معانيه كلياً أو جزئياً، وإذا لاحظنا بعين الإيمان حاضر العالم الإسلامي وقضاياه؛ كقضية تركستان الشرقية وكشمير وفلسطين، لا يخفى على أحد مدى ابتعاد مجتمعاتنا الإسلامية من روح التعاضد، وما فظائع غزة عنا ببعيد.
قد نرى أنفسنا خاوية من ذلك المعنى الرمضاني بمراجعتنا إلى اللامبالاة التي عمت بنا، وإلى التبريرات الزائفة التي تعودنا عليها، فضلاً عن تباعدنا من مواساة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبادرته الكبرى في هذا الشهر وغزوة «بدر» و«فتح مكة».
ولتمثيل ذلك، نسرد لمحات من الظروف القاسية التي يمر بها المسلمون في تركستان الشرقية؛ في عزلة تامة عن العالم وتعتيم إعلامي على أخبارهم وأحوالهم، استقبل مسلمو إقليم تركستان الشرقية رمضان بأفئدة مضطربة، ليس فقط خوفًا من الإجراءات الأمنية المشددة التي يتوقعون أن تتبعها السلطات الصينية ضدهم مثل حملات المداهمات والاعتقالات المكثفة، ولكن أيضًا لأنها ستعكر عليهم الأجواء الرمضانية بالمحظورات التي ستفرضها، وحرمانهم من لذات العبادات بالصوم والصلاة والتراويح وحتى إخراج الزكاة.
وعلى هذا المنوال نوجز الحالات الرمضانية هناك في عدة سطور من باب التذكير والتحديث كالتالي:
أولاً: تكثيف الاعتقالات الجماعية:
يطلق بعض مسلمي تركستان على رمضان تحت ظل السيطرة الصينية «موسم الاعتقالات»، ذلك أنه يتعرض فيه آلاف الشباب -خاصة ذوي المظاهر الدالة على التدين- للاعتقال؛ بتهمة أنهم منبع الخوف أو تشكيل أجواء غير صينية خلال الشهر الكريم بأداء العبادات بمقابل سعي تكريس الإلحاد للحزب الشيوعي.
وكما يصدر كل عام بيان حكومي يبرر اتباع إجراءات مماثلة بأن رمضان شهر القلق، بالنظر إلى موجة العنف التي شنها متطرفون دينيون وانفصاليون وإرهابيون، فإنه يتوجب علينا أن نتصدى لانتشار التعليم الديني الذي يقدمه زعماء دينيون وتلاميذهم.
ثانياً: حظر التراويح:
من غير الممكن إقامة صلاة التراويح جماعة في خارج الأماكن التي تحددها السلطات، إلا بالوجه الذي تحدده، تتخذ عدة مساجد شكلياً لإقامتها لخداع المجتمع الخارجي بأن السلطات تسمح لصلاة التراويح، بشريطة قراءة السور العشر الأواخر فقط، وفي 25 دقيقة فقط.
ثالثاً: حظر الصيام:
ومن مظاهر التضييق التي دأبت على ممارستها السلطات الصينية بحق مسلمي تركستان الشرقية بشكل عام خلال شهر رمضان، قد لا يستطيع أحد أنه صائم خوفاً من اتهام السلطات وأذنابها بالتزامه بالدين، فيُعتقل مباشرة، بالإضافة إلى أنها تمنع الموظفين المسلمين من أبناء الإقليم العاملين في الحكومة، وكذلك الطلاب من الصيام نهائيًّا بحكم قانون رسمي ومعلن، وفق ما ذكره أحد أئمة تركستان الشرقية المقيم بتركيا، طالبًا عدم ذكر اسمه.
والشباب المسلم يمتحن بصيامه؛ إذا صام سرًّا، وإذا كان موظفاً فإن المسؤول الصيني يختبره بأن يقدم له الضيافة حتى يعرف هل هو صائم أم لا، وتخصم مصروفات هذه الضيافة الإجبارية من راتبه قسرًا، وإذا عُرف أنه صائم يتهم بإصابته بالتطرف الديني، فإما أن يفصل من وظيفته أو يحجب عنه راتبه.
والحال نفسها بالنسبة للطلاب في المدارس والجامعات الذين لا يسمح لهم بإقامة أي شعائر دينية مثل الصلاة والصوم، والطالب الذي يخالف يتم طرده فورًا، ويحرم من كافة الامتيازات الاجتماعية على مدى الحياة، والتوظيف والدعم.
أما بالنسبة لغير الموظفين وغير الطلاب، فإن السلطات تمنع الإفطار الجماعي سواء في المسجد أو المنازل.
رابعاً: استحالة إيتاء الزكاة:
بالطبع إن جميع ممتلكات الشعب مسجلة لدى السلطات، وتحت مراقبة بتقنيات رقمية، لأن الشخص الذي يريد أن يدفع الزكاة لا يستطيع أن يقدم الزكاة إلى مستحقيها وفق أولويات من يستحق؛ فمثلاً ممنوع عليه أن يقدمها لطالب علم شرعي فقير، أو لأسر المعتقلين؛ فأصبحت عبادة الزكاة صعبة الأداء.
ذلك قطرة من بحر الظلم الصيني لمسلميها في شهر رمضان الفضيل، ذكرنا ذلك لتذكير نعمة العبادة ورجاء الدعاء لهم، أعان الله جميع المضطهدين في دينهم.