العذر بالجهل من المسائل الخلافية بين العلماء؛ إلا أن هناك ما اصطلح العلماء على تسميته بـ (ما علم من الدين بالضرورة)، ومسألة اليوم من المسائل التي يعرفها عموم المسلمين إلا هذا الذي ابتعد عن مجالس العلم وانشغل بماديات الحياة.
يقول صاحب السؤال: أنه جامع زوجته في ليل رمضان، وناما دون أن يغتسلا بحجة أنَّهما سيقومان بذلك الغسل وقت السّحور، ولكنهما ناما ولم يستيقظا إلا بعد شروق الشمس وارتفاعها، فقالا: إننا مُفطران، ويجب علينا القضاء، ولا صيام لنا، وبناء على هذا الفهم الخاطئ قاما بالجماع في ذلك النهار بحجة أنَّهما مُفطران، حيث لا يعلمان عن الحكم بمَن كانت عليه الجنابة في نهار رمضان، ولا يعلمان عن الكفَّارة في ذلك، ولا يعرفان إلا قضاء ذلك اليوم!
لا شك أن هذا الأمر نتج عن جهل هذين الزوجين بأمور دينهم؛ إلا أن هذا الجهل لا يعفيهم من وجوب الكفارة التي فرضها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه حيث قال: ( بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ قَالَ مَا لَكَ قَالَ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا قَالَ لا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لا فَقَالَ فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لا قَالَ فَمَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ (وهو الزنبيل الكبير) قَالَ أَيْنَ السَّائِلُ فَقَالَ أَنَا قَالَ خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَ اللَّهِ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ) رواه البخاري (1936).
وقد أجاب الشيخ عبد العزيز بن باز -يرحمه الله- على هذه المسألة فقال: هذه الأشياء تحدث نتيجة الجهل، وعدم السؤال، وعدم حضور مجالس العلم، وعدم الاستفادة من حلقات العلم، وما يُذاع من العلم، كثيرٌ من الناس ما يهمّه إلا بطنه وشهوته وحاجاته العادية، ما يهتم بدينه، ويسأل ويتبصَّر: ماذا يجب على الصائم؟ ماذا يحرم على الصائم؟ ماذا يجب على المُصلي؟ ماذا يجب على المُزكِّي؟ ماذا يجب على الحاج؟ ماذا يجب عليه حول أهله وجيرانه؟ إعراضٌ وغفلةٌ حتى يقع في المحارم.
الصائم له أن يُصبح جنبًا ثم يغتسل، لا يضرُّه ذلك، فإذا جامع في الليل ثم أصبح واغتسل بعد الفجر فلا حرج عليه، في “الصحيحين” عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصبح جنبًا من جماعٍ ثم يغتسل ويصوم عليه الصلاة والسلام، وهكذا قالت أمُّ سلمة: كان يُصبح جنبًا من جماعٍ ثم يغتسل ويصوم ولا يقضي عليه الصلاة والسلام، فلا بأس أن يجامع الإنسانُ في آخر الليل، ثم يتسحر، ثم يغتسل بعد أذان الفجر، لا حرج في ذلك، وهذان لما قاما بعد ارتفاع الشمس كان الواجبُ عليهما الاغتسال وقضاء صلاة الفجر، وصومهما صحيحٌ؛ لأنَّهما أصبحا صائمين ناويين الصيام، فعليهما أن يغتسلا، وأن يُصليا صلاة الفجر ويكفي.
أما جماعهما بعد هذا فهذا منكرٌ، فالصائم يلزمه الإمساك، ولو ما استيقظ إلا الظهر يلزمه الإمساك، هو صائم، قد أصبح صائمًا بالنية، فعليهما الكفَّارة، وهي عتق رقبةٍ مؤمنةٍ، فإن عجزا صاما شهرين متتابعين، كل واحدٍ يصوم شهرين متتابعين، فإن عجزا أطعما ستين مسكينًا، كل واحدٍ عليه ثلاثون صاعًا، فعليهم ستون صاعًا جميعًا، ستون مسكينًا، كل مسكينٍ يُعطى صاعًا واحدًا، نصفه عن الرجل، ونصفه عن المرأة، من التمر، أو من الشعير، أو من الحنطة، أو من الأرز، مع التوبة الصادقة، والإنابة إلى الله، والاستغفار الكثير، والحذر في المستقبل، مع قضاء اليوم [1].
[1] – من فتاوى الشيخ ابن باز -يرحمه الله- بتصرف.