لطالما عُرف السودانيون باهتمامهم واحتفائهم بحلول شهر رمضان، والاستعداد له في بلادهم التي تشهد نزاعاً مسلحاً لا تزال تبعاته الاقتصادية والنفسية على السودانيين خاصة النازحين واللاجئين والعالقين في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا إحدى دول الجوار التي كانت وجهتهم.
وبلا شك، فإن الحرب التي أكملت عامها الأول برمضان هذا العام، لها تبعات وآثار سلبية تبدو واضحة على استعدادات ومظاهر الشهر الكريم، لبلد عُرف شعبه بتعظيم شهر رمضان، أكثر من غيره من الشعوب، وتميز بالإفطارات الجماعية في الشوارع العامة، التي تضج بالحركة والحيوية، وتصدح مساجده بالذكر، ويتسابق قراؤه وأئمته في تلاوة القرآن الكريم بعديد الروايات، مثل: حفص، وورش، والدوري، كل هذه القيم الإسلامية والتقاليد المميزة بددتها حرب لا تزال تراوح مكانها.
حالة تترجمها لنا إحدى أمهات الأسر التي حطت رحالها في أديس أبابا، بقولها: «لقد سرقت الحرب فرحة قدوم شهر رمضان وبددت التقاليد والقيم التي كنا نتبعها في مثل هذه الأيام المباركات»، بهذه الكلمات تصف السودانية أم الحسن، شعورها وهي يمر عليها شهر الصيام لأول مرة بعيدًا عن منزلها وبعض أفراد أسرتها، وكانت قد لجأت بعد اندلاع الحرب بأسبوعين إلى إثيوبيا عبر معبر القلابات لتصل بعد رحلة شاقة إلى إثيوبيا التي لا تزال بها وهي على أمل الرجوع إلى ديارها.
يشار إلى أن السودانيين العالقين والمقيمين بإثيوبيا نظموا قبيل قدوم شهر رمضان المبارك معرضاً تجارياً لمستلزمات الوجبات الرمضانية السودانية، من المشروبات والأغذية التي تشتمل عليها الأطباق الرمضانية لدى السودانيين.
وتحدثت أم الحسن لـ«المجتمع»، ويكسو وجهها شيء من الحزن وبعض من بصيص الأمل، قائلة: إنهم بسبب الحرب لم يذوقوا طعمًا لرمضان هذا العام، وأردفت: روحانيات رمضان في السودان مختلفة، خاصة الإفطارات الجماعية التي يتجمع فيها الجيران والأسر الممتدة.
وتابعت أم الحسن أن رمضان يرتبط في ذهنها بالعادات السودانية التي تبدأ قبل أيام من حلول الشهر من تحضير «الآبري»، بجانب شراء احتياجات المنزل، وتوفير جميع مستلزمات الشهر الكريم، مستدركة: لكن أملنا في الله كبير أن نعود لبلادنا وتعود الأيام الجميلة.
و«الآبري» يصنع منه مشروب «الحلو مر» السوداني الشهير، حيث لا يمكن أن تخلو سفرة رمضان في أي بيت من بيوت السودان من هذا المشروب الذي ارتبط ارتباطًا وثيقًا برمضان.
إفطارات على قارعة الطريق
يشتهر السودانيون في رمضان بالإفطار في الشوارع لإكرام المارة من الصائمين، ولذلك يسبق الشهر الكريم تجهيز هذه الشوارع لاستقبال «فرشة الفطور» الرمضانية التي يتحلق حولها الصائمون في انتظار سماع صوت أذان المغرب للإفطار.
وتعرف محلياً بـ«لمة البرش»، وهي ظاهرة اجتماعية تنتشر في السودان في رمضان، عبر تنظيم إفطارات جماعية في الشارع، لا يوجد تاريخ لها، لكن السودانيين يعتبرونها قديمة ورثوها من الأجداد، ونقلها الناس معهم من الأرياف إلى المدن، قبل أن تنتقل معهم أخيراً إلى اللجوء والنزوح جراء الحرب التي تشهدها البلاد.
وبعث حسن تسريحة، الدرامي والناشط الاجتماعي السوداني، من إثيوبيا التحايا والتهنئة لجميع السودانيين بقدوم الشهر الكريم، قائلاً: التحية لكل الشعب السوداني الصابر والتحية للأمهات وجميع السودانيين بقدوم شهر رمضان المبارك، وأردف: ببركة الشهر الكريم، إن شاء الله، عائدين إلى بلادنا وديارنا قريبا آمنين وسالمين.
وأشار إلى أن الشعب السوداني موسوم بالكرم والتسابق إلى فعل الخيرات، واستعرض الخصال التي يتمتع بها شعب السودان خاصة في رمضان وما يميز السودانيين في هذا الشهر، وقال: إن الشعب السوداني يتسابق في الخيرات خاصة أيام رمضان من خلال الإفطارات الجماعية على الشوارع حتى في الغربة تظل هذه القيم متواجدة.
ولفت إلى أن محله التجاري في حي هيا هوليت وسط العاصمة أديس أبابا تحول إلى ملتقى للسودانيين وللإفطارات الجماعية على «البرش» السوداني، وقال: إن السودانيين انتقلوا إلى هنا بعاداتهم وثقافتهم حيث لا تزال لمة «البرش» أو برش رمضان، مشيراً إلى أن كل الأطباق السودانية الخاصة برمضان من العصيدة والملاح البلدي موجودة في الإفطارات التي نظمت بأديس أبابا.
و«البرش» سجاد شعبي يصنع من سعف النخيل، وإن كان استخدامه حالياً تراجع لصالح السجاد العصري، لكن لا يزال مكان الإفطار يحمل اسمه، حيث يطلق على المكان المخصص للإفطار الجماعي «برش رمضان».
القارئ الشيخ الزين
وضمن مظاهر الوجود السوداني في رمضان هذا العام بإثيوبيا، يشارك القارئ السوداني الشهير الشيخ الزين محمد أحمد، مع بعض الأئمة والشيوخ السودانيين، صلاة التراويح مع إخوتهم من مسلمي إثيوبيا في مشهد أخوي احتفاء بشهر رمضان المبارك وإحياء لشعائره التعبدية المتمثلة في صلاة التراويح.
وقال الشيخ دفع الله بخيت: إن حضور الشيخ الزين لأداء صلاة التراويح بإثيوبيا مشاركة درج عليها الشيخ الزين مع بعض الشيوخ السودانيين ذوي الأصوات الجميلة بطلب من المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بإثيوبيا بالتنسيق مع السفارة السودانية، منذ رمضان العام الماضي.
وأوضح بخيت، وهو أحد المشرفين على الزيارة، لـ«المجتمع»، أن مسلمي إثيوبيا لهم محبة خاصة واهتمام بالشيوخ والقراء السودانيين أصحاب الأصوات الندية والتلاوات التي تعطر أجواء وفضاءات الصائمين في رمضان.
وحول اهتمام مسلمي إثيوبيا ومحبتهم للقراء السودانيين، أشار الى أنهم لاحظوا خلال تجوالهم بالأسواق في أديس أبابا أن معظم المحال التجارية تشغل أشرطة القارئ المرحوم الشيخ نورين، والشيح الزين، والقراءة السودانية خاصة أن الطريقة التي يقرؤون بها هي المقام الكردفاني الحجازي.
وأشار إلى أنها محبذة وأقرب إلى وجدان الشعب الإثيوبي، وهو أمر غير مستغرب لمستوى التشابه الكبير بين الشعبيين الإثيوبي والسوداني في الوجدان والألحان والأناشيد والكثير الذي يربط شعوب منطقة القرن الأفريقي!
وعبر الشيخ بخيت عن سعادته بمستوى الحفاوة والاستقبال الذي وجده وفدهم في إثيوبيا واحتشاد المسلمين في المساجد التي يؤم المصلين بها الشيخ الزين، وقال: وجدنا حفاوة في هذا البلد لم يسبق لها مثيل، ومستوى متابعة ورصد من الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لكل المشاركات في العديد من مساجد العاصمة أديس أبابا على رأسها مسجدا النور وبنين، ومسجد النادي السوداني.
جلسة استماع
وكشف بخيت أنه في إطار تطوير المشاركة الأخوية بين مسلمي السودان وإثيوبيا سيعمل الوفد السوداني جلسة استماع في صلاتي الظهر والعصر للمصحف كاملاً برواية الدوري، وقال: إن هذا التسجيل سيكون فريداً من نوعه وعلى الهواء، ويتابع من العلماء والحفاظ في أجواء قرآنية رمضانية، مشيراً إلى أن السودان الدولة الوحيدة التي تفردت بجمع 3 روايات للقراءات في الخلاوي ومراكز التحفيظ، وهي: ورش، وحفص، والدوري، لافتاً الى أن رواية الدوري لا توجد في إثيوبيا؛ لذا ستكون جلسة الاستماع ذات فائدة كبيرة.
يشار إلى أن عدد السودانيين الذين وصلوا إلى إثيوبيا جراء الحرب الدائرة في بلادهم بلغ أكثر من 60 ألف وافد سوداني وفق تقديرات رسمية لمنظمات دولية.