نُسب إلى وزير الدفاع «الإسرائيلي» موشى ديّان أنه قال يوماً: «إن العرب لا يقرؤون، وإذا قرؤوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يستوعبون، وإذا استوعبوا لا يطبقون»، وصدق المجرم وهو كذوب، فقد لامس بكلامه واقع أمتنا المرير، فبين يدي المسلمين كتابٌ حوى كل أسباب النصر والتقدم والرخاء والسيادة، كتاب حوّل العرب الأوائل من رعاة للإبل والغنم إلى سادة وقادة للدول والأمم، لكنهم نبذوه وراء ظهورهم فتركوا فهمه والعمل به، ولهثوا وراء أفكار الشرق الملحد والغرب الكافر فما جنوا إلا الخسران والبوار، إذ ضاعت هيبتهم من قلوب أعدائهم، وسلبت مقدراتهم، ودنست مقدساتهم، وتناقصت أرضهم من أطرافها.
وبعد، فهذه مسائل أربع فيها الخير والمنفعة، لو فهمها المسلمون فهمًا جيدًا لاستطاعوا أن يستأصلوا شأفة الصهاينة، وأن يستردوا درتهم الفقيدة، وجوهرتهم المغتصبة السليبة.
الأولى: فهم طبيعة الشعوب الغربية:
وهذا أول ما ينبغي للمسلمين أن يفهموه، لأن الدول الغربية هي التي بذرت بذرة الصهيونية في تربة فلسطين المسلمة، وهي التي سقت ورَعَتْ وظلّلتْ هذه النبتة الشيطانية وبذلت كل شيء في سبيل حمايتها، إلى أن تغلغلت جذورها، واشتدت ساقها، وكبرت أغصانها، فأثمرت حنظلًا وصار طلعها كأنه رؤوس الشياطين.
الدول الغربية: هي التي وهبت الصهاينة بقعة -لا تملكها- من أغلى بقاع الإسلام المقدسة غصبًا، ووعدتهم بإقامة وطن قومي عليها بدون حق، فتحقق وعد من لا يملك لمن لا يستحق.
لقد أخطأت أمة الإسلام يوم أن التحفت بعباءة الغرب واعتمدت على المنظمات الدولية في حل قضاياها المصيرية المختلفة، لا سيما قضية فلسطين الكبرى، إذ إنه من المحال أن ينصر الكفر إسلاماً، أو أن يحمي الشرك توحيداً؛ لأن الكفر كله ملة واحدة، فعلى الرغم من شدة ما بينهم العداوات والخلافات الفكرية والعقدية والتكالب على المصالح الاقتصادية والسياسية، فإنهم لا يتحدون على شيء قدر اتحادهم على محاربة الإسلام وإفساد المسلمين، قال تعالى: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) (البقرة: 120)، وقال تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم) (البقرة: 109).
ولأن هيئة الأمم ومجلس الأمن وغيرهما من المنظمات الدولية ما أنشأت إلا لتحمي حقوق رعاياها فحسب، ولتكون أداة لفرض سيطرة الدول العظمى على من دونها من الدول، فقتل امرئ غربي في غابة جريمة لا تغتفر، تتحرك لأجله الهيئات والمنظمات وتعقد لأجله المؤتمرات، وقتل شعب مسلم آمن مسألة فيها نظر.
أضف إلى ذلك أن الشعوب الغربية في جملتها شعوب غير عادلة، حتى وإن رفعت شعارات الحرية والعدالة الزائفة، كما جاء في كتاب خطر اليهودية لعالمية.
يقول أ. عبدالله التل: إن شعوب أمريكا قد تكونت من الطلائع الأولى للاستعمار والاغتصاب في العالم، وعاشت حياتها كلها تستحل مال سواها، وتغتصب أملاك غيرها من الشعوب الضعيفة، كما أن شعوب أوروبا عاشت وما تزال تعيش على حساب غيرها، وتشارك شعوب أمريكا في تمجيدها للاستعمار، وكلاهما لا يرى أي جرم في أن يحتل اليهود (المتمدنون) بلاد العرب (المتوحشين)، ولا غضاضة عندهم في أن يبيد اليهود عرب فلسطين كما أباد الأمريكيون الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين، وقد أبدع د. عبدالرحمن العشماوي في وصفه لحقيقة الغرب، فقال: قالوا لنا الغرب؟
قلت: صناعة وسياحة ومظاهر تغرينا، لكنه خاو من الإيمان لا يرعى ضعيفًا أو يسرُّ حزينا
الغرب مقبرة المبادئ لم يزل يرمي بسهم المغريات الدين.. الغرب مقبرة العدالة كلما رفعت يد أبدى لها السكينا
الغرب يكفر بالسلام وإنما بسلامه الموهوم يستهوينا.. الغرب يحمل خنجرًا ورصاصة فعلام يحمل قومنا الزيتونا
كفر وإسلام فأنى يلتقي هذا بذلك أيها اللاهون
فقد آن الأوان أن تنفض الأمة يديها من الغرب، وأن تقطع آمالها فيه، وأن توقن أن الغرب لن يحل لها مشكلة، ولن يحمي لها جبهة، ولن ينصر لها قضية، اللهم إلا إذا دخل الجمل في سم الخياط.
الثانية: فهم النفسية اليهودية:
بدراسة أبعادها وخصائصها وخصالها، وذلك حتى يكون الدبلوماسي المسلم على دراية بطبيعة وحقيقة من يحاور ويفاوض، لا سيما أن الذي كشف حقيقة هذه النفسية المريضة هو القرآن العظيم، قال تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ) (المائدة: 82)، كما بين مدى ما تحمل هذه النفسية المريضة من حقد وحسد وضغينة على الإسلام والمسلمين، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ) (آل عمران: 118).
ومن أبرز صفاتهم التي فضحها القرآن نقض العهود والمواثيق، قال الله تعالى: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ) (البقرة: 100)، قد جاء في تَلْمُودِهم: «إنه يحق لليهودي أن يحلفَ أيمانًا كاذبة يستطيع أن يُكَفِّرَ عنها في يوم الغفران».
وفي خطاب ألقاه مناحيم بيغن في عام 1950م قال: «إنه لن يكونَ سلام لشعب «إسرائيل» ولا لأرض «إسرائيل» ولا للعرب، ما دمنا لم نحررْ وطننا بأجمعه بعدُ، حتى ولو وقَّعْنا معاهدة للصلح»؛ إذ إنهم لا يخجلون من هذه الصفات الدنيئة.
ومن الصفات المهمة التي تكشف طبيعة النفسية الصهيونية وخصالها المشوهة تعاملهم مع الآخرين بفوقية وكِبْرٍ واستعلاء، فهم يعتبرون الأمم الأخرى حيوانات، وأقل درجة من اليهود؛ انطلاقًا من أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأنهم شعبُ الله المختار، وأن الأمميين (الجوييم) مِن نُطف الحيوانات، كما جاء في تلمود أورشليم: «إن النطفة المخلوق منها باقي الشعوب الخارجين عن الديانة اليهودية هي نطفة حصان»! ولذلك فهم يستبيحون كل فعلٍ مهما كان دنيئًا إذا كان ضد غير اليهود، فيستحلون الرِّبا والغش والخداع والإفساد، واستعباد جميع الأمم الأخرى.
يقول د. صلاح الخالدي: إن المتأمل للتحليل القرآني الكاشف للنفسية اليهودية يدرك أنها ركبت تركيبًا خاصًا، وأن أوضح وصف لها هو الالتواء والتعقيد، فالنفسية اليهودية معقدة، تداخلت خيوطها، وتعمق فيها الغدر، والحقد، والحسد، واللؤم، والمكر والخديعة، والتآمر والأنانية، والتكبر والافتراء، والكذب والزعم، والتحريف والتبديل والتحايل، كأنها مزجت من هذا المزيج المريض فكانت نتاجا مرا شائها له.
فهذه الخطوة مفيدة على الصعيد العسكري وعلى الصعيد الدبلوماسي التفاوضي أيضا، فعندما ينطلق الدبلوماسي المسلم في مفاوضاته وهو على يقين من مرض نفسية من يتفاوض معه، فإنه يستطيع أن يحرز تقدمًا كبيرا على طاولة المفاوضات، وإن كنت على يقين أن اليهود لا يقتنعون ولا يرتدعون بالمفاوضات ولا المباحثات.
الثالثة: فهم الدوافع الصهيونية في احتلال فلسطين:
لأن المغتصب الصهيوني قبل أن يحتل أرض المسرى المبارك، كان أمامه العديد من الدول التي رشحت له لإقامة وطن يهودي عليه، كأوغندا وأستراليا، وأوكرانيا وزيمبابوي، لكن المغتصب الصهيوني رفض كل هذه العروض ودخل فلسطين، واغتصب أرضها، وذلك بدافع من عقيدة باطلة يؤمنون بها ويمجدونها.
يقول وايز مان، وهو أول رئيس لدولة الكيان: «قابلت لورد بلفور وزير خارجية بريطانيا، فبادرني بسؤال: لماذا لم تقبلوا إقامة الوطن القومي في أوغندا؟ فقلت له: إن الصهيونية حركة سياسية قومية، هذا صحيح، ولكن الجانب العقدي والروحي منها لا يمكن إغفاله، وأنا واثق تمام الوثوق أننا إذا أغفلنا الجانب الروحي ولعقدي فإننا لن نستطيع تحقيق الحلم السياسي بإنشاء الوطن القومي»، هكذا كان اليهود يستغلون الجانب العقدي الروحي وما زالوا من أجل إقناع العالم بارتباطهم الروحي بفلسطين، في الوقت الذي أسقط فيه العرب الجانب العقدي والرباط الروحي بينهم وبين فلسطين.
إذًا؛ فاليهود قوم متعصبون لعقيدتهم على الرغم من أنها مشحونة بنصوص لا يقبلها عقل ولا تتماشى مع الفطرة السليمة، لكنهم يتمسكون بها، فهم يعتقدون أن الإله وعد إبراهيم وعاهده على أن تكون هذه الأرض لنسله، حيث ورد في سِفر «التكوين، الإصحاح 15»: «في ذلك اليوم قطع الرَّبُّ مع أبرام مِيثاقًا قائلًا: لنَسلِكَ أُعطي هذه الأرض من نهر مِصرَ إلى النهر الكبير نهر الفُرات»، فهي في اعتقادهم الزائف «أرض المعاد» التي سيعود إليها اليهـود تحـت قيادة «المسيح المخلص».
وهذا ما أعلنه ابن غوريون، مؤسس الكيان الغاصب، في أول خطاب له قال: قد لا يكون لنا الحق في فلسطين من منظور تاريخي أو قانوني، ولكن فلسطين حق لنا من منظور ديني، فهي أرض المعاد التي وعدنا الرب من النيل إلى الفرات وإنه يجب الآن على كل يهوديٍّ أن يهاجر إلى أرض فلسطين، وعلى كل يهوديٍّ لا يهاجر اليوم إلى «إسرائيل» بعد إقامتها أن يعلم أنه مخالفٌ للتوراة، وأنه يكفر كل يومٍ بالدين اليهودي.. ثم قال: لا معنى لفلسطين بدون القدس، ولا معنى للقدس بدون الهيكل، ولا معنى لقيام دولة إسرائيل بدون فلسطين!
الرابعة: فهم أن اليهود لا يعترفون إلا بالقوة:
ففي أول بروتوكولات حكماء صهيون ورد ما نصه: «الحق يكمن في القوة، وكل إنسان يسعى إلى القوة، وكل إنسان يريد أن يصير دكتاتوراً إذا كان ذلك في استطاعته وخير النتائج في حكم العالم ما ينتزع بالعنف والإرهاب لا بالمناقشات الأكاديمية»، هذا كلام من تنسب إليه الحكمة من كبرائهم، يوضحون لشعبهم أنهم إذا كانوا أقوياء فهم على الحق حتى وإن كانوا في ميزان العالم معتدون غاصبون.
وفي خطاب لمناحم بيجن، رئيس الوزراء وزير الدفاع «الإسرائيلي» الأسبق قال: «إننا نحارب، إذًا نحن موجودون، فإننا نعيش في عالم لا يحترم إلا الأقوياء».
فالصهاينة لا يعترفون إلا بالقوة، ولا يقيمون وزنًا إلا للدول القوية، وإذا كانوا قد احتلوا أرض فلسطين بالقوة، فإنه من الوهم أن تحرر فلسطين بغير القوة، فما أخذ غصبًا لا يسترد إلا نزعًا وجبرًا.
لذا ينبغي على كل مسلم وكل عربي أن يعلم يقينًا أن فلسطين لن تحرر بالخطب الرنانة، ولا بالمظاهرات الحاشدة، ولا بالشجب والتنديد، ولا بالجلوس على طاولة المفاوضات، ولا باستصدار القرار من مجلس الأمن، ولا بدفع عجلة السلام، لأن الصهاينة لا يعترفون بالسلام.. ولم لا وقد قال أعلنها إسحاق رابين مدوية: «لقد ماتت عملية السلام».
قالوا لنا: السلام، السلام.. قلت يعود الأهل للأرضُ السليبة، وسيلبس «الأقصى» غدًا أثوابًا قشيبة، فإذا السلام هو التنازل عن القدس الحبيبة، فبئس سلام اليهود وبئست الخطط المريبة.
فالكيان الغاصب لا يؤمن إلا بمبدأ القوة، وإذا كان العرب قديما تقول: «لا يغسل الدم إلا الدم»، فإنه لا ينبغي للعرب أن يسلكوا في سبيل تحرر أقصاهم من براثن اليهود إلا طريق الجهاد في سبيل الله الذي يرعب أعداء الله في كل مكان.