من أبرز الفرائض وأوجب الأعمال التي أقرها الإسلام وأمر بها إغاثة الملهوف ومساعدة الفقير والمسكين، قال الله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) (الإنسان: 8).
ولقد حث رسول الله ﷺ على ذلك فقال عليه الصلاة والسلام: «أيما مؤمن أطعم مؤمناً على جوع، أطعمه الله من ثمار الجنة ومن سقى مؤمناً على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم» (رواه الترمذي)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «مَن ستَر أخاه المسلمَ ستَره اللهُ في الدُّنيا والآخرةِ ومَن فرَّج عن مسلمٍ كُربةً فرَّج اللهُ عنه كُربةً مِن كُرَبِ يومِ القيامةِ واللهُ في عونِ العبدِ ما كان العبدُ في عونِ أخيه» (رواه مسلم).
ويعتبر رمضان شهر التكافل والتضامن الاجتماعي والتآزر، وتقديم كل ما يحتاج إليه الفقراء والمساكين، وإن أهم مقاصده هو التذكير بحال المحتاجين والفقراء والجوعى، وليس أدل على ذلك من أن الإسلام جعل زكاة الفطر شرطاً لاكتمال الصيام وصحته، وشهر رمضان يحث على السعي والهرولة لقضاء حوائج الناس، فرمضان هو الشهر الذي ترفع فيه الدرجات وتقال فيه العثرات ويستجاب فيه للدعوات.
وإن الله فتح في هذا الشهر الكريم أبواباً من الطاعات تحقق مفهوم الجسد الواحد للأمة، وتعمق التكافل والتعاون بين أفرادها، وتقوي الروابط والصلات بين مجموعاتها، وشهر رمضان من المواسم المباركة التي تسهم في غرس وتقوية مفهوم التكافل والتعاون بين أفراد المجتمع المسلم، ويظهر التكافل والتعاون بين المسلمين من خلال المساعدات والمساهمات التي يقدمها أبناء المجتمع المسلم لإخوانهم المحتاجين والفقراء، بالإضافة إلى المظاهر الخاصة بالمودة والرحمة بين الأقرباء والأصدقاء والأسر المسلمة، التي تشتمل على الكثير من المعاني السامية والمشاعر الراقية التي يسعى الإسلام إلى تأصيلها في النفوس.
ويسهم التعاون والتكافل الرمضاني في تعزيز وحدة المجتمع المسلم وتقوية أواصر تكافله والروابط بين أبنائه، ويرجع اهتمام المسلمين بإشاعة هذه المظاهر امتثالًا لأمر الله عز وجل في قوله: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة: 2).
ومن أبرز صور التعاون والتكافل بين المسلمين في رمضان تقديم الإفطار للصائمين، حيث يعتبر إحدى أسمى صور التعاون والتكافل في المجتمع المسلم في رمضان، فعن زيد بن خالد الجهني قال: قال ﷺ: «مَن فطَّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء» (رواه الترمذي، 807).
وقد كان السلف الصالح يحرصون على إطعام الطعام ويقدمونه على كثير من العبادات، وقد قال بعض السلف: لأن أدعو عشرة من أصحابي فأطعمهم طعاماً يشتهونه أحب إليّ من أن أعتق عشرة من ولد إسماعيل.
ويظهر التعاون على البر والإحسان جليًا بين المسلمين في شهر رمضان المبارك من خلال الإكثار من الصدقات والإنفاق على الفقراء والمساكين، فيتسابق المسلمون إلى فعل مثل هذه الأعمال الصالحة في البر والإحسان ومختلف أصناف الخير، لما لها من الأجر المضاعف في هذا الشهر الفضيل، وهي أعمال ذات نفع دنيوي أيضاً، إذ تؤدي إلى تقوية أواصل المحبة والألفة والصلة بين الأقرباء والعائلات وأفراد المجتمع المسلم.
فعلينا في هذه الأيام المباركة أن نتحرى صالح الأعمال التي تطعم الجياع وتسد رمق المساكين وتسعد الفقراء، وذلك بالإكثار من الإنفاق والصدقة في رمضان، كلٌّ بقدر استطاعته، وأن يسعى المسلمون إلى تعزيز قيم التعاون والتكافل وخاصة في ظل الأوضاع الصعبة التي تمر بها بعض بقاع العالم الإسلامي، وخصوصاً أهلنا وإخوتنا في غزة المحاصرة، ولا ينبغي أن يقلل المسلمون من قيمة المشاركات البسيطة فالقليل بالقليل يكثر، وقد قال رسول الله ﷺ: «اتَّقوا النَّار ولو بشِقِّ تمرةٍ فإنْ لم تجِدوا فبكلمةٍ طيِّبةٍ» (رواه البخاري).