رغم ما في الحياة من دروب، فإن الله تعالى سخَّر لعباده مَن يذلِّلون لهم سُبلها، ويعبِّدون الطريق أمامهم، ويشعلون لهم منارات يهتدون بها، وفي مقدمتهم الأنبياء المصطفون، ومن بعدهم العلماء والمصلحون الذين يجود الزمان بهم دائماً.
وفي مارس رحل عن دنيانا بعض من هؤلاء العلماء والمصلحين، منهم:
مبارك بن راشد جاسم الخاطر.. الشاعر والداعية
ولد الشاعر والأديب والمفكر والداعية مبارك راشد جاسم الخاطر في مدينة المحرق بالبحرين في عام 1935م، وحرص والده على إلحاقه بالتعليم المتمثل في ذلك الوقت بالكتاتيب، قبل أن ينتقل لمدرسة الهداية الخليفية بمدينة المحرق، ثم توج ذلك بحصوله على دبلوم التجارة.
عمل بعد إتمام دراسته بإدارة المحاكم في وزارة العدل والشؤون الإسلامية، ثم في إدارة الأوقاف، قبل أن ينتقل للعمل في وزارة الإعلام، وظل بها حتى عام 1994م حيث تقاعد فيه.
لم يقتصر على ذلك، بل كان عضواً في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالبحرين، وذلك بفضل موهبته التي حباه الله بها في الأدب والشعر، وعضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية.
وكان عضواً بمجلس الأوقاف السُّنية، لحرصه على كل ما هو إسلامي؛ وهو ما دفعه للانخراط في أنشطة جمعية الإصلاح بالبحرين للعمل من أجل الإسلام والدعوة إليه.
شكل المفكر الخاطر ظاهرة متفردة بدءاً من حقبة الستينيات، حيث كان له دور بارز في إثراء الحياة الأدبية والفكرية، ليس في البحرين فحسب، وإنما على مستوى الخليج العربي بأكمله، وذلك من خلال مساهماته التي فتحت آفاقاً جديدة للباحثين والدارسين لتاريخ وحضارات المنطقة.
لقد أثرى المكتبة العربية والإسلامية بالعديد من المؤلفات، مثل «المسرح التاريخي في البحرين والخليج»، و«التعليم الأهلي في الخليج ما قبل التعليم الحديث».. وغيرهما.
ويعد الخاطر شاعراً مجدداً، في شعره نزعات تأملية واستبصار لما في الحياة من معانٍ وجدانية، على نحو ما نجد في قصيدته «يكفيني يا عمر» التي يستلهم فيها المأثور.
وقد حصل على جوائز عدة وأوسمة وشهادات تقدير، منها: «جائزة الدولة التقديرية في الأدب والإنتاج الفكري»، و«جائزة الدولة للعمل الوطني» عام 1992م، و«وسام المؤرخ العربي من اتحاد المؤرخين العرب» عام 1987م.
ظل يجمع بين الدعوة الإسلامية والفكر والشعر حتى فاضت روحه لبارئها عن عمر ناهز 68 عاماً، مساء الخميس 5 المحرم 1422هـ/ 29 مارس 2001م بمدينة الرفاع بالبحرين(1).
عبدالقادر محمد العماري.. القاضي الشيخ
يعد الشيخ القاضي عبدالقادر بن محمد بن عمر العماري من أبرز علماء قطر والخليج العربي، رغم أنه من مواليد مدينة الشحر بمحافظة حضر موت باليمن، عام 1935م، حيث كانت بداية تعليمه على يدي والده الشيخ محمد بن عمر العماري، وأخذ عنه الفقه الإسلامي وعلوم اللغة العربية، قبل أن يسافر إلى الخرطوم ويلتحق بكلية الحقوق بجامعة الخرطوم، ودرس في قسم الشريعة، وتخرج فيها عام 1957م.
كان والده قاضياً، حيث تولى القضاء بمدينة الشحر عام 1337هـ، ثم قضاء المشقاص عام 1357هـ، وورث ابنه القضاء عنه، حيث عمل بعد عودته بالقضاء في الشحر والمكلا، وعرف عنه العدل والوقوف أمام الظلم وفعل الخير.
هاجر إلى قطر عام 1969م، وعين قاضياً في المحكمة الشرعية، وتدرج في المناصب حتى وصل إلى منصب نائب رئيس محكمة الاستئناف، وأمضى أكثر من 3 عقود في القضاء الشرعي.
كان للشيخ العماري حضور ومشاركات في المجامع الفقهية، ومنها مجمع الفقه الإسلامي بجدة، كما شغل عضواً في هيئة الرقابة الشرعية بمصرف قطر الإسلامي، وبنك قطر الدولي الإسلامي.
اختير عضواً في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وارتبط مع د. يوسف القرضاوي بعلاقة خاصة من نوعها؛ فكان يصاحبه في ندواته ومشاركاته الفقهية أينما حل، كما أن له الكثير من المؤلفات القيمة، ورحل الفقيه القاضي العماري عن عمر ناهز 86 عاماً، يوم الخميس 25 مارس 2021م(2).
توفيق الواعي.. الداعية المربي
في قرية دماص بمركز ميت غمر التابع لمحافظة الدقهلية بمصر، ولد د. توفيق يوسف علي الميتعايش، الشهير بتوفيق الواعي، عام 1930م، حيث حظى بفرصة في التعليم الأزهري الذي تخرج فيه واستمر حتى حصل على الماجستير بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف عام 1978م، كما حصل على درجة الدكتوراة في الحضارة الإسلامية مقارنة بالحضارة عام 1984م، وعلى درجة أستاذ مساعد عام 1992م، ثم على درجة أستاذ بكلية الشريعة عام 2000م.
سافر إلى الكويت في وقت مبكر عام 1972م، حيث عمل ككادر جامعي حتى أصبح رئيس قسم العقيدة والدعوة في كلية الشريعة في جامعة الكويت.
تعرف إلى دعوة الإخوان المسلمين في وقت مبكر، وقد أحيل إلى القضاء العسكري في عهد حسني مبارك عام 2006م –رغم تواجده في دولة الكويت منذ عام 1972م- بتهمة الانضمام لجماعة الإخوان المسلمين وتمويلها، وتم الحكم عليه في أبريل 2008م بالسجن لمدة 10 سنوات غيابياً، بعدما حصل على البراءة 3 مرات من القضاء المدني الطبيعي!
كان د. الواعي ذا همة عالية ونشاط دعوي واسع سواء داخل دولة الكويت أو خارجها، حيث كان عضواً وباحثاً في موسوعة الفقه الإسلامي في القاهرة عام 1969م، وعضواً في المؤتمر القومي الإسلامي، وعضواً في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعضواً وباحثاً في الموسوعة الفقهية بالكويت، ورئيساً للجنة تطوير مناهج التربية الإسلامية في وزارة التربية الكويتية، وباحثاً في موسوعة البحوث القرآنية في مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، وعضواً في اللجنة الثقافية بقسم العقيدة والدعوة بكلية الشريعة– جامعة الكويت، وعضواً في لجنة الأبحاث وتطوير المناهج بذات الكلية.
توفي د. الواعي يوم السبت الموافق 16 مارس 2019م، عن عمر ناهز 89 عاماً، بعد عمر حافل بالعطاء الدعوي والأكاديمي، وتم دفنه في مقبرة الصليبيخات بالكويت(3).
____________________________________________________________________________
(1) مبارك راشد الخاطر المؤرخ- الأديب.. والشاعر الداعية: رابطة أدباء الشام، 17 سبتمبر 2020م.
(2) رمضان: وفاة الشيخ عبدالقادر العماري أحد رموز العلم والقضاء في قطر والخليج، مجلة «المجتمع»، 25 مارس.
(3) توفيق الواعي: موقع «إخوان ويكي»، 17 مارس 2019م.