يعد كتاب «انهيار إسرائيل من الداخل» أحد أبرز مؤلفات المفكر الراحل د. عبدالوهاب المسيري، يلقي الضوء على العوامل التي تؤدي إلى انهيار الكيان الصهيوني من الداخل.
بدايات الصهيونية
يبرز المؤلف في مقدمة الكتاب بدايات ظهور فكرة الصهيونية وأبعادها والجهات التي دعمتها لتطبيق مشروعها الاستيطاني التوسعي في أرض فلسطين.
ويصف الصهيونية بأنها ظاهرة مركبة لها أبعاد كثيرة، ظهرت كفكرة في أوروبا أواخر القرن السابع عشر، وتم بلورتها في منتصف القرن التاسع عشر، ثم ترجمت نفسها في البداية إلى المنظمة الصهيونية العالمية أواخر القرن التاسع عشر، ثم إلى الدولة الصهيونية في منتصف القرن العشرين، ظلت تحقق الانتصارات العسكرية حتى عام 1967م، ثم بدأت تلحق بها الهزائم ابتداء بمعركة الاستنزاف وانتهاء بالانسحاب من جنوب لبنان مروراً بهزيمة 1973م.
وذكر الكاتب 3 جهات كان على الصهيونية التعامل معها، وهي:
1- الاستعمار الغربي والدول الغربية لتنتقل من نطاق الفكرة إلى نطاق التطبيق.
2- يهود شرق أوروبا كي يمكن نقلهم إلى فلسطين ليشكلوا المادة البشرية الاستيطانية.
3- يهود العالم الغربي كي يقوموا بدعم المستوطن الصهيوني.
يحتوي الكتاب على 212 صفحة من القطع المتوسط، ويضم 8 فصول، الأول عن الديمغرافيا اليهودية وبعض الإشكاليات الخاصة بها سواء تعريف من هو اليهودي أو علاقة الأبعد الديمغرافية بيهود شرق أوروبا الصهيونية.
فيما يتناول الفصل الثاني النبوءات الصهيونية والأوهام التي لم تتحقق، وهي تفوق في عددها بمراحل بعض النبوءات التي تحققت، أحدها كما يذكر المسيري نبوءة هرتزل التي قالها في يومياته: إن «ألمانيا العظيمة القوية» هي التي ستقوم على رعاية المشروع الصهيوني وحماية اليهود، «ووضعهم تحت جناحيها»، ولكن ألمانيا العظيمة وضعتهم في أفران الغاز وفتكت بهم وبغيرهم بعد مرور 30 عاماً من نبوءته.
وأشار الفصل إلى نبوءات صهيونية أخرى ذات طابع إستراتيجي أيضاً لم تتحقق من قريب أو بعيد، أبرزها تنبؤ الصهاينة بأنهم سيؤسسون دولة يهودية توفر حياة سوية للشعب اليهودي خالية من الهامشية والطفيلية، وأن اليهود سيحققون انعتاقهم بجهودهم الذاتية، لكن ما حدث أنه تم تأسيس دولة صهيونية من خلال القوى الإمبريالية وهي دولة تعيش على المعونات ولا يمكن لها أن تحقق البقاء دون الدعم المالي والسياسي والعسكري الأمريكي الغربي.
ويتناول الفصل الثالث بعض الاستعمار الاستيطاني الصهيوني خاصة الحل الإمبريالي الصهيوني للمسألة اليهودية، وإدراك المستوطنين الصهاينة لطبيعة المقاومة الفلسطينية لهم.
أما الفصلان الرابع «العنف الصهيوني»، والخامس «الانتفاضة»، فيتناولان المقاومة الفلسطينية والاستجابة الصهيونية لها، وكيف أن تصاعد العنف هو في واقع الأمر تعبير عن اليأس وفقدان الاتجاه.
ويشرح الفصل السادس قضية الهيكل ومكانته الحقيقية في الوجدان اليهودي، ويشير إلى حقيقية طريفة غابت عن الكثيرين؛ وهي أنه لا يوجد هيكل واحد وإنما عدة هياكل، ويختم بالإشارة إلى المنظمات التي تسعى لإعادة بناء الهيكل، منها «أحباء الهيكل» التي تقوم على نظرية المراحل بدءاً بدراسة واستعادة الممارسات والشعائر المتعلقة بالهيكل وانتهاء ببنائه.
تآكل داخلي
في الفصل السابع يبين الكاتب أبعاد التآكل الذي أصاب الكيان الصهيوني من الداخل، ويطرح السؤال التالي: هل ستنهار «إسرائيل» من الداخل؟
ويشير إلى أن هناك سببين رئيسين يؤديان للفرار من الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال، هما:
1- سقوط نظرية الأمن «الإسرائيلية» التي كانت قد أقنعت «الإسرائيليين» أن استعمال القوة سيحقق الانتصار النهائي والأمن الدائم، وأن العمليات العسكرية السريعة الإجهاضية ستحقق كل شيء، ولكن بعد بضعة شهور وجد «الإسرائيليون» أنفسهم في حرب استنزاف مع عدوهم المهزوم.
2- تآكل الأيديولوجية الصهيونية وتصاعد معدلات العلمنة والاستهلاكية والأمركة، حيث يوضح الكاتب أن الشباب «الإسرائيلي» لم يعد يأخذ الأيديولوجية الصهيونية على محمل الجد، وأن عدد هؤلاء آخذ في الازدياد نظراً لازدياد عدد المهاجرين إلى الكيان (وبخاصة من روسيا) ودافعهم اقتصادي محض لا تشوبه أية شوائب أو ادعاءات أو مثاليات صهيونية.
ويرى أن هذا الفشل الأيديولوجي يولد أزمة تؤدي إلى إحساس بالعدمية يحاول الإنسان التغلب عليه من خلال الاستغراق في عنصر مادي بشكل كامل كشرب المخدرات والإباحية والاستهلاك.
وأشار إلى بعض الإحصاءات ذات الدلالة الاجتماعية الخاصة بالتجمع الصهيوني التي تبين معدلات التآكل الداخلي، وذكر منها:
1- تفاقم ظاهرتي شرب الخمر وتعاطي المخدرات، فقد نشرت جريدة «يديعوت أحرونوت» (2 يناير 2000م) أن تعاطي المخدرات الخفيفة في المزارع (الكيبوتس) تضاعف خلال 5 سنوات، حيث قام 23.5% من أبناء الكيبوتس ممن تراوحت أعمارهم بين 18 – 30 سنة بتعاطي مخدرات خفيفة خلال عام 1998م، مقابل 11.4% تعاطوا الحشيش والماريجوانا خلال عامي 1992-1993م.
وذكرت صحيفة «معاريف» (5 يونيو 2000م) أن استطلاعاً خاصاً أجرته وزارة العمل والرفاه الاجتماعي «الإسرائيلية» أظهر أن 37% من تلاميذ الصف العاشر في المدارس «الإسرائيلية» معتادون على تناول الخمر، وأن 8% من التلاميذ المعتادين على الشرب أبلغوا أنهم يستهلكون مراراً في الماء الواحد 6 كؤوس من الخمر.
2- التآكل الأسري، كارتفاع حالات الطلاق، وتزايد معدلات العنف بين الأطفال والشباب، فقد أشار الكاتب لما نشرته جريدة «معاريف» (25 يناير 2000م) أن من بين كل 3 حالات زواج يكون مصير حالة واحدة منها الطلاق.
3- الشذوذ الجنسي: يذكر الكاتب أن معظم المذاهب الدينية اليهودية المعاصرة مثل اليهودية الإصلاحية والمحافظة تقبلته وأنشأت مدارس دينية خاصة لتخريج الحاخامات الشواذ جنسياً.
ويلفت إلى أن تقبل المجتمع «الإسرائيلي» للشذوذ يظهر في أن عدد السحاقيات اللاتي أنجبن أطفالاً من خلال عمليات مختلفة هو الأعلى في العالم، وفق صحيفة «هاآرتس» (9 مايو 2000م)، متوقعاً أن ذلك يعود إلى محاولة الجيب الاستيطاني تجاوز أزمته الديمغرافية.
ويجيب المسيري في نهاية الفصل على ما إذا كان الكيان سينهار من الداخل، فيقول: إن ذلك سيكون بالنفي القاطع للأسباب التالية:
أولاً: مقومات حياة التجمع الصهيوني لا تنبع من داخله، وإنما من خارجه، فهو مدعوم مالياً وعسكرياً وسياسياً من الولايات المتحدة والعالم الغربي والجماعات اليهودية فيه.
ثانياً: يتسم المجتمع «الإسرائيلي» بالشفافية وبالتالي حينما تتضح ظواهر سلبية فإنه يقوم بدراستها والتصدي لها أو التكيف معها.
ثالثاً: توجد مؤسسات ديمقراطية وعلمية يمكن لكل قطاعات السكان في التجمع الصهيوني أن يقدموا الحلول من خلالها.
رابعاً: ثبت أن كثيراً من المجتمعات يمكنها أن تعيش في حالة أزمة عشرات بل مئات السنين، طالما أنه لا يتحداها أحد من الخارج، وأعتقد أن الحاسوب يساهم في هذه العملية، إذ يمكن للإنسان المتفسخ بشرياً أن يستمر في العمل من خلاله، وأن يطلق الصواريخ التي تصيب أهدافها بدقة بالغة حتى لو كان شاذاً جنسياً أو تعاطى الخمور في الليلة السابقة.
ويؤكد أن القضاء على الجيب الاستيطاني لا يمكن أن يتم إلا من خلال الجهاد اليومي المستمر ضده، مشيراً إلى أن عوامل التآكل في التجمع الصهيوني هي عوامل يمكن توظيفها لصالحنا، كما أنها تبين لنا حدود عدونا وأنه ليس قوة لا تقهر، لكها في حد ذاتها لا يمكنها أن تؤدي إلى انهياره.
وأخيراً، تطرق الكاتب في الفصل الثامن إلى نقاط التشابه بين النازيين والصهاينة، وتاريخ أول دولة يهودية في العصر الحديث وكيف تم القضاء عليها.