قبل فترة كنت قد نزحت إلى منطقة مستشفى الشفاء، لكن شاء الله تعالى أن أغادرها لانعدام الأمان، وبعد فترة قصيرة عاد أقاربي للمكان ذاته ظناً منهم بعودة الأمان لتلك المنطقة.
حقيقة، إن الأمر كان أكبر من التصور، خاصة أن دبابات الاحتلال «الإسرائيلي» بدأت بالقصف المتواصل على المستشفى والبيوت المجاورة.
حاولت الاتصال بأقاربي، لكن كان صوتهم مرتجفاً، خاصة أنه امتزج بصوت كثيف للقذائف، حيث كانوا في وضع صعب لم يستطيعوا التحرك من مكانهم، أو حتى تناول شيء من الطعام للسحور أو الإفطار، فكل حركة كانت محسوبة عليهم، فمكثوا أياماً دون طعام.
حرق البيوت بأهلها
وفي تلك المنطقة تحديداً، تم حرق العديد من البيوت وسكانها داخلها، فكان صوت صراخهم ينخفض تدريجياً إلى أن صمتوا بعد استشهادهم حرقاً.
الأوضاع مروعة، ومن الصعب وصفها، فعملية الإنقاذ كانت مستحيلة، وأصيب أحد أقاربي، وفشلت كل المحاولات لإنقاذه، فقد ترك ينزف لساعات طويلة أدت إلى استشهاده، وإلى الآن لم يتم انتشال جثمانه ودفنه نظراً لتمركز دبابات الاحتلال في المنطقة.
كان من الصعب إبلاغ عائلته باستشهاده نظراً لانقطاع الاتصال بها ومحاصرتهم من قبل الاحتلال.
إعدام المرضى والأطباء
ورغم أن كل الحقوق والقوانين الدولية التي يتغنى بها العالم تمنع استهداف المستشفيات والمس بالمرضى والأطباء بكل الظروف، لكن غزة كانت بعيدة كل البعد عن ذلك، فقد تم انتهاكها بحيث تجاوز الاحتلال كل الخطوط الحمراء من خلال استهداف مستشفيات غزة بشكل عام ومستشفى الشفاء بشكل خاص، حيث قصف مبانيه على رؤوس المرضى والطواقم الطبية.
واحتلال المستشفى وإطلاق النار على كل من تواجد فيه، وإعدام الأطباء والكوادر الطبية بشكل متعمد، وترك جثامينهم في مكانها، ولم تتمكن عائلاتهم إلى الآن من استلام جثامينهم ودفنها.
واعتقل الاحتلال عدداً من المرضى والجرحى، منهم من تم إعدامه مباشرة، وآخرون أخذهم إلى مناطق مجهولة لم يعرف عنهم شيء إلى الآن، ومن تبقى على قيد الحياة حوصر من قبل جنود الاحتلال دون طعام أو حتى شربة ماء.
رفع الأكسجين
ما أصعب الخبر الذي تلقيته حينما علمت أن قريبي محمداً قد استشهد! كنت أظن أن النزيف لم يتوقف بعد استهدافه من قبل الاحتلال وبتر قدمه، لكن الأمر لم يكن كذلك فحسب، فقد تم رفع الأكسجين عنه وهو على سرير المستشفى؛ ما أدى إلى استشهاده، كما استشهد عشرات من الجرحى بعد قطع الأكسجين عنهم وتوقف الأجهزة الطبية عن أجسادهم بعد قطع التيار الكهربائي من قبل الاحتلال بشكل متعمد.
وما زال العديد من الأطفال والنساء والرجال محاصرين في تلك المنطقة دون طعام، فهم يشربون الماء بالملح حتى يبقوا على قيد الحياة.
وما زالت الجثامين تحت الأنقاض الذين هدمت بيوتهم على رؤوسهم وهم أحياء دون رحمة.
مستشفى الشفاء كان لقطاع غزة بمثابة الأكسجين للمرضى والجرحى؛ نظراً لمساحته الواسعة واعتباره المستشفى الوحيد الذي تجرى به العمليات الكبرى، وغالباً تحوّل له أغلب الحالات المستعصية؛ ما يجعل استهدافه وتدمير مبانيه وأقسامه دليلاً واضحاً على عنجهية الاحتلال في إعدام كل شيء في غزة.