النهي عن تخصيص يوم الجمعة بالصيام:
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام» (أخرجه البخاري: كتاب الصوم، باب بركة السحور في غير إيجاب (1922)، ومسلم: كتاب الصوم، باب النهي عن الوصال (1102))، والحكمة في النهي عن تخصيص يوم الجمعة بالصيام أن يوم الجمعة عيد للأسبوع، فهو أحد الأعياد الشرعية الثلاثة؛ لأن الإسلام فيه أعياد ثلاثة هي عيد الفطر من رمضان، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع وهو يوم الجمعة، فمن أجل هذا نهى عن إفراده بالصوم، ولأن يوم الجمعة يوم ينبغي فيه للرجال التقدم إلى صلاة الجمعة، والاشتغال بالدعاء، والذكر فهو شبيه بيوم عرفة الذي لا يشرع للحاج أن يصومه؛ لأنه مشتغل بالدعاء والذكر، ومن المعلوم أنه عند تزاحم العبادات التي يمكن تأجيل بعضها يقدم ما لا يمكن تأجيله على ما يمكن تأجيله، فإذا قال قائل: إن هذا التعليل بكونه عيداً للأسبوع يقتضي أن يكون صومه محرماً كيوم العيدين لا إفراده فقط، قلنا: إنه يختلف عن يوم العيدين؛ لأنه يتكرر في كل شهر أربع مرات، فلهذا لم يكن النهي فيه على التحريم.
ثم إن هناك أيضاً معانيَ أخرى في العيدين لا توجد في يوم الجمعة، وأما إذا صام يوماً قبله أو يوماً بعده فإن الصيام حينئذ يُعلم بأنه ليس الغرض منه تخصيص يوم الجمعة بالصوم؛ لأنه صام يوماً قبله وهو الخميس، أو يوماً بعده وهو يوم السبت.
أما قول: هل هذا خاص بالنفل أم يعم القضاء؟ فإن ظاهر الأدلة العموم، وأنه يكره تخصيصه بصوم سواء كان لفريضة، أو نافلة، اللهم إلا أن يكون الإنسان صاحب عمل لا يفرغ من العمل ولا يتسنى أن يقضي صومه إلا في يوم الجمعة فحينئذ لا يكره له أن يفرده بالصوم؛ لأنه محتاج إلى ذلك(1).
النهي عن تخصيص يوم السبت بالصيام:
أكد العلماء كراهة إفراد يوم السبت بالصيام؛ لما روى عن عبدالله بن بسر عن أخته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض الله عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة، أو عود شجرة فليمضغه» (أخرجه الترمذي (744) وأبو داود (2421) وابن ماجه (1726) وصححه الألباني في «الإرواء» (960))، و«لحاء عنبة»؛ أي القشرة التي تكون حول الحبة من العنب، «فليمضغه» فيه تأكيد على الإفطار في هذه اليوم.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن إفراد يوم السبت بالصيام فقال: وليعلم أن صيام يوم السبت له أحوال:
الأولى: أن يكون في فرضٍ كرمضان أداء، أو قضاءٍ، وكصيام الكفارة، وبدل هدي التمتع، ونحو ذلك، فهذا لا بأس به ما لم يخصه بذلك معتقداً أن له مزية.
الثانية: أن يصوم قبله يوم الجمعة فلا بأس به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لإحدى أمهات المؤمنين وقد صامت يوم الجمعة: «أصمت أمس؟»، قالت: لا، قال: «أتصومين غداً؟»، قالت: لا، قال: «فأفطري»، فقوله صلى الله عليه وسلم: «أتصومين غداً؟» يدل على جواز صومه مع الجمعة.
الثالثة: أن يصادف صيام أيام مشروعة؛ كأيام البيض، ويوم عرفة، ويوم عاشوراء، وستة أيام من شوال لمن صام رمضان، وتسع ذي الحجة فلا بأس، لأنه لم يصمه لأنه يوم السبت، بل لأنه من الأيام التي يشرع صومها.
الرابعة: أن يصادف عادة كعادة من يصوم يوماً ويفطر يوماً، فيصادف يوم صومه يوم السبت فلا بأس به، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما نهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين: «إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه»، وهذا مثله.
الخامسة: أن يخصه بصوم تطوع فيفرده بالصوم، فهذا محل النهي في الحديث(2).
__________________________
(1) فتاوى أركان الإسلام، الشيخ ابن عثيمين يرحمه الله، بتصرف.
(2) مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (20/ 57)، بتصرف.