خرج المنادي يتجول في الشوارع ويقول:
– من أراد الزواج نزوجه.
– من أراد أن يبني بيتاً، نبني له.
– المديون نقضي دينه.
– من أراد أن يذهب إلى الحج أو يعتمر نأخذه.
أتعلمون أين هذا؟! ومتى؟!
إنه في عهد خامس الخلفاء الراشدين، الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه.
فقد جاؤوا إليه بأموال الزكاة والصدقات، فقال: أنفقوها على الفقراء.
فقالوا: لم يعد في أمة الإسلام فقراء.
قال: فجهزوا بها الجيوش.
قالوا: جيوش الإسلام تجوب الدنيا.
قال: فزوجوا الشباب.
قالوا: من كان يريد الزواج زُوِّج، وبقي مال.
قال: اقضوا الديون عن المدينين.
فقضوها وبقي مال.
فقال: انظروا المسيحيين واليهود، من كان عليه دين فسددوا عنه.
ففعلوا وبقي مال.
فقال: أعطوا أهل العلم.
فأعطوهم وبقي مال.
فقال: اشتروا بها قمحاً وانثروه على رؤوس الجبال، لكيلا يقال جاع طير في بلاد المسلمين.
إنه أبو حفص، عمر بن عبدالعزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، والدته أم عاصم ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب.
وكان لجدته لأمه موقف مع عمر بن الخطاب، تلك الفتاة التي رفضت خلط اللبن بالماء.
وهو ثامن الخلفاء الأمويين.
ولد عام 61هـ في المدينة المنورة، وتوفي عام 101هـ في الشام، بسبب المرض.
تولى الحكم وعمره 37 عاماً ونصف عام، وحكم عامين و4 أشهر (99 – 101هـ، 717 – 720م).
اتصف بالزهد، وتولى تدوين الحديث النبوي والسيرة، ونشر العلم بين الرعية، واهتم بالعمل بالشورى، وعزل جميع الولاة الظالمين، ورد المظالم إلى أهلها، ونشر العدل، حتى قيل عنه «خامس الخلفاء الراشدين».
رحم الله عمر بن عبدالعزيز، ورزق الأمة من هو مثله.
******
قال يحيى بن معاذ: مصيبتان للمرء في ماله عند موته، لم يسمع الأولون والآخرون بمثلهما.
قيل: ما هما؟
قال: يؤخذ منه كله، ويُسأل عنه كله.
_____________________
المصدر: «الوطن».