روى أبو داود، وابن ماجه بسند صحيح، عن عبدالله بن عباس، قال: فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات.
فقد لفت الحديث أنظارنا إلى الجانب المجتمعي لزكاة الفطر، من خلال قوله: «طعمة للمساكين»، فهي مثال للنظام التكافلي في الإسلام، وتظهر الفوائد الاجتماعية لزكاة الفطر من خلال النقاط الآتية:
أولاً: التيسير على المعسرين والحرص على قضاء حوائجهم:
تأتي زكاة الفطر في خواتيم رمضان، واستقبال عيد الفطر، فإذا أقبل العيد؛ فإن الناس يفرحون به، فيأكلون أطيب الطعام، ويشربون ألذ الشراب، ويلبسون أجمل الثياب، وهنا يقف الفقير عاجزاً عن تلبية احتياجاته واحتياجات أهله من المطعومات والمشروبات والملبوسات، فتأتي الزكاة تيسيراً على المعسرين، وتنفيساً عن المكروبين، وجبراً لقلوب وخواطر المنكسرين، وستراً للفقراء والمساكين.
إنها الوسيلة الفاعلة في حماية الفقير من قهر الرجال، الذي يشعر به الرجل المسؤول عن الأسرة، حين يقف أمام أولاده وزوجته، في وقت يتنعم فيه الناس من حوله، وهو عاجز عن الوصول إلى الحد الأدنى مما وصلوا إليه.
ولهذا كان من عجيب ما في هذه الزكاة أنها فرضت من غالب قوت أهل البلد(1)؛ وفي هذا ما يجعل الفقير مشاركاً لمن يعيشون معه في البلد الواحد في نوع طعامهم وشرابهم، حتى لا يشعر بالعجز أو القصور أو الصغار بينهم، ولهذا كان من أهم مقاصد إخراج زكاة الفطر إغناء الفقير عن المذلة في يوم العيد، فهو يأخذ من الزكاة قبل العيد، فينتفع بها في كل ما يقضي له حاجته في هذا اليوم.
ويظهر الحرص الإسلامي على التيسير وقضاء حوائج الفقير في زكاة الفطر عند مطالعة أقوال الفقهاء في طريقة إخراجها، هل تخرج من الطعام أم قيمته؟ فهذا مما اختلف فيه بين الفقهاء، حيث أوجب المالكية والشافعية والحنابلة الالتزام بأصل الطعام، واستدلوا بما رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال: كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِن طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِن تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِن أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِن زَبِيبٍ.
وأجاز الإمام أبي حنيفة اللجوء إلى القيمة، مراعاة لحال الفقير(2)، وقال بذلك أيضاً الأئمة الحسن البصري، وسفيان الثوري، وخامس الراشدين عمر بن عبدالعزيز(3)، بل لقد صرح الإمام ابن تيمية بوجوب النظر إلى مصلحة الفقير وما تقتضيه حاجته(4).
والناظر في هذا الاختلاف بين الفقهاء يجد أنه يثمر فائدة عظيمة في المجتمع، وهي شمول التيسير على الفقراء والمحتاجين كل احتياجاتهم، فمن التزم بإخراج الزكاة من الطعام؛ فإنه ييسر على الفقراء أمر طعامهم، ومن أخرجها من المال؛ فإنه ييسر على الفقراء أمر أموالهم.
ثانياً: إدخال السرور على الفقراء وتعميم السعادة على المجتمع:
العيد يومٌ سعيد على الجميع، ولا ينبغي أن يستثنى من هذه السعادة أحد، بسبب فقره أو ضيق ذات يده، ولهذا جاءت زكاة الفطر تدخل السرور على قلوب المحتاجين، وترسم البسمة على وجوههم في يوم العيد.
وإن الناظر في تحديد موعد إخراجها يجد أن الفقهاء قد اتفقوا على إخراجها قبل صلاة العيد، حتى لا يتشاغل الفقير بهموم طعامه وشرابه، وحتى يغتني الفقراء عن الطواف والمذلة، وهذه كلها مقاصد تسعى إلى تحقيق السعادة.
كما أشار المالكية والحنابلة إلى تقديم موعد إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين(5)، وأشار بعض الفقهاء إلى إخراجها منذ منتصف شهر رمضان المبارك(6)، والدافع الذي انطلق منه هؤلاء جميعاً مصلحة الفقير وتوفير الوقت الكافي لكي يستعد لفرحة العيد.
ولأجل هذه السعادة شرع الإسلام شعيرتين عظيمتين في العيدين اللذين نحتفل بهما، وهما عيد الفطر، وعيد الأضحى، ففي عيد الفطر شُرعت زكاة الفطر، وفي عيد الأضحى شرعت الأضحية، وحث الإسلام على تعظيم الشعيرتين، وإتيان المسلمين بهما، وكل من يأتي بهما يجعل للفقراء نصيباً منهما، حتى تعم السعادة على الجميع، يسعد الغني بالعطاء، كما يسعد الفقير بالإغناء.
ثالثاً: تقوية الروابط الاجتماعية:
زكاة الفطر نوع من أنواع التكافل بين الناس، وخاصة في المناسبات المهمة، كالأعياد وما يلزمها من زيادة التكاليف والمصروفات؛ ولهذا لم يشترط الشرع الإسلامي في دافعها أن يبلغ حد الغنى المطلوب في دافع الزكاة المفروضة، بل أكد جمهور الفقهاء وجوب زكاة الفطر على من كان عنده قوت يومه(7)، واستدلوا على ذلك بما رواه سهل بن الحنظلية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار»، فقالوا: يا رسول الله، وما يغنيه؟ قال: «أن يَكونَ له شِبْعُ يومٍ وليلةٍ»(8)، والسبب في فرضها على من يملك قوت يومه هو تعويد الناس جميعاً على العطاء والبذل، وتوسيع دائرة التكافل بين الناس، فالجميع يعطي مما تيسر له، وفي هذا ما يحيي روح المساندة والمساعدة والمعاضدة بين الناس، وشعور بعضهم ببعض، وهو ما يقوِّي الروابط والصلات بين أفراد المجتمع المسلم.
ويضاف إلى هذا أن الفقير حين يجد من يهتم به ويعطف عليه ويعطيه مما عنده فإنه يحب الخير لهذا الغني ويدعو له بالمزيد، ويزول الحقد من قلبه تجاه الأغنياء، فلا يحسد ولا يفكر في السرقة أو غيرها، مما يؤدي إلى تماسك المجتمع المسلم وتقوية بنائه.
______________________
(1) المجموع: للنووي (6/ 130).
(2) الموسوعة الفقهية الكويتية (23/ 343).
(3) شهر رمضان وفقه الصيام القيام، د. يوسف القرضاوي، ص 224.
(4) مجموع الفتاوى، لابن تيمية (1/ 299).
(5) الموسوعة الفقهية الكويتية (23/ 341).
(6) المغني، لابن قدامة (4/ 300).
(7) الموسوعة الفقهية الكويتية (23/ 337).
(8) أخرجه أبو داود (1629)، وأحمد (17625).