لا يبتعد مسلسل «الحشاشين» كثيراً عن الأعمال الدرامية التي تنقل رسائل محددة للجمهور في إطار تزيف الوعي وتكوين صورة ذهنية مغلوطة عن أحداث بعينها، فضلاً عن التوظيف السياسي للنيل من المعارضين، وهو ما بدا جلياً في قيام الذباب الإلكتروني بربط طائفة «الحشاشين» بالإخوان المسلمين.
من هم الحشاشون؟
بعد وفاة الإمام جعفر الصادق عام 765م، ظهر «الإسماعيليون»، نسبة إلى إسماعيل الابن الأكبر للإمام جعفر الصادق، وبتولي الخليفة الفاطمي المستنصر انقسم الإسماعيليون إلى فرقتين؛ إحداهما يطق عليها النزارية نسبة إلى نزار الابن الأكبر للمستنصر، والأخرى يطلق عليها المستعلية نسبة إلى المستعلي الابن الثاني للمستنصر، والحشاشون طائفة خرجت من رحم الإسماعيلية النزارية، أسسها حسن بن الصباح المولود بالري بإيران، وقيل بقُم عام 1039م، لمحاربة العباسيين والسلاجقة فضلاً عن القوى السُّنية الأخرى من الزنكيين والأيوبيين وغيرهم من المسلمين السُّنة.
وأطلق عليهم لقب الحشاشين أو الحشاشية؛ لأنهم كانوا يختبئون وسط الحشائش أثناء الترصد لأعدائهم ومعارضيهم، وقيل لأنهم أدمنوا شرب الحشيش قبل أن يقدموا على عمليات القتل والدمار.
وقد عرفت هذه الطائفة بامتلاكها مهارات فائقة في القتل وتصفية الخصوم، واللجوء للاغتيالات السياسية؛ الأمر الذي جعل جل حكام عصرهم يخشونهم، وكانت نهاية هذه الطائفة على يد القائد المغولي هولاكو عام 1256م.
مكايدة سياسية
لا إشكالية على الإطلاق أن تشتبك الأعمال الدرامية والفنية مع قضايا واقعها، وتناقش ملفات تاريخية سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو ثقافية، شريطة تحري المصداقية وطرح روشتة للعلاج، لكن استدعاء تاريخ حركة مضى على إنشائها ألف سنة تقريباً عبر عمل درامي بتكلفة إنتاجية ضخمة حيث جرى تصوير بعض المشاهد في أكثر من مكان ما بين كازاخستان ومالطا، يثير العديد من التساؤلات والشكوك.
فما جرى في مسلسل «الحشاشين» لا يخرج عن كونه مكايدة سياسية رخيصة بكل معنى الكلمة، فقد حاول صناع المسلسل الربط بين طائفة الحشاشين وجماعة الإخوان المسلمين المعاصرة في أن كلتيهما تتبنى «الإرهاب»، وإقناع الأتباع باعتناق معتقدات وأفكار خاطئة لتبرير جرائمهم، ولهذا من يتأمل أول مشاهد المسلسل الذي جاء في 30 حلقة يرى حواراً بين حسن الصباح، مؤسس الحشاشين، وأحد أتباعه يسأل فيه القائد: «تفدي الدعوة بإيه؟»، فيجيب التابع: «بروحي، وروحي فداء صاحب مفتاح الجنة»!
لقد لفت انتباهي في الدعاية الغزيرة للمسلسل التركيز على كلمة «أنا صاحب مفتاح الجنة» على لسان الزعيم حسن الصباح، وفي ثنايا العمل يبدو أتباع الزعيم ملتزمين بالطاعة العمياء منساقين كالدواب لاغين لعقولهم، كما لو أنهم مخدرون، في محاولة لتشويه جماعات الإسلام السياسي وفي القلب منها «الإخوان»، والنيل منها فنيا وسياسيا.
يروج مسلسل «الحشاشين» بوضوح لقيام «البطل» حسن الصباح بأخذ أتباعه في قلعة بعيدة، وقد ألغى عقولهم بمخدر الحشيش، وأوكل إليهم مهمة التخطيط لتنفيذ اغتيالات سياسية وعمليات فدائية من أجل الوصول إلى الجنة التي يملك هو مفتاحها.
ويحاول صناع المسلسل المدعوم من جهات أمنية، محاولة الربط بين «الحشاشين» و«الإخوان»، والقيام بإسقاطات سياسية كنوع من المكايدة والخصومة، من خلال الزعم بأن الجماعتين مسلحتان وتعملان بشكل سري وتستخدمان التقية للتخفي، وتلتزمان بالطاعة العمياء، وتبرعان في تجنيد الأتباع واستخدام الدين مطية لتبرير الاغتيالات السياسية وإراقة الدماء باعتبار أن ذلك من مقاصد الدين، كما تعملان على إضعاف الدولة بشكل ممنهج، وأن أي جماعة تعمل بشكل سري فمصيرها الموت والفناء، ولئن كانت «الحشاشين» قد انتهت وارتاح العالم من شرورها، فليؤيدنا الجميع في التخلص من مثيلاتها من الحركات التي تصنع صنيعها وتعتنق نفس منهجها، في محاولة لتبرير قتل «الإخوان» والتخلص منهم رغم تبنيهم مبدأ السلمية.
ومن أجل هذه الفكرة الرئيسة التي يدور عليها العمل، لم يدخر صناعه وسعاً في إيراد قصص وهمية لم تذكر بأي مرجع تاريخي موثوق، والاستعانة بلغة عامية للوصول إلى شرائح واسعة من الشعب المصري، فضلاً عن منع الأدباء والنقاد والمؤرخين ممن أبدوا رفضهم للعمل، من نقد المسلسل عبر النوافذ الإعلامية الرسمية.
لقد بدا في هذا العمل الدرامي أن الربط بين حركة شيعية خارجة على القانون والشرع كحركة «الحشاشين»، وحركة سُنية وطنية كـ«الإخوان»، إنما هو محض توظيف سياسي واستدعاء أرعن، وتكلف مبالغ فيه، وكبير فرق بين طاعة عمياء مرتكزة على تقديس يتعارض مع الدين والعقل، وطاعة تأتي ضمن إجراءات تنظيمية تضمن سير العمل في تجمع بشري ضخم يحمل في صدره مهمة عظيمة، وأهدافاً نبيلة، ويتخذ كافة قراراته وفق مقتضيات الشوري.
كذلك هناك فرق كبير بين حركة عاثت في الأرض فساداً وحركة ترفع منذ تأسيسها شعار السلمية حتى في أحلك الظروف والأوقات، ولم يوجه سلاحها إلا لطرد المحتل الأجنبي والصهاينة المجرمين في فلسطينن ووصلوا للحكم عبر الديمقراطية، التي لم يرتضها ممولو المسلسل، الذين دأبوا على مدار أعمال فنية أخرى، على تشويه صورة الإسلاميين، وإلصاق كل نقيصة بهم.
الهدف الأصغر هو التخويف من الاخوان ولكن الهدف الاعلى والأهم هو ارهاب الناس وخصوصا الشباب ومن يدعون إلى حكم اسلامي رشيد وايهامهم ان التاريخ الاسلامي ليس كما يحلمون وانه ملىء بالدموية والخصومة