الإصلاح صفة أصيلة في المنتسبين إلى الله تعالى، الذين يحملون لواء دعوته في كل زمان ومكان، وليست فعلًا مؤقتًا مرتبطًا بظروف خاصة، أو ردًّا لفعل الآخرين.. ومن شروط الإصلاح أن يكون شاملًا كاملًا، تشارك فيه الأمة جميعها، وتتجه نحوه الأمة جميعها، ويتناول كل الأوضاع القائمة بالتغيير والتبديل؛ من أجل إرشاد الناس إلى نظام اجتماعي يتناول شئون الحياة جميعًا هو الإسلام؛ وللوقوف في وجه الموجة الطاغية من مدنية المادة وحضارة المتع والشهوات التي جرفت الشعوب الإسلامية فأبعدتها عن هداية القرآن.. والمصلحون لا يقفون عند هذا الحدّ من التغيير، بل يلاحقون هذه الحضارة المادية المتغطرسة في أرضها، ويغزونها في عقر دارها، حتى توقن الدنيا كلها بعدالة الإسلام، وحينئذ يتحقق للمسلم ما ينشده، فلا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
أركان النهوض
ومن مهام المصلح للنهوض بالأمة:
– العمل على رفع مستوى معيشة الأفراد، وتنمية ثروات الأمة وحمايتها، وتحقيق العدالة الاجتماعية والتأمين الاجتماعي لكل مواطن، ومكافحة الجهل والمرض والفقر والرذيلة، وتشجيع أعمال البر والخير.
– تحرير الوطن الإسلامي بكل أجزائه من كل سلطان غير إسلامي، ومساعدة الأقليات الإسلامية في كل مكان، والسعي إلى تجميع المسلمين حتى يصيروا أمة واحدة.
– قيام الدولة الإسلامية التي تنفِّذ أحكام الإسلام وتعاليمه عمليًّا، وتحرسها في الداخل، وتعمل على نشرها وتبليغها في الخارج.
ويتوقف نجاح هذه المهام على النجاح في تربية وتكوين أفراد يقومون بهذه المهمة خير قيام، والنجاح في تأمين قاعدة جماهيرية تكون على قناعة تامّة بقدرة المنهج الإسلامي على إمداد الأمة الناهضة بما تحتاج إليه في نواحيها السياسية والقضائية والإدارية والاجتماعية والعلمية والاقتصادية.
مجالات الإصلاح
وتتعدد مجالات الإصلاح والتغيير بتعدد مجالات الحياة، بدءًا من الإصلاح السياسي، الذي يحض عليه الإسلام، ويحرّم -من ثم- البدعة المستحدثة بفصل الدين عن الدولة. وفي إطار هذا الإصلاح: إصلاح الحكم، وتربية الشعب على العزة والكرامة، والنهوض من أجل إقامة دولة الإسلام؛ إذ الحكومة ركن من أركانه، وأصل من أصوله الفقهية وليست فرعًا، وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن؛ ما يفرض على الشعوب اختيار حاكمها؛ فالحاكم مسئول بين يدي الله وبين يدي الناس، وهو أجير لهم وعامل لديهم، ومن حق الأمة الإسلامية أن تراقبه أدق مراقبة، وتشير عليه بما ترى فيه الخير، وعليه أن يشاورها وأن يحترم إرادتها، وأن يأخذ بالصالح من آرائها.. وفي إطار الإصلاح السياسي كذلك عدم الرضا بالتبعية التي جرّت على عالمنا الإسلامي العديد من الويلات، وجعلته في مرتبة ذليلة نهى عنها الدين، بل النفرة إلى التحرر الوطني والقومي، وإلى إيجاد دولة إسلامية تعمل بأحكام الشريعة وتطبق أحكامها ونظمها.
السعي لتحرير اقتصاد الأمة
لا يخفى على أحد أن كل المقومات الاقتصادية لأمتنا صارت رهنًا للغرب الذي يتحكّم في كل شيء، حتى صرنا نعمل في خدمته، وحتى صارت الأمة -على غناها وما تمتلكه من ثروات هائلة وميزات فريدة– أمة العوز، تستجدي قوتها، وتعاني بلدانها الغلاء والبلاء، ويحاصرها الفقر والجهل والمرض من كل ناحية.. وهذا ما يدفع المصلحين إلى العمل على تحرير الاقتصادات الوطنية من هذه السيطرة؛ بالاعتماد على الذات في المأكل والمشرب والعلاج والتسليح؛ ليكون قرارنا من رأسنا، وللتحلل من ربقة التبعية المقيتة التي أذلت أعناق الأنظمة.. أما محور هذا الإصلاح فهو الإنسان؛ العمود الفقري للنهضة الاقتصادية، والقيم والأخلاق لا ينفصلان عنها، ومنها: الحرص، كل الحرص، على أداء العمل من حيث الإجادة والإتقان، وعدم الغش، وضبط الموعد، والبعد عن الربا في جميع المعاملات، وخدمة الثروة الإسلامية العامة بتشجيع المصنوعات والمنشآت الاقتصادية الإسلامية، وألا نلبس ولا نأكل إلا من صنع وطننا الإسلامي؛ وادخار جزء من الدخل للطوارئ، مهما قلّ ذلك الدخل، مع عدم التورط في الكماليات.
إرساء قواعد العدل الاجتماعي وإرشاد المجتمع
المصلح حريص على إرشاد المجتمع؛ بنشر دعوة الخير فيه، ومحاربة الرذائل والمنكرات، وتشجيع الفضائل، والأمر بالمعروف، والمبادرة إلى فعل الخير، وكسب الرأي العام إلى جانب الفكرة الإسلامية، وصبغ مظاهر الحياة العامة بها دائمًا. وأحد أركان الإصلاح والنهوض: تحقيق العدالة الاجتماعية، والتأمين الاجتماعي لكل مواطن، ومكافحة الجهل والمرض والرذيلة، وتشجيع وترسيخ صور التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع وفئاته، والمساهمة في تقديم حلول لمشكلاته؛ بإنشاء المؤسسات التربوية الاجتماعية والاقتصادية والعلمية، وتأسيس المساجد والمدارس والمستوصفات والملاجئ والنوادي، وتأليف اللجان لتنظيم الزكاة والصدقات وأعمال البر والإصلاح بين الأفراد والأسر.. ومن واجبات المصلح: العمل -قدر الاستطاعة- على إحياء العادات الإسلامية، وإماتة العادات الأعجمية في كل مظاهر الحياة، ومن ذلك: التحية، واللغة، والتاريخ، والزي، والأثاث، ومواعيد العمل والراحة، والطعام والشراب، والقدوم والانصراف، والحزن والسرور وغيرها، وأن يتحرى السنة المطهرة في كل ذلك.
إنصاف المرأة ركن من أركان الإصلاح
المرأة جزء أصيل في المجتمع المسلم، ودورها عظيم في إعداد النشء وإقامة البيت المسلم، ودورها الإصلاحي أعظم؛ فلزم الإقرار بـ:
– حق المرأة المسلمة في التعلّم، وفي الخروج والعمل أعمالًا تناسبها وتخدم المجتمع، بزيها وهيئتها التي فرضها عليها الدين.
– المساواة بين الرجل والمرأة، إلا في الفروق البدنية بينهما، والتي تفرِّق بالتالي في رسالة وعمل كل منهما.
– حق المجتمع في منع الاختلاط، والخلوة، والتبرج، والخلاعة.
– علاج قضية المرأة لا بد أن يتم وفق تعاليم الإسلام، حتى لا تُترك هذه القضية التي هي أهم قضايا الاجتماع تحت رحمة الأقلام المغرضة والآراء الشاذة بين الغالين والمفرِّطين.