كثرت عمليات البحث على مواقع التواصل الاجتماعي عن كتاب «رسائل من القرآن» للكاتب الفلسطيني أدهم الشرقاوي، بعد ظهور كتابه على منضدة أحد المقاومين الفلسطينيين وهو يعد للعملية الجهادية الكبرى يوم 26 رمضان 1445هـ، وتساءل الكثيرون عن مادة الكتاب الذي حرص المجاهد على اقتنائه وقراءته قبل عملية قد يعود منها وقد يرقى لربه شهيداً.
في هذه السطور نقدم قراءة سريعة ورسائل مركزة من هذا الكتاب.
يتكون الكتاب من 271 صفحة من الحجم الصغير، عبارة عن رسائل مقتبسة من كتاب الله كتنبيه للمسلم اليقظ.
يقول المؤلف في مقدمته الرقيقة وإهدائه الهادئ: تعزم على الذنب فتمر بك جنازة فترتدع، تغريك قوتك بظلم ضعيف فتمرض فتعتبر، تفرط الثقة بالناس فيأتيك الخذلان فتتعظ، تذنب فيضيق صدرك فتسمع آية فتنشرح.. كل هذه رسائل من الله، هذا الكتاب بعنوان «رسائل من القرآن» مهدى إلى كل الذين يؤمنون أن الله سبحانه دوماً يرسل إلينا الرسائل ليعيدنا إليه.
ومن بين تلك الرسائل سنتخير منها عشراً، هي:
الأولى: (بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) (القيامة: 14):
لن ينفعك مدح المادحين إن كانوا مدحوك بما ليس فيك، ولن يضرك قدح القادحين إن كانوا ذموك بما ليس فيك، ومهما بلغ الإنسان من الصلاح فلا بد له من كاره، حتى الأنبياء لم يحبهم كل الناس، ومهما بلغ الإنسان من الفجور فلا بد له من محب، حتى فرعون، والنمرود كان لديهما من يحبونهما.
قال مطرف بن عبدالله: قال لي الإمام مالك: ما يقول الناس فيّ؟ فقلت: أما الصديق فيثني عليك، وأما العدو فيقع فيك، فقال: ما زال الناس كذلك، ولكن نعوذ بالله من اتفاق الألسنة كلها.
الثانية: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران: 133):
سارعوا؛ لأن الموت لا ينتظر.. غداً أتوب، غداً أضع برنامجاً للقراءة، وغداً أتبع حمية غذائية، يأتي الغد ولا ننفذ شيئاً مما نويناه، أما عن طول الأمل، فكلنا يعتقد أن الموت بعيد.
سارعوا؛ لأن تأخر لحظات قد يكلفك عمراً كاملاً، يقول الصنابحي: خرجنا من اليمن مهاجرين نريد النبي صلى الله عليه وسلم فلما وصلنا المدينة قيل لنا: مات رسول الله منذ خمس ليال، تأخُّر خمس ليال حرمهم شرف الصحبة.
الثالثة: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ) (مريم: 7):
وهَن عظمه، واشتعل الرأس شيباً، وكانت امرأته عاقراً، لكنه كان يعرف أن الأسباب تحكم الناس، ولا تحكم الله جل في علاه، فرفع يديه ودعا: (فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً) (مريم: 5)، فجاءته الاستجابة: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ) (مريم: 7).
من علق قلبه بالأسباب تركه الله عليها، ومن علق قلبه بالله هيأ له الأسباب.
الرابعة: (لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) (النور: 11):
ألطاف الله تجري ونحن لا ندري، وفي كل شر يقع بنا، خير سنكتشفه لاحقاً، السفينة في سورة الكهف لو لم تثقب لأخذها الملك غصباً وخسر الفقراء مصدر رزقهم، والغلام لو لم يقتل، لشقي وأشقى والديه، حتى الجدار لو لم يقم لضاع حق اليتيمين.
ثقوا بالله، فرب الخير لا يأتي إلا بخير.
الخامسة: (الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ) (التوبة: 117):
الآية نزلت في الصحابة في غزوة «تبوك»، الغزوة الأصعب بين غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، فهي الغزوة الأبعد مسافة، والطقس يومها صيف، والحر شديد، والصحراء لظى، وسمي جيشها بـ«جيش العسرة»؛ لأنه لم يكن هناك مال لتجهيز الجيش، ومع ذلك سمى الله تعالى كل هذه المشقة «ساعة العسرة».
الوقت يمضي سريعاً، والأيام تتبدل كأنها الريح، ولا يبقى من الطاعة إلا أجرها، ولا يبقى من المعصية إلا وزرها، وقد كانوا يتواصون في الشدائد: إنما هي أيام وتمضي، والموعد الجنة.
السادسة: (فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ) (المائدة: 85) (وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ) (المائدة: 64):
لا تستهن بالكلمات أبداً، كلمة واحدة قد تقودك إلى الجنة، وأخرى قد تقودك إلى النار، قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ وهو يشير إلى لسانه: «أمسك عليك هذا»، فقال له معاذ: أومؤاخذون نحن بما نقول يا رسول الله؟ فقال له: «ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس على وجوههم في النار، إلا حصائد ألسنتهم؟».
السابعة: (وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا) (الأنعام: 59):
كيف بهذا الخير الذي في قلبك؟ وكيف بهذا الحب الذي تحمله للناس؟ وكيف بفرحك بنجاح الجميع كأنه نجاحك؟ وكيف بألمك لألم الناس كأنه ألمك؟
إن الله لا ينظر إلينا من فوق، وإنما ينظر إلينا من الداخل، فأصلح موضع نظر الملك؛ «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب».
الثامنة: (وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف: 87):
قالوا: أفضل العبادة انتظار الفرج، أن يكون كل ما حولك يوحي أن ليس هناك حل، ولكنك مؤمن أن الأمر بيد الله، وأن كل ما حولك مجرد أسباب تجري على الناس لا على الله.
لا تيأسوا، لم يقلها يعقوب عليه السلام في رخاء، قالها حين فقد بنيامين، بعد فقده ليوسف، فما هي إلا أيام حتى كان يشم ريح يوسف، وما هي إلا أيام بعدها حتى كان يضمه إلى صدره، ثق بالله دوماً.
التاسعة: (فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ) (القصص: 24):
لا تنتظر الثناء على كل خير تفعله، ولا تبحث عن التصفيق على كل عمل بطولي، عش بقلب أبيض، ساعد من يحتاج المساعدة، وواسِ من يحتاج المواساة، أقِل متعثراً، وانصر ضعيفاً، اجعل فعل الخير عادة فيك كالتنفس.
إذا تصدقت، فأشح بنظرك سريعاً كي لا ترى انكسار الفقير أمام عينيك، وما أنبل موسى عليه السلام حين قدم يد المساعدة ثم مضى، فأثابه الله بما هو أجمل من كلمة شكر، تذكر دوماً أنك تتعامل مع الكريم.
العاشرة: (قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى) (طه: 68):
الباطل يكسب معركة، ولكن الحق يكسب الحرب، كسب النمرود معركة، ولكن موسى عليه السلام كسب الحرب، وخرج محمد صلى الله عليه وسلم من مكة متسللاً تحت جنح الظلام، فعاد إليها في وضح النهار ودخلها من أبوابها الأربعة، لا يفتننك الباطل لأنه كسب معركة، ولا تفقد ثقتك بالحق لأنه لم يكسب الحرب بعد.
يملي الله للباطل لأنه يريد أن يعريه، ويؤخر انتصار الحق لأنه يريد أن ينقيه، إذا بلغ الباطل ذروته فهذا يعني أن انتصار الحق اقترب.
سنة الله في الكون أنه ما بلغ شيء تمامه إلا وبدأ رحلة القهقري، فتذكر أن أشد ساعات الليل ظلمة هي تلك التي تسبق الفجر بقليل.
__________________________
(*) كاتب فلسطيني، ولد ونشأ في مدينة صور اللبنانية، حاصل على دبلوم تربية رياضية من كلية التربية، وإجازة وماجستير في الأدب العربي من الجامعة اللبنانية في بيروت، عمل في صحيفة «الوطن» القطرية، بدأ بالكتابة عبر منصة «منتدى الساخر»، ثم أصدر أول كتاب له عام 2012م بعنوان «أحاديث الصباح».