بعد انتهاء شهر الصوم، قد يفتر المرء بعد رمضان، وقد يصيبه الخمول والكسل عن الطاعة، ظناً منه أنه اجتهد في العبادة كثيراً خلال الشهر الفضيل، ولا بد من الراحة والنوم والتنزه.
لكن المرء قد ينغمس في فترة الدعة والراحة، وقد تطول لديه مرحلة الفتور، ليفقد الجرعة الإيمانية والروحانية التي اكتسبها خلال رمضان.
لذلك، هناك من المعينات على الطاعة الكثير، التي حثت عليها السُّنة النبوية الشريفة، لتمنح المسلم القدرة على مواصلة العبادة، وألا يصبح عبداً رمضانياً، بل يكون إنساناً إيمانياً روحانياً على مدار شهور السنة، عملاً بقوله تعالى: (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) (النجم: 39).
ومن علامات الكياسة والفطنة عند المؤمن أن يجعل من شهر رمضان محطة زاد ومؤنة، تعينه على قضاء باقي شهور العام في حالة إيمانية طيبة، وقريبة من الله، كما كان حالة صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، الذين كانوا يتهيئون لرمضان ويستقبلونه من قبله بستة أشهر، ويظلون في وداعه ستة أشهر.
لذلك على المسلم أن يغتنم ما بعد رمضان، عملاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها، لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبداً».
هذه السطور تلخص 5 وصايا أشبه بمحطات إيمانية أو إشارات كخارطة طريق إيمانية للمسلم بعد رمضان، تتضمن:
أولاً: صيام ست من شوال؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر» (أخرجه الإمام مسلم في صحيحه)، وهذه الست ليس لها أيام معدودة معينة، بل يختارها المؤمن من جميع الشهر، وإن بادر إليها وتابعها في أول الشهر كان ذلك أفضل من باب المسارعة إلى الخير.
ثانياً: المحافظة على الصلاة في جماعة، والذكر، والاستغفار، والقيام، وغيره من الطاعات، حتى يدخل المرء في زمرة المؤمنين الذين وصفهم الله تعالى: (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) (المعارج: 23).
كما أن المداومة على الطاعة كفيل بالمحافظة على شحنة الإيمان، فمن بركة الطاعة أن ييسر الله لطاعة بعدها، فإذا رأى الله عز وجل من قلبك إقبالاً صادقاً عليه، تقرب إليك، عن النبي ﷺ قال: «قال الله: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه؛ ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ؛ ذكرته في ملأ خير منه، وإن تقرب إليَّ شبرًا؛ تقربت منه ذراعًا، وإن تقرب مني ذراعًا؛ تقربت منه باعًا، وإن أتاني يمشي؛ أتيته هرولة» (رواه البخاري ومسلم).
ثالثاً: الحذر من هجر القرآن الكريم، والانقطاع عن كتاب الله، بل المداومة على التلاوة والتدبر، والإنصات إليه، والعمل به، وتخصيص ورد يومي للقراءة، أو الحفظ، أو الاستماع، عن عقبة بن عامر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال: «أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو العقيق فيأتي بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطع رحم؟»، فقلنا: يا رسول الله، كلنا نحب ذلك، قال: «أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل» (رواه مسلم).
رابعاً: الاستمرار في إخراج الصدقة والزكاة، وهي وصية الله للأنبياء، قول عيسى عليه السلام: (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً) (مريم: 31)، وقوله عز وجل: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر: 99)؛ أي: حتى يأتيك الموت.
خامساً: ليحذر المسلم من النكوص عن المداومة على الطاعات من صلاة وزكاة وغيره، وليحذر من أن يكون ممن يعرفون الله فقط في رمضان، وليحذر من أن يكتب من الغافلين، عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من قام بعشر آيات لم يُكتَب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كُتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقَنطرين» (رواه أبو داود وصححه الألباني).
وليعلم أن المداومة على الطاعة بعد رمضان طوق نجاة في الشدائد، قال تعالى عن يونس عليه السلام: (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ {143} لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (الصافات).
وليطلب من الله عز وجل الثبات على الطاعة، والهداية، والتوفيق والإخلاص في العمل.