توفي، فجر أمس الثلاثاء 7 شوال 1445هـ / 16 أبريل 2024م، بمدينة تطوان المغربية، الأمين مصطفى بوخبزة العمراني الحسني، أحد أبرز مؤسسي الحركة الإسلامية في المغرب، عن عمر ناهز 68 عاماً، بعد صراع مع مرض القلب لم ينفع معه علاج.
واحتل نبأ وفاته، يرحمه الله، صدارة مواقع التواصل الاجتماعي، وذكر الكثيرون خصاله الحميدة التي تحلى بها خلال نضاله الدعوي والسياسي، علاوة على العمل الخيري والإنساني، حيث وصف بأحد أعمدة الدعوة وفارس من فرسان العمل الاجتماعي، وأحد قادة العمل الإسلامي، ورائد من رواد العمل من أجل قضايا الأمة، وفي القلب منها فلسطين والقدس وغزة.
ولد الأمين ونشأ في أسرة دينية وعلمية محافظة، إذ إن عمه هو محمد بن الأمين بوخبزة أبو أويس، عالم تطوان وخطيب منابرها وشيخ المحدثين بها والأغزر إنتاجًا بين وعّاظها.
حصل الأمين على الدكتوراة بالقاهرة، وتخرج في جامعة الأزهر بمصر، ومارس الخطابة بمساجد تطوان، والتعليم بصفته أستاذًا جامعيًا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمرتيل، ومن أهم إنجازاته تأسيس المدرسة الشاطبية للتعليم العتيق التي كان من نتاجها تخريج الآلاف من حفظة القرآن الكريم.
رافق الأمين جميع مراحل تطور أحد التيارات الوازنة للحركة الإسلامية بالمغرب، قبل أن يكون أحد الوجوه الدعوية التي اقتحمت الميدان السياسي، وكان واحدًا من الذين فازوا بمقعد في البرلمان عام 1997م، وهو المقعد الذي حافظ عليه 3 فترات نيابية متتالية.
وصفه القيادي البارز محمد يتيم بـ«رجل معاصر من زمن السلف الصالح»، معددًا خصاله ومحاسنه، مبرزاً أن ما يقوله ليس «من باب المبالغة أو المدح العاطفي الذي يميل إليه الناس في العادة حين يفقدون عزيزًا، أو سيرًا فقط على ما ورد في الأثر: اذكروا موتاكم بخير».
وذكر نضاله في الساحة الطلابية منذ التحاقه بشعبة الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، زمن سطوة تيار اليسار المتطرف، حيث عرف بلباسه التقليدي وسط زخم الألبسة الحديثة والغريبة.
وأبرز دوره في تطوير العمل الطلابي، إذ أضحت جامعة الرباط في منتصف السبعينيات مجالًا لتأطير عدد من الشباب الملتحق من مختلف المدن، وكان لهؤلاء الطلبة دور في انتشار العمل الإسلامي.
وأشار يتيم إلى أن الأمين وجد نفسه فاعلًا دون أن يقصد، ومساهمًا في إحدى المحطات التاريخية المفصلية التي ستقود إلى القطيعة مع حركة «الشبيبة الإسلامية» تنظيمًا وفكرًا، خاصة حين استفحلت التناقضات داخلها والخلاف مع قيادتها في الخارج، التي أدت إلى تأسيس تنظيم جديد سمي حينها بـ«الجماعة الإسلامية»، ثم حركة «الإصلاح والتجديد»، ثم «التوحيد والإصلاح»، ثم دخول العمل السياسي من بوابة «حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية» (العدالة والتنمية حاليًا).
بدوره، قال عزيز هناوي، الكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع: إن الشعب المغربي والأمة الإسلامية فقدت رجلًا من خيرة الرجال، كرس حياته للدعوة والتربية والعمل الاجتماعي وخدمة القرآن الكريم والمساهمة في مشروع إصلاح الوطن على أكثر من صعيد، فضلًا عن معانقة قضية فلسطين والمقاومة ومناهضة التطبيع حتى لقي ربه.
كما وصفه الأكاديمي المغربي عدنان بن صالح بأنه صاحب نكتة وروح مرِحة وذكاء قَلّ نظيره، محافظًا على ارتداء الجلباب المغربي الأصيل على الدوام، يتلو القرآن بصيغة مغربية جميلة وصوت رخيم، يُؤوي إلى بيته العامّةَ والخاصةَ، ويصاحب الكُتب باستمرار، وينشرح صدره أكثر لطلبة العلم، بحيث كنا نقضي معه الساعات الطوال في جلسات أُنْس وتربية وتذاكر وتفاكر، فيَجود جوداً يُوازي جوده بالمال والعمل، أو أكثر.
وأضاف: الأمين رجل تعليم وداعية وسياسي لا يتكرر إلا لِمامًا، ذو الأَلْف بادرة وعمل، في حركة دؤوبة تُخجِل الشباب، من ميدان الإحسان العمومي إلى السياسة، ومن المحاضرات إلى الوقفات والمَسيرات، يُبادر، يُحفّز، يُساعد، ينتج رأياً أو مقترحًا عمليًا، يساهم بما لديه.
ومن رسائل العزاء المؤثرة والشهادات البليغة ما كتبته المواطنة فاطمة الزهراء أخريف حين دونت بما يلي: تبكيك اليوم بلا شك دور القرآن، تبكيك المساجد والمراكز الخيرية، تبكيك مراكز تصفية الكلى، ومراكز الإحسان، وكتاتيب القرآن، تبكيك الأرامل واليتامى، يبكيك الحجر والشجر، كيف لا نبكي وتطوان تفقد الأستاذ الناصح السابق للخيرات المعطي بلا كلل الناصح الودود اللين، من رجال الله الصالحين في زمانه لا يرد سائلًا ولا يخاف في الله لومة لائم؟
وقبيل وفاته، زاره رئيس الحكومة السابق د. سعد الدين العثماني، رفقة عدد من قيادات حركة «التوحيد والإصلاح» وحزب «العدالة والتنمية»، إذ لم يفته أن يؤكد، يرحمه الله، ويوصي بمواصلة العمل من أجل الإصلاح.
رحم الله الفقيد وغفر له.