قبل استكمال عرض وسائل التدريب الآسرة للمتدربين، والجاذبة لانتباههم، في هذا المقال، نريد التأكيد على أهمية استعمال الألعاب والأشكال المجسمة في تثبيت المفاهيم في أذهان المتدربين، من خلال المثال التالي:
في إحدى الدورات التدريبية، التي قُدمت للصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية، وكانت بعنوان «كيف تكون مبدعاً في بيئة عملك؟»، قمنا بتقسيم المتدربين إلى عدة فرق، وأعطيناً صندوقاً لكل فريق به مائة قطعة ملونة، ومختلفة في شكلها، وطُلب من كل فريق تشكيل منظر طبيعي باستعمال تلك القطع، وكان الهدف من هذه اللعبة أن الهدف العام لا بد من تجزئته إلى أهداف تفصيلية لإنجازه.
هكذا يتصرف المدرب المتألق؛ يسعى إلى استعمال أي وسيلة ممكنة لتوصيل المفاهيم إلى المتدربين.
– توجيه الأسئلة وتخمين الإجابات:
من ذكاء المدرب المتألق، خلال عرض دورته، قدرته على توجيه الأسئلة وتخمين الإجابات؛ لاستثارة حب الفضول لدى المتدربين، وتشجيع مشاركتهم.
مثال (1): في إحدى الدورات التدريبية للقطاع النفطي في مركز التدريب البترولي عام 2023م، بعنوان «إدارة أنماط الشخصية مع قيادة تكيفية»، تم عرض لوحة إلكترونية لسمات متنوعة بين الموظفين، وطُلب من المتدربين أن يخمّنوا سمة واحدة غير مرغوب فيها في بيئة العمل.
وفي دورة تدريبية أخرى للقطاع النفطي في مركز التدريب البترولي عام 2023م، بعنوان «كيف يُشكّل القادة القرارات؟»، تم عرض اقتباس باللغة الإنجليزية لأحد مشاهير العالم، وطُلب من المتدربين تخمين الترجمة إلى اللغة العربية، وأعطيت جائزة لأفضل ترجمة.
وطُلب أيضاً في هذه الدورة تخمين اسم الصحيفة العالمية التي نُشر فيها خبر عن كيفية إدارة الناس ومعرفة نقاط القوة في شخصياتهم، وكذلك تخمين الخطأ الذي وقع فيه الموظفون لمواقف إدارية وقيادية يمرون بها في بيئات عملهم.
لذلك؛ ما يجعل هذا التمرين مثيراً لحب الفضول لدى المتدربين تنوع التخمينات، وتنوع الأسباب وراء تلك التخمينات!
من ذكاء المدرب المتألق خلال عرض دورته قدرته على توجيه الأسئلة وتخمين الإجابات
مثال (2): في إحدى الدورات التدريبية للقطاع النفطي في مركز التدريب البترولي عام 2023م، بعنوان «التواصل بصورة مؤثّرة»، تم اختبار قوة التذكر عند المتدربين بسرد 20 كلمة، وكان من بين هذه الكلمات كلمة واحدة تكررت 3 مرات، وكلمة واحدة لاسم عَلَم (إنسان).
وطُلب منهم تذكر هذه الكلمات العشرين بالترتيب عن ظهر قلب من دون كتابتها في ورقة، ثم طُلب منهم تخمين الكلمة الأولى والأخيرة، وتخمين الكلمة المكررة، وذكر اسم العَلَم الذي ورد في تلك القائمة.
هذا التمرين يؤكد اهتمام المتدربين بما يُذكر أولاً وأخيراً في أي كلمة يسمعونها، وبالاهتمام بما هو مكرر وما هو مختلف.
وهذا ما يجعل المدرب يركز في إلقائه على المقدمة والخاتمة، ويدرك اهتمام المتدربين بما هو مختلف، وكذلك أهمية إعادة بعض الأفكار ثلاث مرات لترسخ في ذهن المتدربين.
وفي الجزء الثاني من الدورة نفسها، بعنوان «مخاوف المستقبل في عالم التكنولوجيا»، تم توجيه سؤال عن تخمين ميزانية القطاع النفطي في الأعوام القادمة، وتخمين حجم الإنتاج النفطي في دولة الكويت، وتخمين نسبة الحصة الكويتية للكيماويات الصناعية في عام 2040م، وجاءت الإجابات مختلفة ومتنوعة، مع طرح الأسباب وراء ذلك، كل حسب تخمينه.
وفي الدورة نفسها، طُلب من المتدربين تخمين مستقبل التكنولوجيا، وطبيعة التقنيات المستعملة فيه، وحصلنا على إجابات متنوعة تركز على تقنية «الهولوجرام»، والطائرات المسيَّرة، والاستنساخ الطبي، والذكاء الاصطناعي.
مثال (3): في إحدى الدورات التدريبية لمركز دار القرآن بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، بعنوان «أسرار القيادة الفعالة»، تم توجيه المقولة التالية للمتدربات: تخيلي أنكِ خرجتِ من بيتك وبيدك قائمة لعشر مهمات ينبغي لك تنفيذها في بيئة العمل في ذلك اليوم، وحينما وصلت إلى موقع العمل، فوجئت بمسؤولك المباشر وهو يشير بأصبع الاتهام نحوك مباشرة ويقول لك: مضى على تعيينك في وظيفتك الحالية ثلاثة أشهر، ولم نر منكِ إنجازاً واحداً، كان يفترض ألا أوافق على تعيينك في هذه الوظيفة، لو كنت مكانك، لقدمت طلباً بنقلي إلى جهة أخرى! ثم غادر مسؤولكِ من دون أن يوضح لكِ سبب هذا الانتقاد اللاذع.
والآن، نريد منكِ، أيتها المتدربة، أن تخمّني، كم مهمة من المهمات العشر تعتقدين أنك قادرة على تنفيذها في ذلك اليوم؟ اكتبي الرقم في ورقة، وأحيطيه بدائرة، حتى لا تفكري وأنتِ تستمعين إلى زميلاتك بتغيير إجابتك.
هنا، نحسب متوسط الإجابات، ونقارنها بالمتوسط العالمي الذي يقدّر بالثلث (33%)؛ أي إن ثلث المهمات اليومية يصعب إنجازها، عند سماع انتقاد لاذع بغير وجه حق!
نستنتج من ذلك أن المدرب المتألق يعلم أن الانتقاد اللاذع الذي يوجه إليه -أو إلى الآخرين- بغير وجه حق، يمتص ثلث طاقة الفرد.
مثال (4): في إحدى الدورات لوزارة التجارة والصناعة بدولة قطر، التي عقدت عن بُعد، في 8 أكتوبر 2023م، بعنوان «أسرار القيادة الفعالة»، طُلب من المتدربين أن يخمنوا الأفكار الغريبة التي يحملها القائد في ذهنه، ومقارنة ذلك بالأشياء التي يحملها الشخص المبتكر في جيبه.
كانت الإجابات غريبة! فمن الأشياء الغريبة التي يحملها الشخص المبتكر في جيبه: مشط أسود، جهاز نداء آلي (بيجر)، دبوس، مشبك ورق، وصل مصبغة، قسيمة اشتراك، بطاقة ائتمان ليس عليها إمضاؤه، نقود لبلد ليس بلده.. وغيرها من أشياء لم يعد أحد يفكر في حملها معه.
ثم يعلق المدرب قائلاً: هكذا ينبغي أن يكون القائد؛ يحمل معه أفكاراً غريبة في ذهنه، يسعى من ورائها إلى تطوير بيئة عمله، وتطوير مهارات العاملين فيها معه.
مثال (5): في إحدى الدورات التدريبية حول المخاوف وضغوط العمل وأثرها في الأداء الوظيفي، عرضنا 10 عوامل من عوامل الخوف التي تعتري الموظف الجديد، وطلبنا من المتدربين تخمين العامل الذي تحقق بعد التعيين في وظيفته: إليك العوامل العشرة، والعامل الذي تحقق منها:
من هذه العوامل العشرة، لم يتحقق سوى عامل واحد، ليس له علاقة ببيئة العمل، وهو العامل الثامن: قد يكون منزلي بعيداً عن مكان عملي!
وعلق المدرب قائلاً: لا يتحقق من المخاوف التي تعتريك في بيئة العمل إلا عُشرها، فلمَ الخوف؟ أقبل ولا تخف!